Menu

«قراءة في خطاب الرئيس عباس»

عباس

أحمد مصطفى - فيسبوك

الكلمات التي سمعنا أثيرها عبر تلفزيون فلسطين لم تكن كلمات، بل كانت "لَكَمَات"؛ فالرئيس أعلنَ وبصريح العبارة عن سلسلة جديدة من الإجراءات (العقوبات) الجديدة على قطاع غزّة.

هذه العبارة هي الأهم لدى المواطن الفلسطيني القابع في غزّة، بمجرّد سماعه لها نَسِيَ حماس وصفعة السفير الأمريكي بقوله "ابن الكلب"؛ فبادرَ المواطن بتحسس جيبه نادمًا على كلِّ قرشٍ أخرجه هذا الشهر، أكان كمصروفٍ لطفله، أو طعامًا ميسورًا في الجُمعتين الماضيتين، فالأمر بالنسبة للمواطن الغزّي بمثابة ناقوس الخطر الذي يهدد "كل" راتبه الشهر المقبل.

ولكن على صعيد السياسة، دعونا نحكّم الواقع والمنطق فيما بيننا:

1. لا أشكك بالنوايا القويّة (لبعض) المسؤولين في حركة حماس ومدى جديّة اختيارهم لقرار المصالحة، وفي ذات الوقت لا أشكك بحتمية قرار (كافة) المسؤولين في حماس -بتفصيل- المصالحة حسبما يرونه ملائمًا لعباءة المصالح الحزبية المشتركة.

2. ملف محاولة الاغتيال التي طالت موكب رئيس الوزراء رامي الحمدالله هو ملف تتحمله حركة حماس فعليًا، أكانت كعضوٍ أو كضحية، وأعتقد أنّ حماس تقف على مرأى الخجل من هذا القصور الأمني الذي بدا كصفعة كبيرة لم تتلقّى مثيلًا لها منذ جريمة اغتيال الشهيد القسّامي مازن فُقها، فهذا الخرق الأمني الكبير أودى بحماس لمربّع الفشل الذريع في تأمين شخصيات هامة كالوفد الوزاري.

3. تحميل الرئيس مسؤولية التفجير لحركة حماس هو قرار حساس، أكان يحمل في طيّاته اتهامًا وضلوعًا أو قصورًا وضعفًا، فمن هذا المنطلق لا مناص لحركة حماس إلا بتسليم الأمن لقوات السُلطة لإثبات جديّتها في المُضِي قُدمًا نحو اِتمام المصالحة، فاستغلال الفشل الأمني لحكومة غزة في هذه القضية دفع السلطة للعمل بمقتضى القانون الرياضي "الغَلَبة على أرض الخِصم".

4. يحق لحماس أن تحمِل على الرئيس تلك اللهجة العنيفة التي تحدث بها باعتبارها (كتجاوزات) شخصية تراكمية، ولا يحق لأي جهة أن تستغلها من ميزان سياسي يُصرِف الأنظار عن صُلب القضايا من منظورها التحليلي والواقعي لمُجريات الواقع في غزّة.

5. الإجراءات (العقابية) التي طالت وربما ستطال المزيد منها على عاتق المواطن الفلسطيني في غزّة لم تكن إلا لتدفع عجلة المصالحة للأمام، فالخصومات على الموظفين وكافة أشكال التضييق وحدها ما دفعت حماس لحل اللجنة الإدارية، ووحدها ما ستدفع حماس أيضًا للتفاوض على ملف الأمن والتمكين -فوق الأرض وتحتها-، فمن يعتقد أنّ السلطة ستنفك عن إجراءاتها دون تسلُّم زِمام الأمن في غزّة فهو واهِم، فلا نفوذ وتمكين دون أمن وسيطرة فعلية.

6. الاختبار القادم لحماس هو بمثابة "الرصاصة الأخيرة"، فإما أن تُثبِت تعاونها مع السُلطة من خلال تسليم الأمن، أو ينتفض بعض مسؤوليها لتغليب رأيهم في المُضي صوب تيار دحلان، فهذا الأمر منوط بقرار مجلس الشورى الخاص بجماعة الإخوان المسلمين، والذي ستتضح معالمه خلال شهر على الأقل؛ فإما التعاون، أو الإجهاض، وإن اختارت حماس الإجهاض لعملية المصالحة؛ فالويل على غزّة عظيم بأيادٍ مصريّة وفلسطينية، أكان من قطع المال والكهرباء والدواء والغذاء كليًا أو من قتل الممرات البرية وما تحتها مع مصر؛ فيجب على حماس أن تعي أنّ علاقة الرئيس ب مصر أقوى دبلوماسيًا وشرعيًا من علاقة دحلان بالقيادة المصرية ماليًا.

7. في حال تعنّتت حماس عن تسليم ملف الأمن، فالرئيس يرى أنّ الشعب وحده من سيقول كلمته في وجه حماس، وتعي حماس جيدًا أنّ الجائع لا يملك شيئًا يخسره سوى روحه؛ وهذا ما أعتقد أنها لن تسمح به ولن تشهِر بسلاحها أمام غضبة محتملة لـِ 58 ألف موظّف وعائلة تعتاش على رواتب السلطة كل شهر، وأمام 2 مليون مواطن غزّي يحتاج للغِذاء والكهرباء والدواء.

8. القادم علينا في غزّة يحمل الكثيرة من المرارة، ولا مفرّ منه إلا في زِمام قرار يصدر عن قيادة حركة حماس بعد تنظيم صفوفها القيادية على قرارٍ وحيدٍ مشترك، يُعيد المصلحة الشعبية قبل الوطنية إلى نِصابها؛ لأنّ حماس تتحمل المسؤولية، والسلطة تتحمل رد الفعل، والشعب يتحمّل ضريبة كليهما.