Menu

يوناني يبيع وصهيوني يشتري وحقوق فلسطينية تضيع

المدرج التاريخي في قيسارية وخريطة المنطقة

بوابة الهدف/ أحمد.م.جابر

يوناني يبيع، وصهيوني يشتري، تلك هي الحكاية باختصار، وتلك هي الجريمة الجديدة ضد الفلسطيني وجودا وأرضا وحقوقا وتاريخا.  لتتجاوز الكارثة حدود الصفقة التجارية، وتتجاوز مجرد حقوق المستأجرين التي تركز عليها الصحافة الصهيونية للتغطية على مهب حقوق شعب كامل.

تحت غطاء شركة مجهولة مسجلة في ملجأ ضريبي، زعمت صحيفة صهيونية أن مشتريا مجهولا دفع مبلغا بخسا لشراء 340 شقة ومركز تجاري في قلب القدس المحتلة، مبلغ لم يزد عن3.3 مليون دولار. وأبطال الصفقة المجهولة لم يعودوا مجهولين، فيما تتسرب ببطء تفاصيلها، وأغراضها التي تتجاوز التجارة المحضة إلى آثار سياسية وديمغرافية شديدة الخطورة على مستقبل مدينة القدس وسكانها الفلسطينيين.

بطريركية الروم الأرثوذكس، وهي يونانية كما هو معروف هي ثاني أكبر مالك للعقارات في فلسطين المحتلة، طبعا يحتل المرتبة الأولى ما يسمى "سلطة أراضي إسرائيل" وهي الجهاز الصهيوني الذي استولى على أرض فلسطين بفعل الاحتلال والطرد والمصادرة.

في السنوات الأخيرة كانت تتسرب الأنباء والفضائح، فالكنيسة الأرثوذكسية تبيع بهدوء وسرية أجزاء من ملكيتها التي هي ملك للشعب الفلسطيني، وليست ملكية خاصة وشخصية، وهي تبيع لشركات صهيونية مموهة، مسجلة للمزيد من التعمية في بلدان تهرب ضريبي، والعمليات كانت تتم بأبخس الأثمان، وكأن الكنيسة كانت تسعى للتخلص من أصولها بأي ثمن.

ولكن هذه الحكاية لا يصدقها أحد، لماذا تريد الكنيسة كمؤسسة التخلص من أصولها؟ فمن يصدق أن ستة دونمات بالقرب من ساحة برج الساعة في يافا والتي تتألف من عشرات المراكز التجارية يتم بيعها فقط بمليون ونصف المليون دولار؟ ومن يصدق أن 430 دونما في قيسارية التاريخية الأثرية ومن ضمنها الحديقة الوطنية والمدرج الروماني تباع فقط بمليون دولار، أو أن  240 شقة ومركز تجاري ومناطق مفتوحة في وسط مدينة القدس تباع بمبلغ 3.3 مليون دولار،  أي أحمق سيصدق ذلك؟

 وهو ما يدفع للشك المتنامي بأن الأرقام الرسمية المسجلة إنما هي غطاء للفضيحة الأكبر وللأموال التي قد تكون ذهبت فعليا لجيوب بعض رموز الكنيسة وربما، أطراف أخرى تحوز السلطة على النبش في أعمال الكنيسة ونعني بذلك بوضوح السلطة الفلسطينية و الأردن اللّذان يمارسان رياضة الصمت حتى الآن تجاه أفعال الكنيسة.

وبالتالي فلغزُ الأسعار المنخفضة ليس لغزا في الحقيقة، ويبقى السؤال لماذا، وما الهدف منه، إن لم يكن مؤامرة، وليست من صنع الخيال هذه المرة، لتغيير الواقع الديمغرافي في القدس، تمهيدا لصفقة سياسية غاشمة تجرد الفلسطينيين ما تبقى من حقوقهم في المدينة ، وتفرض وجودا اقتصاديا وديمغرافيا يهوديا، يكون أمرا واقعا في مناقشات أي حل مستقبلي.

وما يثبت هذا أن الأراضي والملكيات التي تبيعها الكنيسة، لشركة معينة سرعان ما يتبين أنها بيعت مرة أخرى لشركة أخرى، وهكذا تنتقل الملكيات بسرعة وبدون مبرر اقتصادي.

وتزعم تحقيقات الصحافة الصهيونية أن جميع المشترين هم من شركات مجهولة وسيتحدد مصير هذه العقارات خلال عقود، عندما تنتهي عقود الإيجارات، حيث من المعروف أن الكنيسة استحوذت على هذه الأراضي أيام الاحتلال العثماني، ولم تبع أي منها تاريخيا، وكانت تكتفي بتأجيرها لمدة 99 عاما، وهي جريمة بحد ذاتها وجريمة مبكرة إلى تم تأجير مساحات شاسعة لما يسمى الصندوق القومي اليهودي أو ما يسمى "سلطة أراضي إسرائيل" الاحتلالية.

الكشف عن هذه الفضائح بدأ منذ ست سنوات، عندما قام ثيوفيلوس الثالث بطريرك كنيسة الروم الأرثوذكس، اليوناني بعقد عدة صفقات لبيع الأراضي مع شركات خاصة، ونتيجة لذلك انخفضت ملكية الكنيسة بشكل كبير، وصار معروفا أن الكنيسة قد باعت معظم أراضيها في القدس وجزء من أراضيها في يافا، قيسارية، الرملة والناصرة وطبريا، وكذلك المباني والشقق الفردية في القدس ويافا.

بالعودة ست سنوات إلى الوراء، نجد أن الصفقة الكبرى –كما يظهر حتى الآن على الأقل- عقدت عام 2011، عندما أقدمت الكنيسة على تأجير مئات الدونمات في أحياء مقدسية مثل  الطالبية  إلى مجموعة من رجال الأعمال الصهاينة ، ثم، وقبل حوالي العام بيعت جميع تلك الأراضي لنفس رجل الأعمال ونفس الشركة "نايوت للاستثمار المحدودة ". وكان رجل الأعمال الوحيد في المجموعة الذي تم الكشف عنه هو نوعم بن داود.

بموجب القانون، فإنه وخلال مواعيد مختلفة عبر العقود الثلاثة القادمة ستنتهي عقود الإيجار وسيتم نقل الملكيات إلى الشركة الصهيونية، التي من المتوقع أن تستحوذ على المزيد نتيجة لصدمة تجارة العقارات في المنطقة التي خفضت الأسعار بشكل جنوني.

وللمزيد من الغموض، ثمة مشروع في الكنيست، يسمح للحكومة الصهيونية بمصادرة الأراضي التي باعتها الكنيسة، بحجة حماية حقوق المستأجرين، ولك هذا يبدو جزءا أيضا من المؤامرة، فهل كان هذا هو المخطط من البداية ولكن كان هذا الالتفاف فقط لرفع حرج بيع الكنيسة لأملاكها للحكومة مباشرة؟.

مزيد من التفاصيل: وحسب الوثائق التي نشرتها صحيفة هآرتس الصهيونية، فإن المشترين في القدس كانوا: شركة تدعى كورنيت للاستثمار المحدودة، وهي مسجلة في جزر العذراء، وهي التي اشترت الأراضي في القدس، التي اشترت 240 شقة ومركز تجاري على حوالي 27 دونم،  بمبلغ 3.3 مليون دولار مع العلم أن التقديرات الاقتصادية تتحدث عن أن السعر الحقيقي للشقة الواحدة  قد يبلغ أكثر من نصف المليون من الدولارات.

في يافا تم بيع ست دونمات  قرب ساحة برج الساعة، بملغ زهيد لم يتجاوز المليون ونصف المليون، عبر سلسلة عمليات بيع لتصل الأرض لملكية شركة أورانيم المحدودة المسجلة في جزر كايمان، وفي أماكن أخرى في يافا اشترت شركة لبونا المحدودة عام 2013 العشرات من المحلات التجارية والشقق بمبلغ لا يتعدى المليون ونصف المليون دولار، وهي شركة مسجلة في سان فنسنت، وجزر غرينادين في البحر الكاريبي.

ولعل ما قاله الناشط الأرثوذكسي  اليافي بيتر حبش يعبر باختصار وتكثيف عما يحدث "هذا ليس بيعًا، إنّها سرقةٌ".