Menu

الصهيونية ووعد بلفور: تفاصيل أخرى

حاييم وايزمان

بوابة الهدف/ترجمة وتحرير: أحمد.م .جابر

أصوات كثيرة لم تفوت الفرصة في الذكرى المئوية لوعد بلفور لتذكر بالضرر الغاشم الذي ألحقته الوثيقة الاستعمارية بالشعب الفلسطيني والتزام الولايات المتحدة التي خلفت بريطانيا بالتزامها الامبراطوري بهذا الوعد.

في هذه المقالة التي كتبها فيليب فايس، في (موندويس)  والتي نترجمها بتصرف طفيف يتناول كيف أن هذه المئوية لم تكن فقط لوعد بلفور، بل هي أيضا مئوية تمكن اللوبي الصهيوني من الوصول إلى أن يكون لاعبا أساسيا في الشؤون الدولية.

لم يكن التحالف الذي يسمي نفسه، اللوبي اليهودي أو "الإسرائيلي" قد تبلور بعد عندما أعلن عن نفسه مع وعد بلفور عام 1917، لكن الحديث عن الوعد بحد ذاته يمثل عنصرا واحدا من تاريخه، ما لم يتناول قضية "النفوذ اليهودي" والتي يزعم أنها جزء من "معاداة السامية" غير أن تاريخ وعد بلفور لن يكتمل بدون فهم الوكالة الصهيونية ودورها في إنتاج هذا الاستحقاق الاستعماري ولايمكن لأي جهد في تصحيح خطأ بلفور أن ينجح دون التطرق إلى دور اللوبي في صنع السياسة حتى يومنا هذا.

عندما صدر الوعد كانت بريطانيا لاتزال قوة استعمارية، ولها مصالح استعمارية في الشرق الأوسط، وكانت أيضا تقاتل في الحرب العظمى كواحد من الحلفاء (فرنسا وروسيا) ضد قوى المحور (ألمانيا والنمسا والإمبراطورية العثمانية).

وقد ظهر وعد بلفور في ذروة الحرب، بعد أن تم التفاوض عليه على مدى عدة أشهر، ويجب النظر إليه بداية كأداة في زمن الحرب، محاولة من البريطانيين للفوز بيهود أمريكا إلى جانبهم في الحرب، واستخدم البريطانيون ذريعة كسب اليهود ومالهم في وجه المشككين بالتأكيد على المصلحة الجيوسياسية التي سيجلبها التحالف مع الصهيونية في المجهود الحربي. فـ "كل النفوذ يجب أن يستخدم الآن" هذا ماقاله حاييم وايزمن، روسي المولد، وأضاف الصهيوني الأمريكي لويس برانديز " لدى اليهود الآن فرصة رائعة لإظهار امتنانهم لإنكلترا وأمريكا".

يقول المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف إن وايزمان كان مخادعا  "في عام 1917، كان لدى وايزمان سبب لاستحضار أسطورة السلطة والنفوذ اليهودي، وذهب في ترويج هذا بالزعم شكل مثير للإعجاب .... اعتقاد بريطانيا بالقوة الصوفية لـ "اليهود" كانت قد تآكلت في الواقع، وعلى أساس "اعتبارات زائفة " أصدرت إعلان بلفور.

وقد أكد سيجيف ومؤرخون آخرون أن وايزمان لم يستطع استدعاء القوة والنفوذ الحقيقيين، وسقط رجال الدولة المميزين في الإمبراطورية البريطانية في فخ مزاعمه. ويعتقد الكاتب أن هؤلاء المؤرخين كانوا مخطئين؛ لقد كانت القوة والنفوذ اليهوديين عاملا حقيقيا،  رغم أنها  لم تكن وحدها في الملعب. لذلك إذا ألقي اللوم على البريطانيين في إعلان بلفور، يجب أيضا لوم اللوبي الصهيوني أيضا.  وقد لعب ثلاثة من أعضاء اللوبي دورا في هذا: حاييم وايزمان، ولويس برانديز، وجاكوب شيف.

كان أبرز المعارضين لوعد بلفور العضو اليهودي  في الحكومة ومجلس العموم  البريطاني، المعادي للصهيونية ادوين مونتاجو، الذي رأى  في التزام بريطانية بهذا الوعد تقويضا للمواطنة اليهودية  حول العالم، وجادل ببلاغة في هذا الخصوص. في تشرين الأول / أكتوبر من عام 1917 أقنع مجلس الوزراء البريطاني  أنه لا ينبغي إصدار الإعلان دون موافقة من الرئيس الأمريكي، وودرو ويلسون. وكان ويلسون ضد الإعلان، يقول توم سيغف في ما يخص " فلسطين كاملة"،  "وضغط وايزمان على صديقه برانديز، الذي تحدث بدوره مع شخص ما من موظفي ويلسون ما أدى إلى تراجع البيت الأبيض عن موقفه".  ورغم أن الحادث كان دلالة على العلاقات العامة بين وايزمان وبرانديز إلا أنه أكد للويد جورج، كما يقول سيغف، بأن اليهود يسيطرون على البيت الأبيض.

ومن الواضح أن من البديهي القول إن اليهود يسيطرون على البيت الأبيض. ولكن كما هو واضح، لويس برانديز قد اعتنق الصهيونية في السادسة والخمسين،  قبل الإعلان بخمس سنوات، وذلك بسبب حاجته لقاعدة يهودية لتعزيز مكانته كشخص رفيع في إدارة ويلسون، وحصل على هذا من خلال تبني مواقف شعبية مع المهاجرين الجدد، وأراد  ويلسون "يهوديا تمثيليا"، بإمكانه مساعدته على الفوز بأصوات الروس الذين جاؤوا إلى نيويورك، وغيرها من المدن الأمريكية، واستجاب ويلسون لرأي المصرفي جاكوب شيف، بعد أن رفض برانديز لمنصب النائب العام عام 1913، وبعد ذلك عندما صعد برانديز إلى منصة المحكمة العليا عام 1916 أصبح بطلا يهوديا في الجانب الشرقي من نيويورك كزعيم صهيوني.

وكمستشار للرئيس ويلسون وكرجل انتقل من القاع إلى مجتمع البيض المتحكمين وضع برانديز  ختم الاحترام والجاذبية في تلك الطبقة للحركة  الصهيونية الأمريكية.

كان شيف، المصرفي اليهودي الأهم في عصره، وازدواجيته حول الصهيونية والمجهود الحربي للحلفاء تعتبر هامة لفهم وعد بلفور وتحديدا من مساهمته في المجهود الحربي. وله سابقة في ذلك، كمهاجر ألماني حيث أنه في الحرب الأولى كانت ألمانيا "المحبة" مستاءة من التعامل الروسي مع اليهود، ومنعت مؤسسته المصرفية الروس من الوصول إلى القروض الضرورية للحرب عامي 1904-1905.

 وكانت الكراهية من روسيا السبب الرئيسي في أن الجماهير اليهودية الروسية في الولايات المتحدة كانت عموما ضد دخول الولايات المتحدة للحرب لمساعدتها، ولكن شيف استخدم ثروته علنا للضغط على روسيا من أجل تغيير السياسات المضادة للسامية وبالتالي تغيير موقف يهود روسيا في الولايات المتحدة، وفي ذلك الوقت رفض شيف السماح لمصرفه بالمشاركة في القروض لأجل الحرب الأمريكية إلى جانب فرنسا وبريطانيا طالما يتحالفان مع روسيا القيصرية، ولكن تغير موقفه في مارس 1917،  وتخلى عن حياده، فبعد انتصار الثورة الروسية والتخلص من القيصر وافق على دخول الولايات المتحدة الحرب دون تحفظ.

بغض النظر عن الحقائق الدقيقة فإن خرافة السيطرة اليهودية على التمويل والصحافة انتشرت في مكتب الخارجية البريطانية، وكان شيف يعتبر المثال الرئيسي للسلطة اليهودية في الولايات المتحدة، ولا يمكن إنكار أن شيف كان شخصية هامة. مع ملاحظة أن الولايات المتحدة دخلت الحرب بعد شهر من تغير موقف شيف، في عام 1917، أقر شيف وعد بلفور لأنه على الرغم من أنه لم يكن صهيونيا بنفسه إلا أنه اعترف بالدعم للصهيونية داخل الجالية اليهودية الأمريكية، و كاتب سيرته يكتب أن بيان اللجنة اليهودية الأمريكية كان حاسما في دعم وعد بلفور وقد كتبه شيف بنفسه وراجعه مع وزير الخارجية روبرت لانسينغ.

هل كانت الصهيونية قادرة على إقناع دعاة التعايش من أمثال شيف و برانديز في دعم هذا التوجه؟  وكيف يمكن لأي شخص أن يخلص إلى أن البريطانيين كانوا حمقى لدرجة تقديم هذا الوعد للصهاينة؟  وكما كتب سيجيف، فإن كاتب الوعد، وزير الخارجية آرثر بالفور، كان مدفوعا باعتقاد "السلطة اليهودية". "الصهيونية، سواء كانت على خطأ أم على صواب، جيدة أو سيئة، وكتب بلفور، أن لها  'التأثير الأعمق بكثير من رغبات وأهواء 700.000 من العرب الذين يسكنون الآن هذه الأرض القديمة". وقد كتب حاييم وايزمان حول دوره العنيد في تحقيق وعد بلفور، وقدرته على المشي والخروج من وزارة الخارجية البريطانية .

ولنركز هنا على مثال آخر: في حزيران/يونيو 1917 ، قامت الولايات المتحدة بخطوة جريئة وسرية في المجهود الحربي. وأرسلت هنري مورغنثاو، السفير اليهودي الأمريكي السابق و غير الصهيوني في تركيا ، إلى أوروبا في محاولة لصنع سلام منفصل بين دول الحلفاء والإمبراطورية العثمانية والمساعدة في إنهاء الحرب. وأبلغ وايزمان بالرحلة من قبل قاضي المحكمة العليا لويس برانديز وكانت هذه الخطوة مقلقة للغاية للصهاينة. فإذا توصل الحلفاء إلى اتفاق مع العثمانيين، فإن العثمانيين سيظلون في فلسطين، وكان الحلم كله يقوم على الحصول على ضمان بريطاني "الوطن" لليهود في فلسطين. طار وايزمان للعمل، وقد تم تعيينه كممثل بريطاني وأرسل إلى جبل طارق ليرأس الرحلة. نجح في إقناع مورغنثاو بعدم الذهاب، بعد مناقشات مطولة مع مورغنثاو ومسؤول فرنسي جاء للتفاوض، وفي كتابه "وعد بلفور" يشرح جوناثان شنير لماذا سمح البريطانيون لوايزمان بالتفاوض نيابة عنهم، وكتب "وزارة الخارجية خلصت إلى أن بريطانيا بحاجة إلى دعم من" يهود العالم "لكسب الحرب."  كان شنير يحتقر وايزمان ويقول أنه "عزف بدهاء على قوة هذه العصابة العالمية وضخم القوى الغامضة لها لدى وزارة الخارجية البريطانية".

ولكن لماذا كانت وزارة الخارجية البريطانية مهتمنة بتفويض طرف للتفاوض نيابة عنها لتقويض مبادرة دبلوماسية أطالت أمد الحرب، كما قال السيناتور الأمريكي عن بنسلفانيا ديفيد ريد الذي اتهم وايزمان بإطالة أمد الحرب، لمدة عامين بعد إفشال بعثة مورغنثاو (كما يقول وايزمان في سيرته الذاتية). وبطبيعة الحال، عمل وايزمان على خلق الوثيقة الاستعمارية وإن كان معظم العمل تم من وراء الكواليس،

ورغم سعي البريطانيين لتكريس الوعد ودورهم التاريخي في هذه الوثيقة الاستعمارية إلا أنهم حاولوا تقويض مساراته في سنوات الانتداب الأخيرة لكن بعد أن فرض الصهاينة سيطرة على فلسطين.

لم يكن هنري مورغنثاو صهيونيا. برانديز لم يكن دائما صهيونيا. واليوم، اللجنة اليهودية الأمريكية التي أعطت تأييدا فاترا لوعد بلفور قبل مائة عام، هي قلب "اللوبي الصهيوني".

لاشك أن البؤس في فلسطين الذي نجم عن وعد بلفور لن ينتهي حتى يتم الكشف عن السبب الجذري لتلك المعاناة والسبب الجذري هو الصهيونية ولابد من الكثير من التأثير على اليهود لكسرها.