بعد عشر سنوات على قصف المفاعل السوري المزعوم من قبل الطيران الصهيوني، لا شيء حقيقة أضيف على الحدث، فقد تبين بعد تحليل المعلومات أنها جميعها قد تم تداولها نسبة إلى "الصحافة الأجنبية" على عادة الإعلام الصهيوني في القضايا التي يمنع النشر والتداول فيها. ما هو الجديد إذا ما عدا الفيديو والصور الملونة التي نشرها الأرشيف الصهيوني؟ وما عدا شجار عجوزين من ثعالب السياسة الصهيونية أصبحا تقريبا خارج اللعبة السياسية ويتنافسان على مجد زائل هما أيهود أولمرت وأيهود باراك.
يضاف إلى هذا حقيقة أن الكيان الصهيوني قد أصبح الآن وجها لوجه أمام النتائج وأمام كشف الحساب الداخلي إن لم يكن الخارجي على الضربة: تشدق ومباهاة السياسيين والأمنيين بأن، كل منهم عرف وساهم وكان له رأي وهو ما كذبه رئيس الموساد السابق وسخر منه وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، وكذلك الادعاءات الكبيرة التي ظهرت بين الأجهزة لتتمخض عن فشل استخباري كبير جدا وصف بأنه يعادل فشل حرب أكتوبر.
لماذا الآن إذا؟
زعمت أوساط العدو ومحللون أيضا أن السبب هو عدم قدرة سوريا على الرد حاليا وتصاعد الحديث عن السلاح النووي في الشرق الأوسط ورغبة الكيان في توجيه رسالتين مزدوجتين الأولى إلى إيران كتحذير ووعيد والثانية إلى العرب الذين تريد التحالف معهم بأنها قادرة على حمايتهم من التهديدات ذات الطابع الاستراتيجي.
ولكن يبدو أن هذا لم يتحقق، فإيران لم ترتعد فرائصها، ولم تتنازل بالتعليق على الحادث، وإن كانت تراقب وتستعد للرد، كما أن سوريا ليست في وارد الرد الآن وهذا طبيعي ولكن الكيان الذي فشل على مدى سنوات في اكتشاف مفاعل نووي كشفه خطأ بشري سوري في النهاية لا يستطيع حقا الشعور بالأمان، وبالتالي فإن سبب نشر المعلومات عن هجوم 2007 أبسط بكثير، مجرد مذكرات سياسيين فجرت الموقف ودفعت الصحافة للمطالبة بالكشف عن الأرشيف لكي يعرف الجمهور من منهما يكذب حقا في القصة التي ينشرها عن 2007، إذ تبين أن الرجلين الذين كانا في قمة القرار السياسي الأمني الصهيوني في حينه، أ]هود أولمرت وأيهود باراك يرويان قصتين متضاربتين. وهكذا كما تقول صحيفة هآرتس يبدو أن الرقابة لم ترفع لتهديد إيران بل بسبب غرور الرجلين أكثر من أي شيء آخر.
ومما لاشك فيه أن نشر المذكرات الآن له أسبابه عند الرجلين فأولمرت يريد استعادة وهجه بعد سنوات من السجن بتهمة الفساد الذي يريد تنظيفها ببطولة نووية، وأن يقول للجمهور أنه هو الذي تجرأ على ما لا يجرؤ عليه نتنياهو الآن، وهو متخم الآن بالمديح الفوري الذي حصل عليه، وباراك يريد أن يوجه رسالة إلى الأحزاب التي تتركه خارجها في المسار الانتخابي وكأنه يقول لهم "أضاعوني وأي فتى أضاعوا". ولكن لسوء حظ الرجلين عليهما علنا أن يخضعا لاختبار الكذب لإثبات أي من روايتيهما هي الصحيحة.
في التفاصيل، سينشر كتاب أولمرت "في المنصب الأول" هذا الأسبوع عن "يديعوت بوكس" بالعبرية ، بينما تصدر مذكرات باراك التي جاء عنوانها أكثر استعراضا" بلادي، حياتي: القتال من أجل إسرائيل، البحث عن السلام" في أيار / مايو باللغة الإنكليزية في الولايات المتحدة.
كلاهما انتقدا آلية صنع القرار التي أدت إلى العملية التي نحن بصددها، وهكذا أصدر كل منهما نسخته الخاصة عن الوقائع التي عكست صراعهما المرير والتنافس بينهما أكثر من قصة الحدث كما يجب ان يصدرها من وقف وراءها.
في نسخته الإلكترونية المقتضبة، يقدم أولمرت عرضا لاذعا لسلوك باراك كوزير للحرب فيما يتعلق بـ "عملية ، غير عادية في أهميتها ، في جراءتها والمخاطر التي تنطوي عليها". لكن دون أن يشير بصراحة عن ماذا يتكلم.
ومن المتوقع أن أولمرت سيقول المزيد هذه الأيام بمناسبة نشر الطبعة الكاملة، ويروي أولمرت "نقاشا متعمقا" مع رؤساء الموساد ، والمؤسسة العسكرية، وجهاز الأمن الشين بيت لمناقشة العملية. وهو يروي كيف قال باراك "الذي كان آخر المتحدثين قبلي:" لا أريد أن أوصي. سأتحدث فقط عن المخاطر في العملية "." متهما إياه بتجنب المسؤولية.
يشير التقرير في هآرتس أن باراك على ما يبدو كان يسعى لتأخير العملية، لأنه كان يأمل أن يستقيل أولمرت قريبا، وهو كان على علم بدعاوى فساده وأجبره على الاستقالة في النهاية، سواء بسبب هذا أو بسبب مزاعم إدارته الكارثية لحرب لبنان الثانية، وتشير هآرتس إلى أن رواية باراك مكتوبة بشكل أكثر تفصيلا ومصاغة على ما يبدو خصيصا للرد على أولمرت. ولايمنحه أي فضل بل إن باراك يزعم أنه هو صاحب الفضل في العملية التي نفذت بعد أن تأكد تماما هو شخصيا من كافة الاستعدادات وسبل إدارة المخاطر الناجمة عن الهجوم.