Menu

يوم كنت: جُرن وفُرن وطاحونة!

نصّار إبراهيم

29541026_2011734379100708_1169933464808494338_n

العمل في الأساس والجوهر فعل اجتماعي، تقدم وتطور بفعل التجربة الجماعية وتفاعلها مع الذات ومع الطبيعة وشروطها واحتياجات الجماعة، إذ يستحيل أن ينتج إنسان بمفرده كل ما يحتاجه المجتمع، أو حتى ما يحتاجه هو كفرد، ومع تطور الحياة وإيقاعها السريع وما ترتب على ذلك من تطور في الحاجات كمًا ونوعًا، أصبح تقسيم العمل أدق وأدق وأدق... فإنتاج سلعة اليوم أصبح يحتاج تضافر عشرات المعامل والمصانع والشركات والعقول والدول..

وكما هو الحال في الاقتصاد هو الحال في السياسة والمجتمع... فما شهده المجتمع البشري من تطور في الوعي والسلوك والبنى بات يشترط إبداع منظومات حكم وسيطرة وإدارة لا يمكن أن يؤديها فرد واحد حتى لو كان نبيًا أو ساحرًا...

ومع ذلك، ورغم كل ذلك لا زلنا نشهد في واقعنا العربي ما يشير إلى أن منظومات الحكم والقيادة لدينا ليس لديها خبر بكل هذا...

فالزعيم والقائد والأمين والرئيس والأمير والسلطان والمدير لا يزال يتصرف باعتباره قادر على كل شيء، ذلك لأنه عبقري في السياسة كما في الاقتصاد والثقافة والرياضيات والفيزياء وعلم طبقات الأرض وعلم الفلك وتفسير الأحلام، وهو فيلسوف وشاعر ورياضي بمقدوره مثلاً أن ينافس في "الفورميولا ون"، أو تسلق "إفرست"، وهو أيضا فهّامة (على وزن فعّالة) في فن الطبخ وفن النقد والمسرح والتشكيل والنحت أيضًا، هذا عدا عن عبقريته في علم التاريخ وعلم الوراثة وهندسة البطاطا، وتكنولوجيا النانو والنونو والنيني والنانا، والأهم من كل ذلك أنه أهم استراتيجي عسكري في التاريخ، أين منه الصيني سون تسو، وخالد بن الوليد ونابليون وجوكوف وهانيبال أو رومويل ثعلب الصحراء.

إنه مطلق القدرات التي لا تحيط النسبية والجاذبية بشيء منها.

المشكلة أن المجتمع أو الشعب أو الحزب الذي يقوده لا يدرك ذلك... فلا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، الشعوب "المتخلفة" لا تعي أن لا بديل عنه أبدًا، فهو أول وآخر طبعة من نوعها... شعوب وظيفتها النكد.

كانت أمي تقول حين تراني أحاول أن أقوم بأكثر من عمل مختلف في ذات اللحظة: والله يمّا ما دمت عامل حالك "جرن وفرن وطاحونة" عمرك ما تفلح! يومها لم أدرك ماذا تقصد...

ولكن، بعد سنين طويلة أدركت المعنى... فتواضعت ما استطعت...

السؤال هنا: ألم يكن لكل من هؤلاء الرؤساء والملوك والأمراء والقادة والزعماء أم مثل أمي فضة (سيلفيا) تقول له ما قالت أمي لي!؟ لعل وعسى!.