يُصادف الأول من آيار من كل عام، يوم العمال العالمي، حيث يتوقف في هذا اليوم ملايين العمال حول العالم عن العمل لمراجعة أوضاعهم وظروفهم، والنظر فيما تحقق ومالم يتحقق لهم، ورفع مطالبهم بصوت عالٍ في مسيراتٍ ضخمة.
ويحتفل العمال بهذا العيد تكريمًا لهم وتأكيدًا على دورهم الوطني الاقتصادي والاجتماعي، إلّا أن الصورة لا تبدو هكذا في فلسطين بشكلٍ عام وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، فيستقبل عمال القطاع المُحاصر منذ أكثر من 11 عامًا عيدهم بمزيدٍ من الاسوداد في لوحة حياتهم البسيطة.
الأوضاع المادية المترديّة تلقي بظلالها على سكان قطاع غزة، فيُحيي العمال الغزاويون ذكرى يوم العمال في كل عام وهم على أملٍ بأن هذا الليل لابد له أن ينجلي.
الخوف من المستقبل المجهول بات حال أكثر من 80% من العمال في القطاع، جراء عدم مقدرتهم على تلبية أدنى متطلبات أبنائهم، في حين أننا نتحدث عن حالة من الغرق في مستنقعات البطالة والفقر.
لغة الأرقام دائمًا ما يكون لها القول الفصل للتأكيد على مدى دقة ما سبق، فيتبيّن أن نسبة الفقر ارتفعت في قطاع غزة بحوالي 37%، (من 38.8% في العام 2011 ليصل إلى 53.0% في العام 2017)، على عكس الحال في الضفة الغربية حيث انخفضت مؤشرات الفقر فيها خلال الست سنوات الماضية، بحوالي 22% (من 17.8% للعام 2011 مقابل 13.9% للعام 2017)، بحسب الخبير الاقتصادي ماهر الطبّاع.
"هل الطبقة عاملة، أم عاطلة"، يُؤكّد سكرتير جبهة العمل النقابي التقدمية، إلياس الجلدة، أن الطبقة العاملة في قطاع غزة تعيش أسوأ حالاتها بفعل الحصار والانقسام الفلسطيني وتداعياته، وما آلت إليه الأمور في الفترات الأخيرة جراء الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية على غزة، والتي أدت إلى تدهور الأوضاع بشكلٍ غير مسبوق.
وأشار الجلدة في لقاءٍ أجرته "بوابة الهدف"، إلى أن ثلثي سكان قطاع غزة يعيشون حالة من الفقر الشديد، وأكثر من نصف القوى العاملة عاطلة عن العمل، ونسبة البطالة في صفوف الخريجين بلغت أكثر من 67%، مُؤكدًا أنه "لا يمكن لأي شعب في العالم أن يعيش في مثل هذه الظروف الصعبة".
دائمًا ما تنادي المؤسسات المعنية بحقوق العمال، لكن في ذات الوقت هل هناك ما هو مطلوب من الطبقة العاملة نفسها؟ يتابع النقابي الجلدة حديثه خلال الاتصال الهاتفي: "الطبقة العاملة تبذل جهدها في كل حين، ولكنها تبحث عن مصدر دخل لها، مصدر للحياة في ظل هذه الظروف، وفي أكثر من مرة دأبت هذه الطبقة الواسعة للاحتجاج والانتفاض في وجه صنّاع السياسة".
وشدّد في سياق حديثه، على أن "هذه الطبقة كانت أوعى وأنضج، بأن الانتفاض يجب أن يكون في وجه الاحتلال الذي يُحاصرها، في ظل علمها أن أصحاب الحكم يتنازعون على سلطة حكم فاسدة، فرفض هذا الشعب الانتفاض على ذاته، وقرر الانفجار في وجه من غذى الانقسام الفلسطيني وعزَّز دوامه. شعبنا يدفع اليوم ضريبة الحالة السياسية".
ولا تختلف مرارة الانقسام الفلسطيني والذي تزداد آثاره يومًا بعد يوم -يبلغ عمره مثل عمر الحصار الصهيوني- عن مرارة الأخير؛ فانعكست ظلاله على كافة أعمدة وشرائح قطاع غزة.
"على السلطة وقف كافة إجراءاتها بحق القطاع، وحكومة غزة عليها أن تسعى والطرف الآخر لإنهاء حالة الانقسام، المواطن هو المتضرر الوحيد من مناكفاتهم السياسية، فعليهم الارتقاء لمستوى تضحيات شعبنا لنقضي على حالة الإحباط المنتشرة، من أجل مواجهة كافة الصفقات المشبوهة التي تستهدف حقوق قضيتنا الوطنية"، والحديث هنا للنقابي الجلدة.
وأردف قائلاً: "على حكومة الوفاق وضع برامج وخطط وسياسات واضحة لدعم العمال وإيجاد فرص عمل، والضغط باتجاه كسر الحصار، لإيجاد فرص لتسويق كافة منتجاتنا حتى يمارس شعبنا حقه في العيش وفق الإمكانيات المتاحة له. دون ذلك نحن نزداد غرقًا".
وحول دور النقابات العماليّة ونوع النضال المُمارس من قِبلها لدعم واسناد الطبقة العاملة، أوضح أن "الأطر النقابية تمارس نوع من الضغط على الجهات السياسية لإيجاد برامج واضحة لخدمة العمال"، مُشيرًا إلى أنه في ظل تفشي البطالة والفقر "من الصعب تحقيق شيء نوعي في فترة قريبة، إلّا أننا نمارس ضغط باتجاه اصدار قوانين عادلة".
وتابع سكرتير جبهة العمل النقابي في القطاع: "لدينا قانون الضمان الاجتماعي نسعى لتطبيقه، وقانون الحد الأدنى للأجور أيضًا، وقانون العمل نفسه الذي من المفترض أن يُطبّق على كافة الفئات بشكلٍ عادل ومنصف. نضغط على وزارة العمل من أجل تطبيقه، وندعو دائمًا أصحاب العمل لأن يلتزموا بتطبيقه"، مُبينًا أيضًا أن الأطر تسعى دومًا لتوعية العمال بماهية حقوقهم وتحريضهم على المطالبة بهذه الحقوق.
ويبقى قطاع غزة يُعانى الأمرّين في ظلّ حصار مطبق وفقر يتزايد بفعل إجراءات السلطة الفلسطينية بحق القطاع منذ أكثر من عام؛ هذه الإجراءات التي طالت شريحة كبيرة من الموظفين والمواطنين لم تؤثر على العامل الغزّي، فهو بعد هذه الإجراءات كما قبلها، تراه يُردّد على الدوام: "الجيب خالي وكل شيء غالي".