Menu

ميناء "جوادر".. اقتصاد الشرق الأوسط في فم التنين الأصفر!

أحمد نعيم بدير

غزة _ خاص بوابة الهدف

وقعت الهند وإيران، قبل عدّة أيام، اتفاقات تشمل تأجير طهران جزءً من ميناء "تشابهار" على ساحلها الشرقي للعاصمة الهندية نيودلهي لمدة 18 شهرًا.

هذا المشروع الذي تبلغ الاستثمارات فيه 85 مليون دولار ويبعد مسافة 90 كيلومترًا فقط عن ميناء "جوادار" الباكستاني الذي يجري تطويره بمساعدة الصين، يُشكل مسارًا للنقل بين الهند و إيران وأفغانستان دون المرور بباكستان، وفي ذلك خطوة مُبطنة لمواجهة المشاريع الضخمة للصين في المنطقة.

الصين التي تسعى دومًا لنسج علاقات مع الدول لتنمية هيمنتها على الاقتصاد العالمي، وقعت عينها على باكستان، حيث تمارس منها الصين تدريبات الإحماء رغبةً في الانطلاق نحو العالم بعد ذلك، خصوصًا في وجود ميناء "جوادر" الباكستاني الذي تُراهن عليه الصين كثيرًا.

ميناء "جوادر"

في الرابع من نوفمبر 2016، غادرت ثلاث حاويات عملاقة من ميناء "جوادر" الاقتصادي متجهةً إلى بحر العرب، في إعلانٍ واضح عن تدشين الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني. والذي يبلغ إجمالي استثماراته 46 مليار دولار، وسيتم إنجازه على ثلاث مراحل مُتعاقبة.

هذا الميناء سيعود بالنفع على كلا الطرفين، حيث تأمل باكستان بالحصول على شبكة هائلة من الإنجازات في مجالات "الطرق، الاتصالات، الطاقة"، حيث تم توقيع 51 اتفاقية تحت مظلة هذا المشروع، وتتوقع باكستان برفع نموها الاقتصادي ما نسبته 5% سنويًا بصورة عامة، خاصةً مع اكتمال المشروع بصورته النهائية عام 2030.

وتقع أهمية الميناء في أنه يطل على مضيق هرمز، حيث يمر ثلث نفط العالم، وكان هذا الميناء عُمانيًا حتى عام 1958، حينها اشترت باكستان منطقة الميناء من سلطنة عُمان، وباشرت العمل فيه عام 2002.

"جوادر أقرب إلى الصين من نفسها!"

يُعتبر ميناء "جوادر"، أقرب إلى مدينة "شينجيانج" الصينية الصناعية من موانئ شرقي الصين، ما يُكسب هذه الدولة العملاقة مزيدًا من توفير المال والوقت، وسيساهم في تقليص الوقت المستغرق لنقل البضائع بنسبة 60 إلى 70%، بحسب نائب رئيس مجلس الدولة الصينى "يو ياندونغ".

وعن موقعه الاستراتيجي، فإن هذا الميناء يعتبر أداة دمج لجنوبي آسيا، والصين، وآسيا الوسطى معًا، وهذا ما دفع الصين للاستثمار فيه بما يُقارب 4.5 مليار دولار، على أن تحتفظ به الصين لمدة 43 عامًا.

أميركا على الخط

منطقة "بلوشستان" التي تحتضن ميناء "جوادر" تجاوزت معها الولايات المُتحدة الرغبة في "مُحاربة الإرهاب"، إلى الرغبة في مُحاربة المشروع الصيني نفسه، حيث أضافت في سبتمبر/أيلول 2016، باكستان إلى قائمة الدول الراعية لـ"للإرهاب"، ما يعني مزيدًا من التضييق الاقتصادي، والاستباحة المُباشرة للأراضي الباكستانية، وما يعني في الوقت ذاته أن واشنطن وبعد عامين من المراقبة الصامتة، أوجدت لها بابًا خلفيًا للتأثير على المشروع الصيني.

ميناء "جوادر" لم يُسبب القلق لواشنطن ويُهدد مصالحا لوحدها، بل للهند أيضًا والتي تعد لاعبًا أساسيًا في الاقتصاد العالمي، وذلك لعدة أسباب، منها العداء التاريخيّ مع باكستان، وهذا يبدو طبيعيًا، فالكثير من الدول لها عداءات وخصوم على خلفياتٍ متنوعة، إلّا أن السبب الأهم لقلق الهند هو استئجارها لجزء من ميناء "تشابهار" الايراني، والذي يبعد 90 كيلومترًا فقط من ميناء "جوادر"!. فهُنا صفعة قوية على وجه الهند من الصين، ولكن بيد باكستان.

والهند هي لاعب رئيسي آخر، ودخلت على خط النزاع من خلال دعم بناء ميناء "تشابهار" نكايةً في باكستان ومحاولة لمنافسة ميناء "جوادر"، وهو جهد مدعوم أيضًا من دولة الإمارات التي تتحالف مع الهند في محاولة لتقويض حلف الصين مع باكستان.

وعادةً ما يتم تبادل الاتهامات بين الدول المُتنازعة وتتوسط دول أخرى بينهم، ولكن أهمية الاقتصاد وسلامته في دولته الأم، دفع الهند للتهديد المُباشر والتلويح بتدمير ما يتم إنشاؤه من البنى التحتية في المشروع الصيني.

"دبي جديدة!"

عربيًا، الدولة الوحيدة والتي ربما هي الأكثر ضررًا من مشروع ميناء "جوادر"، هي دولة الامارات التي لطالما حلمت بأن تكون قوةً اقتصاديةً لا شريك لها. ولكن مع وجود الميناء الجديد ستصبح التجارة أسهل بين آسيا والصين، ما يعني سحب البساط من تحت أقدام الميناء الاماراتي الأشهر في العالم "ميناء جبل علي"، الذي يستضيف حاليًا ما يقارب 5000 شركة من 120 دولة حول العالم.

الامارات وعلى خطى الهند، شاطت غضبًا من مشروع ميناء "جوادر"، فذهبت لدعم المعارضة الباكستانية للإطاحة برئيس الوزراء "نواز شريف" عبر اتهامه بالفساد اعتمادًا على وثائق مُسربة كانت الإمارات مصدرها. وكانت أول زيارة لرئيس وزراء هندي للإمارات منذ (37 عامًا) في نفس توقيت توقيع الاتفاقية الصينية-الباكستانية، وهذا ليس من باب المُصادفة، ولكن المشروع الصيني جمع شتات العلاقات بين الهند والإمارات كونهما متضررتين منه.

وإذا كان ميناء "جوادر" يُشكل رعبًا للإمارات، ففي ذات الوقت يُشكل مصدرًا للأرباح بالنسبة لدولة قطر ، فلجأت الأخيرة إلى الاستثمار فيه بنسبة 15% من البنى التحتية، وباقي دول الخليج لا تظهر قلقًا مبالغًا من الممر كما تفعل الإمارات، ربما لأن لكل منها موارد نفطية وطبيعية، على النقيض من الإمارات التي تعتمد بشكلٍ كامل على الموانئ والنقل.

كما تسعى الصين لإحياء ممرٍ تجاري قديم مع باكستان، وهو مشروع من عدة مشاريع ضمن نظرية "الحزام والطريق" التي يسعى لتحقيقها التنين الأصفر –الصين-، للسيطرة على العالم اقتصاديًا، ما سيدفع دول الخليج للقلق، حيث ستضعها هذه المشاريع بين نارين في الاختيار ما بين الصين وأميركا.

وبحسب تقرير اقتصادي نشره موقع "الخليج أونلاين" في ديسمبر العام الماضي، فإن شرارة الحرب الباردة وصراع النفوذ الاقتصادي في المحيط الهندي وبحر العرب، بدت ملامحها تظهر للعيان بعد أزمة حصار قطر، التي كشفت حقيقة هذه الصراعات بين قطبين من الدول، تسعى من خلالها للهيمنة على مناطق التجارة العالمية في الشرق الأوسط وشرقي آسيا. هذه الدول هي "الهند والإمارات وأمريكا" من جهة، و"باكستان وقطر والصين وروسيا" من جهة أخرى.

هذه النزاعات الاقتصادية المُتشابكة، دفعت بعض مراكز الدراسات للقول إن الجفاء "الباكستاني الأمريكي" لن يستمر، وعزت ذلك كون النخبة الباكستانية وأموالها توجد في أمريكا، كما أن أمريكا لا يمكنها العمل في أفغانستان دون باكستان، ولكن السؤال الكبير هو: هل يمكن أن تمضي باكستان نحو تحالف جديد على أسس جديدة وقواعد جديدة مع أمريكا؟، والتساؤل هُنا للإعلامي المصري أحمد المسلماني.

وأضاف في مقالٍ سابق له، إن باكستان تقترب من الصين، والهند تقترب من أمريكا.. كما أن باكستان الحليف الموثوق للسعودية.. وبدأت التقارب مع إيران لأجل مواجهة التوتر مع أمريكا.. ولا أحد يعرف تمامًا مآلات تلك التقلبات الجيوسياسية الضخمة في تلك المساحة المهمة من العالم.