Menu

زلزال في مملكة النفط

saudi-arabia1

خاص بوابة الهدف

تحددت ساعة الصفر وانطلقت القوات الموالية لولي العهد السعودي لتعتقل اهم الأقطاب في العائلة المالكة وفي المنظومة السياسية والاقتصادية السعودية، الاعتقالات طالت 38 شخص بينهم امراء ورجال اعمال ورجال دولة سابقيين وحاليين.

في البداية تم اعلان اعفاء قائد الحرس الأميري السعودي وقائد سلاح البحرية السعودي من المهام الموكلة لكليهما ثم اعلن عن تشكيل لجنة لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد ليتم اعتقال الشخصيات المذكورة باتهامات تتعلق بالفساد.

هذا الزلزال السياسي في السعودية كان غير مسبوق ولكنه لم يكن الوحيد منذ صعود سلمان بن عبد العزيز لعرش السعودية، فولده محمد الذي يدير المملكة فعليا لم يتوقف للحظة عن إزاحة منافسيه وخصومه المحتملين، وما كان اختياره لتولي منصب وزارة الدفاع إلا إعلان مسبق عن نيته استخدام القوة، في الحصول على ما يريده.

حين أزاح محمد بن سلمان، ابن عمه الأكبر عمرا ومكانة محمد بن نايف ولي العهد السابق، وأحد أكثر الرجال قربا من الولايات المتحدة، كان يسهل تفسير ذلك بأنه إجراء يهدف لايصال محمد بن سلمان للعرش السعودي، ولكن ما جرى في الأيام الماضية فاق ذلك بكثير، حيث تم تهشيم مفاصل العائلة المالكة، والمجموعة  البيروقراطية والاقتصادية  المسيطرة في عهد الملوك الثلاثة الأخيرين في السعودية، وحوادث تصفية طالت أمير في المنطقة الجنوبية والعديد من المسؤولين فيها، والأخطر هو احتجاز شبه معلن لرئيس حكومة لبنان.

استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري التي اذاعتها فضائية العربية لم تكن الحدث الأبرز، بل غيابه عن التواصل وعن وسائل الإعلام بعد هذه الاستقالة، وظهوره فقط في صورة نشرها حسابه على تويتر تجمعه مع أحد السفراء السعوديين، الصورة زادت المخاوف لدى أنصار الحريري على مصيره، حيث إتضح من الخلفية كونها في ذات الفندق الذي يحتجز فيه الأمراء والمسؤولين السعوديين الذين تم ايقافهم.

مسيرة صعود الأمير الشاب والحاكم الحقيقي للسعودية محمد بن سلمان حتى الان شملت إزاحة اثنين من اثقل الامراء وزنا في تاريخ الحكم السعودي، هما رئيس الاستخبارات السابق مقرن بن عبد العزيز الذي كان يشغل منصب ولي العهد، ومن ثم محمد بن نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السابق الذي كان يشغل  منصب ولي العهد بعد الأمير مقرن، بجانب سلسلة هائلة من الاقالات لمعظم التركيبة الحاكمة السابقة، المراسيم تصدر باسم الملك سلمان لكن لا جدل على أن من يصدرها هو محمد بن سلمان.

الشهور الأخيرة شهدت أيضا تطورات أخرى هائلة على مستوى سياسة المملكة داخليا وخارجيا، فقد سمح للنساء أخيرا بقيادة السيارات واذاع التلفزيون السعودي الأغاني مجددا، ويجري التمهيد للسماح للنساء بحضور مباريات كرة القدم، هذا ناهيك عن الحرب المستمرة على اليمن، والأزمة مع قطر ، أما الأخطر في مضمار السياسة الخارجية السعودية هو الاتجاه الواضح لبناء علاقات علنية مع الكيان الصهيوني، والصفقة الهائلة التي شملت تسليم الاحتياطي المالي السعودي للولايات المتحدة تحت مسمى صفقات تسليح ومشاريع.

السعودية مقبلة على ما هو اسوء وهذا أكيد، حيث ستصفي أهم مورد لهذه المملكة وهو شركة " أرامكو" ويجري بيعها تدريجيا بموجب خطة الأمير الشاب، هذه الشركة التي اشترط الرئيس الأمريكي ترامب طرح أسهمها للبيع في بورصة نيويورك، وهو ما يبدو انه سيتحقق.

المملكة التي قامت حول منابع النفط وشركة النفط، يبدو أنها ذاهبة نحو طور جديد، ستتغير فيه ملامحها بشكل حاد، وتصبح أداة اكثر طواعية للإرادة الأمريكية، تدار بجهاز بيروقراطي جديد لا يحمل تباينات كثيرة في داخله وأقل تعقيد عن المنظومة السابقة وانسجام مع الآلية الأمريكية في العمل، والمقصد هنا ليس الطاعة السياسية من السعودية للولايات المتحدة فحسب، ولكن ضمان وجود جهاز ناجح وفعال في تنفيذ السياسات الأمريكية في المنطقة، بعد أن فشلت المملكة عدة مرات في مهامها السابقة التي اوكلها اليها الامريكيون.

ما حدث بالأمس ليس إزاحة لخصوم ينافسون الأمير على عرشه، بل تنفيذ واضح لرؤية أمريكية ببناء السعودية الجديدة، التي سيكون لها جهاز حكم ومنظومة اقتصادية مختلفة، هذه التطورات لن تقف عند هذا الحد، وللحديث بقية.