Menu

غزة تُحيي اليوم العالمي للمسرح

IMG_3470

غزة _ بوابة الهدف _ أحمد بدير

أحيا الاتحاد العام للفنانين التعبيريين الفلسطينيين في قطاع غزة، بالشراكة مع وزارة الثقافة الفلسطينية، مساء اليوم الثلاثاء، حفلاً فنيًا على شرف اليوم العالمي للمسرح والذي يوافق 27 مارس من كل عام، وذلك في جمعية الشبان المسيحية بمدينة غزة.

الممثلة المسرحية ريهام حمد والتي كانت عرافة الحفل، رحّبت بجميع الحضور من فنانين وكتاب وشعراء وأدباء، كما ورحبت بكافة مُمثلي الفصائل الفلسطينية، ومُمثلي الاتحادات والنقابات في قطاع غزة.

وبعد أن وقف الجميع تحيةً للسلام الوطني الفلسطيني، استمع الحضور لكلمة مدير دائرة المسرح في وزارة الثقافة، صلاح طافش، والذي أكّد بدوره على أن المسرحيون في كل عام "يتحسرون في عيدهم الذي هو مناسبة للاحتفال حقًا، ولكن بطعم الحزن ربما، بطعم فرحٍ مؤجل، فخشباتنا تناجي أرباب الإبداع، هذه صحراءٌ معتمة".

وأضاف طافش أن "علينا جميعًا أن نستحضر كلمة الفنان سعدالله ونوس والتي كانت ولا زالت حاضرة وشعارًا للمسرح: نحن مسكونون بالأمل. لن نقطع الأمل، وغدنا أجمل، ما دام مسرحنا ينبض حياة".

بعد ذلك، ألقى المخرج الفلسطيني، نائب الأمين العام للاتحاد العام للفنانين التعبيريين الفلسطينيين، د.يسري مغاري، كلمة الاتحاد، والتي أكّدت على ضرورة دعم المسرح الفلسطيني من أجل النهوض بكافة شرائح المجتمع.

وقال مغاري خلال الكلمة: "ما أحوجنا اليوم إلى مسرح جاد يعالج قضايانا ومشاكلنا، ويخاطب الجمهور، ويضيء لنا الطريق ليقف على أعتاب الوعي الفكري والاجتماعي والنضج السياسي، ويبعث في نفوسنا شعورًا للتمرد على الظلم والقهر والاضطهاد، يشعل ثورة على كل السلبيات التي تعيق تطور المجتمع".

وأكّد أن المسرح الفلسطيني بحاجة ماسة إلى دعم المؤسسة الرسمية، كونه لا يستطيع أن يستمد الدعم المادي من شباك التذاكر كما في المجتمعات المتقدمة، وهو بحاجة إلى الكثير من روافع البناء المسرحي المادي والمعنوي"، مُشيرًا إلى أن الشعب الفلسطيني اليوم وهو يواجه كيان الاحتلال الصهيوني، فيتطلب "منا نحن المسرحيين كما كل القطاعات بحشد الطاقات والهمم الداخلية والأصدقاء في العالم، لخلق جبهة عالمية تفضح سياسة أمريكا والكيان الصهيوني وتشكل دعمًا دوليًا لصالح قضية شعبنا".

كما وتقدّم بالتعازي لأهل وأصدقاء وأحباب الفنانة الفلسطينية ريم بنا على رحيلها، اذ أكّد أن ريم قدمّت عبر مسيرتها الفنية سجلاً حافلاً من الألحان والأغنيات الوطنية والتراثية الملتزمة، ما مثل اسهامًا كبيرًا في التعرف على قضية شعبنا الفلسطيني على المستوى الإقليمي والعالمي.

بعد ذلك استمع الجمهور إلى وصلةٍ فنيةٍ شملت العديد من الأغنيات الوطنية والتراثية، من الفرقة الموسيقية التي قادها الفنان الفلسطيني زياد القصبغلي.

ومن جهتها، ألقت الفنانة الفلسطينية وسام ياسين رسالة اليوم العالمي للمسرح، والتي كتبت بقلم الفنانة مايا زبيب من لبنان، اذ أكدت من خلالها على أن "لمجتمع المسرح الدولي دورًا جماعيًا يلعبه اليوم أكثر من أي وقت مضى لمواجهة هذه الجدران المتنامية، الملموسة وغير الملموسة. اليوم هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة ابتكار هياكلنا الاجتماعية والسياسية بصورةٍ خلاقة، وبأمانةٍ وشجاعة لمواجهة أوجه القصور لدينا وتحمل المسؤولية تجاه العالم الذي نشارك في صنعه".

وتابعت: "وبِوَصفنا صنّاع مسرح العالم، فإننا لا نتبع أيديولوجية أو نظام يرتكز على معتقدٍ واحد، ولكن نشترك في بحثنا الأزلي عن الحقيقة بجميع أشكالها، وفي مساءلتنا المستمرّة للوضع القائم، وفي تحدينا لأنظمة القوة القمعية، وأخيرًا وليس آخرًا، في نزاهتنا الإنسانيّة. نحن كثيرون، نحن لا نعرف الخوف، ونحن باقون ههنا!".

وانتقل الجمهور بعد ذلك لمُشاهدة عرضٍ ممتع من "الاستناد أب كوميدي" للفنان الفلسطيني نبيل دياب، والذي تطرق للعديد من الموضوعات الاجتماعية والحياتية، كما الأزمات التي يعاني منها شعبنا، بشكلٍ ساخر.

وفي ختام الحفل، تم تكريم مجموعة من الفنانات الفلسطينيات، وتم تكريم مؤسسة عبد المحسن القطان لما لها من اسهامات حثيثة في دعم المسرح الفلسطيني. 

وتم تكريم كلا من الممثلين والمخرجين فيليب دومولا "دودو"، وكلودين آرتز، من بلجيكا "مسرح الشعب"، واللذين يعملان في مجال المسرح منذ أكثر من 40 عامًا، ويعتمدان بالأساس على أسلوب مسرح المضطهدين ومسرح المنبر، لقناعتهما بأن هذا اللون من المسرح هو الأكثر ارتباطًا وقربًا من الناس وقضاياهم.

وايمانهم برسالة المسرح الإنسانية هو الذي دفعهم للحضور إلى قطاع غزة قبل أكثر من 22 عامًا، فعملوا ودربوا ومثلوا وأخرجوا مع مسحريي غزة و القدس في العديد من الأعمال المسرحية.

وتم عرض مقطع فيديو أظهر بعض الأعمال الفلسطينية التي ساهم وشارك فيها كلاً من فيليب وكلودين، واستلم دروع التكريم عنهما الفنان الفلسطيني حسام المدهون، والفنان جمال الرزي، كما وألقيا كلمة بالنيابة عنهما.

جدير بالذكر أن الهيئة الدولية للمسرح اختارت خمسة شخصيات مسرحية من خمس دول مختلفة لكتابة رسالة اليوم العالمي للمسرح.

واختارت الكاتبة مايا زبيب من لبنان ممثلة عن الدول العربية، وهي مخرجة وممثلة وكاتبة مسرحية، عضو مؤسس لفرقة زقاق المسرحية، وعن أفريقيا تم اختيار ويري ويري ليكينغ من ساحل العاج، وعن أوروبا سايمون ماكبرني، المملكة المتحدة وهو ممثل وكاتب ومخرج مسرحي والمؤسس الشريك لمسرح كومبليسيت، وعن الأمريكتين المؤلفة والكاتبة المسرحية سابينا بيرمان من المكسيك، وعن آسيا ومنطقة المحيط الهادي تم اختيار المخرج المسرحي والممثل رام غوبال باجاج من الهند.

وتنشر "بوابة الهدف"، رسالة اليوم العالمي للمسرح عن الدول العربية والتي قامت بكتابتها المخرجة المسرحية والكاتبة مايا زبيب، لبنان، والتي جاء نصها كالتالي:

"هي لحظةُ من التواصل، هو لقاءٌ لا يمكن أن يتكرّر ولا يمكن وجوده في أي نشاطٍ علمانيٍ آخر. إنها ببساطة بادرة من طرف مجموعةٍ من الناس اختاروا أن يجتمعوا معًا في نفس المكان والزمان للمساهمة في تجربةٍ مشتركة. إنها دعوة لأفرادٍ كي يشكّلوا مجموعة، ويتبادلوا الأفكار، ويتصوّروا سبل تقسيم عبء الأفعال الضرورية... كي يستعيدوا ارتباطهم الإنساني رويدًا رويدًا، ويجدوا أوجه التشابه بينهم. إنه المكان الذي يمكن فيه لقصةٍ معينة أن ترسم خطوط العالمية... هنا يكمن سحر المسرح حيث يستعيد التمثيل خصائصه القديمة.

في ظل ثقافة الخوف من الآخر المستشرية عالميًا، والعزلة والوحدة، يصبح تواجدنا معًا هنا والآن، فعلًا من المحبة. أن تبتعد عن الإشباع الفوري والانغماس الذاتي في مجتمعاتنا ذات النزعة الاستهلاكية العالية والتطور المتسارع وتقرر أن تأخذ الوقت للتفكير والتأمل في الآخرين، فذلك بحدّ ذاته فعلٌ سياسيّ وهو عملٌ فيه ما فيه من السخاء.

كيف يمكننا إعادة تصوّر مستقبلنا بعد سقوط الأيديولوجيات الرئيسية وبعد ثبوت فشل النظام العالمي الحالي على مرّ العقود؟ ولما كانت السلامة والراحة هما الشاغل الأساسي وذو الأولوية في الخطابات السائدة، فهل ما زال يمكننا الخوض في نقاشاتٍ غير مريحة؟ هل يمكننا أن نخطو تجاه المناطق الخطرة دون الخوف من فقدان امتيازاتنا؟

اليوم أصبحت سرعة المعلومات أكثر أهمية من المعرفة، وأصبحت الشعارات أكثر قيمةً من الكلمات، وصور الجثث أكثر تبجيلًا من الجسد الإنساني الحقيقي. هنا يأتي المسرح، ليس فقط ليذكّرنا أننا مصنوعون من لحم ودم وأنّ لأجسادنا وزنًا، بل ليوقظ جميع حواسنا، ليقول لنا أننا لسنا بحاجةٍ للاستيلاء والاستهلاك بما تراه أعيننا فقط، فالمسرح يأتي ليعيد للكلمات قوّتها ومعناها، ليستردّ الخطاب من السياسيين ويعيده إلى مكانه الصحيح... إلى ساحة الأفكار والمناقشة، حيث الرؤية الجماعية.

من خلال قوّة الحكاية والخيال، يمدّنا المسرح بطرقٍ جديدة لرؤية العالم ولرؤية بعضنا البعض، وهذا من شأنه أن يفتح المجال للتفكير المشترك وسط الجهل الساحق للتعصّب. عندما يعود مجددًا وبكل سهولة الخوف من الآخر وخطاب الكراهية وسيادة الرجل الأبيض بعد سنواتٍ من العمل الشاق وتضحيات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم لمحاربة كل تلك الأمور المخزية... وعندما تُطلق النار على الأولاد والبنات في عمر الزهور في الرأس ويُسجنون لرفضهم الامتثال للظلم والفصل العنصري... وعندما يحكم متطرّفين غير متّزنين بعض الدول الكبرى في العالم... وعندما تلوح في الأفق الحرب النووية كلعبة افتراضية بين رجالٍ وصبيةٍ في مواقع السلطة... وعندما يصبح التنقّل مقصورًا أكثر فأكثر على عددٍ قليلٍ من المختارين، في حين أن اللاجئين يموتون في البحر، في محاولةٍ للدخول إلى الحصون العالية للأحلام الوهمية، حيث يتم بناء جدرانٍ أكثر وأكثر تكلفة، فأين يجب أن نسائل عالمنا؟ خاصةً في حين أن معظم وسائل الإعلام قد باعت مبادئها. ليس لنا إلا ألفة المسرح حيث يمكننا أن نعيد التفكير في حالتنا الإنسانية، وأن نتصور النظام العالمي الجديد بشكل جماعي، ليس فقط بالحبّ والرحمة ولكن أيضًا بمواجهةٍ بنّاءة من خلال الذكاء والمرونة والقوّة.

بما أنني من منطقة عربية، فإنني أستطيع أن أتحدّث عن الصعوبات التي يواجهها الفنانون في العمل، ولكنني أنتمي إلى جيل من المسرحيين الذين يشعرون بالامتياز لأنّ الجدران التي نحتاج إلى تدميرها كانت دائمًا جدران واضحة. وقد دفعنا هذا إلى تعلّم كيفية تحويل ما هو متاح ودفع التعاون والابتكار إلى أقصى حدوده، فقد قمنا بالعمل المسرحي في الأقبية وعلى أسطح المنازل وفي غرف الجلوس وفي الأزقّة وفي الشوارع. وكنّا نجمع جمهورًا حيثما ذهبنا، في المدن والقرى وفي مخيّمات اللاجئين. لقد كانت لدينا ميزة بناء كل شيء من الصفر في بيئاتنا، وتصوّر طرقٍ للتهرب من الرقابة، في حين أننا لا نزال نعبر الخطوط الحمراء ونتحدّى المحظور. تواجه اليوم هذه الجدران جميع المسرحيين في العالم، حيث لم يسبق للتمويل أن يصل لهذه الندرة وأن يتحول التهذيب السياسي إلى رقابةٍ جديدة.

وهكذا، فإنّ لمجتمع المسرح الدولي دورًا جماعيًا يلعبه اليوم أكثر من أي وقت مضى لمواجهة هذه الجدران المتنامية، الملموسة وغير الملموسة. اليوم هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة ابتكار هياكلنا الاجتماعية والسياسية بصورةٍ خلاقة، وبأمانةٍ وشجاعة لمواجهة أوجه القصور لدينا وتحمل المسؤولية تجاه العالم الذي نشارك في صنعه.

وبِوَصفنا صنّاع مسرح العالم، فإننا لا نتبع أيديولوجية أو نظام يرتكز على معتقدٍ واحد، ولكن نشترك في بحثنا الأزلي عن الحقيقة بجميع أشكالها، وفي مساءلتنا المستمرّة للوضع القائم، وفي تحدينا لأنظمة القوة القمعية، وأخيرًا وليس آخرًا، في نزاهتنا الإنسانيّة.

نحن كثيرون، نحن لا نعرف الخوف، ونحن باقون ههنا!