Menu

المجلس المركزي: أزمات وتحدّيات وطموحات!!

هاني حبيب

كانت الدورة الأخيرة لانعقاد المجلس المركزي الفلسطيني قد انعقدت قبل قرابة ثلاثة أعوام تضمّن بيانها الختامي 12 قراراً من بينها القرار المتعلق بانتظام اجتماعاتها مرة كل ثلاثة أشهر وبحيث تتولى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تنفيذ قراراته، ومن الواضح أن قرارات ذلك الانعقاد لم تنفذ رغم ما عصف بالقضية الفلسطينية خلال تلك الفترة من أزمات وتحديات، فضلاً عن أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف ب القدس المحتلة عاصمة للدولة العبرية، لم يكن سبباً كافياً كي تعقد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية اجتماعاتها، بما في ذلك وعلى الأخص اللجنة التنفيذية لاتخاذ المواقف المتناسبة مع خطورة هذا الاعتراف وانعكاساته على القضية الفلسطينية، دون تجاهل بطبيعة الحال، تلك المواقف التي اتخذتها وتبنتها القيادة الفلسطينية اثر قرار الرئيس الأميركي والتي عكست الموقف الوطني الفلسطيني تجاه هذه الخطوة وما تمثله من استهداف تصفية القضية الفلسطينية إلاّ أن مثل هذه المواقف تظل عاجزة عن أن تشكل موقفاً موحداً توافقياً في إطار منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

ومع انعقاد الدورة 28 للمجلس المركزي الفلسطيني فنحن أمام مرحلة جديدة أكثر خطورة ربما من معظم ما شهدته قضيتنا الوطنية من تحديات عبر سنوات الاغتصاب والاحتلال للوطن الفلسطيني، اثر قرار الرئيس الأميركي المشار إليه بالتوازي مع جملة القرارات العنصرية الإسرائيلية التي تم اتخاذها في الكنيست والرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أرضاً ووطناً وإنساناً، ما يتوجب معه ضرورة أن تخرج اجتماعات هذه الدورة بالقرارات التي تعكس تلك المخاطر من جهة، وحشد إمكانات الشعب الفلسطيني لتحديها لتلك المخاطر من جهة أخرى، وكان ذلك يتطلب تجلي وحدة وطنية حقيقية بمشاركة حركتي الجهاد وحماس، إذ إن عدم مشاركتهما سيؤثر من دون شك على التوافق الوطني المطلوب على ضوء هذه التحديات، وفي حال الخروج بالقرارات الملائمة لهذه الدورة، ربما بل يجب أن تتبنى الحركتان هذه النتائج رغم عدم مشاركتهما في أعمال هذا الانعقاد لدورة المجلس المركزي.

إن مساءلة القيادة الفلسطينية عن عدم التزامها بتنفيذ قرارات الدورة السابقة للمجلس الوطني أمر ضروري ومطلوب، إلاّ أن ذلك يجب ألا يكون على حساب التطلع نحو المستقبل والتوافق على اتخاذ قرارات من شأنها تجاوز اتفاق أوسلو وملحقاته والتأكيد على العمل على رفض مشروع القرار الإسرائيلي بضم الضفة الغربية، والإعلان عن دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 بعاصمتها القدس، كدولة تحت الاحتلال، وما يتطلبه ذلك من تحشيد الشعب الفلسطيني وراء هذه القرارات الأمر الذي يستلزم وبالضرورة إعادة النظر بطابع ووظيفة السلطة الوطنية الفلسطينية من ناحية، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاح هياكلها التنظيمية لتضم بين جناحيها كافة أطياف وفصائل العمل الوطني والإسلامي والتصدي لكافة المحاولات الرامية إلى إيجاد بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية.

إن اتخاذ القرارات المناسبة لمواجهة السياسات الأميركية والإسرائيلية، يتطلب فضلاً عن توافق وطني موحد، يستلزم وبالضرورة التشاور مع الحاضنة العربية والدولية، ذلك أن مثل هذه القرارات لها انعكاساتها الكبيرة والمؤثرة على القضية الوطنية والشعب الفلسطيني، ولعل ما يجعل لمثل هذه المشاورات أهمية أكبر من أي وقت مضى، حالة الحصار السياسي الذي أشارت إليه مداولات مجلس الأمن والجمعية العامة مؤخراً لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل على خلفية قرارات ترامب، إلاّ أننا في هذا السياق، يجب أن نلاحظ تراجع التأييد في المحافل الدولية هذه للقضية الفلسطينية رغم نجاحها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ إن هناك تزايدا ملموسا في الدول التي تتغيب عن التصويت، مع تزايد في عدد الدول الممتنعة عن التصويت قياساً بالسنوات الماضية، إذا لا يجب التعامل مع أصوات الدول في الجمعية العامة وكأنها تساندها بشكل آلي أوتوماتيكي، وهذا يتطلب جهداً فلسطينياً وعربياً يتوازى مع ما تشكله المنظمة الدولية من أهمية لدعم نضالنا الوطني.

هذا لا يعني بطبيعة الحال، الارتهان إلى العلاقات الدولية لتحديد المواقف والقرارات الوطنية الفلسطينية بل لجعل هذه العلاقات أداة فلسطينية تستند  إليها نضالات شعبنا الفلسطيني لنيل حقوقه الوطنية بكنس الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ذلك أن الرهان الأول والأساسي معقود على الشعب الفلسطيني وإمكاناته العالية في التضحية من اجل أهداف تحرره الوطني وذلك يتطلب توفير كل مقومات الصمود والتنظيم والحشد وتطوير كافة أدوات النضال تحت راية موحدة وفي إطار برنامج وطني يضع الخطوط التكتيكية والاستراتيجية لمثل هذه المواجهة مع الاحتلال في ظل ميزان قوى ينبغي العمل على سد الفجوة للحد من مخاطره واستهدافاته!