بتاريخ ٤ ديسمبر قال رئيس البرلمان السودان ي، إبراهيم أحمد عمر: إنه تلقى رسالة موقعة من أغلبية أعضاء البرلمان باقتراح تعديل الدستور بإلغاء تقييد عدد فترات تولي منصب الرئاسة، مما يفتح الباب أمام ترشح الرئيس السوداني، عمر البشير، لفترة رئاسية جديدة، وهو ما يعني استمرار حكم البشير الذي وصل للسلطة منذ ٢٩ عامًا من خلال انقلاب عسكري.
التوقعات كانت تشير لنجاح الحكومة في تمرير التعديل واستمرار البشير في حكمه، ولم تجابه هذه الوجهة إلا بتلك الاعتراضات المعتادة من طرف المعارضة السودانية، ولكن هبة الجماهير السودانية جاءت من محور آخر، من خلال انطلاق أوسع موجة احتجاجات شهدتها السودان منذ امساك البشير بالسلطة في هذا البلد، فلقد تظاهرت الجماهير في العديد من ولايات السودان ضد الارتفاع المستمر في الأسعار وغياب سلع أساسية من الأسواق.
العاصمة تتحفز على طريق عطبرة
الاحتجاجات المذكورة قوبلت بالقمع من قبل قوات الأمن السودانية، مما أدى لاستشهاد ثمانية سودانيين وإصابة أعداد أخرى، فيما اتجهت السلطات السودانية إلى تعليق الدراسة في عدد من المدن والولايات الرئيسية، شملت الخرطوم وأم درمان، والولاية الشمالية، كما أعلنت السلطات في ولاية القضارف حالة الطوارئ، وفرض حظر التجوال من السادسة مساءًا وحتى السادسة صباحًا. وكانت وبدأت المظاهرات الأربعاء في مدينة عطبرة، التي أعلنت فيها حالة الطوارئ بعد ذلك، واتسعت رقعتها لاحقًا في ظل القمع الأمني، لتصل إلى العاصمة الخرطوم، وتشمل مدن في ولاية النيل الأزرق، حيث أفادت وكالات أنباء عالمية نقلاً عن شهود عيان بانتشار المظاهرات في سبع مناطق بالعاصمة الخرطوم فيما قامت قوات الأمن بتفريقها واعتقال عدد من المشاركين في الاحتجاجات.
حكم البشير.. كوارث سياسية واقتصادية
تلقي التظاهرات الضوء على السنوات الصعبة للسودان تحت حكم البشير، فالضيق الاقتصادي الحالي للسودان هو نتيجة مباشرة لفقدان البلد العربي الأفريقي لوارداته النفطية، بعد تقسيم البلاد وانفصال السودان بموجب اتفاق توصل له البشير مع المعارضة الجنوبية برعاية ومباركة أمريكية، خصوصًا أن معظم حقول النفط تقع في جنوب السودان الذي أصبح منذ سنوات دولة مستقلة تعاني أيضًا من الاضطرابات، هذا ناهيك عن الحرب الأهلية التي شهدتها ولاية دارفور في السودان والتي كادت أن تؤدي لانفصال الولاية، وتسببت فعليًا في توجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب، جزء منها طال الرئيس البشير، وأحاله لمطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية.
على صعيد العلاقات الخارجية عاش السودان تخبطًا كبيرًا في ظل حكم البشير، فلقد خاض عدة جولات من التوتر في العلاقات مع الجارة العربية الكبرى مصر، كما واجه تحديات مماثلة كادت تفضي للحرب مع جارته تشاد، قبل أن تتحسن العلاقات مؤخرًا مع هذين البلدين، فيما تقلبت نوايا البشير ومواقفه من أزمات المنطقة، حيث سجل تقاربًا لسنوات عدة منذ مطلع الألفية الجديدة مع إيران ودول محور المقاومة، ذلك بعد مواجهته لعقوبات دولية وتهديدات تتعلق بأوضاعه الداخلية وأزمة استضافته لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة. ومع اندلاع الحرب في اليمن بادر البشير لإلحاق السودان بتحالف العدوان على اليمن، حيث قدم قوات سودانية للمشاركة بشكل رئيسي في هذا العدوان، ورغم هذا المسعى لاستجلاب الرضى والدعم السعودي يبدو أن الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد لا تقترب من نهايتها.
مطلع الشهر الجاري قام عمر البشير بزيارة لسوريا، وهو ما اعتبره مراقبين بداية لتحول موقف السودان مما يجري في الإقليم، ذلك رغم أن علاقته ب السعودية لا زالت محورًا أساسيًا في سياساته الخارجية، وهو ما قاد لتفسيرات أخرى لهذه الزيارة كان أبرزها قراءة كبداية مسعى سعودي لإنهاء القطيعة مع الحكومة السورية.
قراءات مختلفة للاحتجاجات
تفسيرات عدة طرحت لهذه الاحتجاجات، فالحكومة السودانية اعتبرت أن المظاهرات السلمية خرجت عن مسارها بفعل من وصفوا بـ"المندسين"، وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة بشارة جمعة في بيان نقلته وكالة السودان للأنباء: "إن المظاهرات السلمية انحرفت عن مسارها وتحولت بفعل المندسين إلى نشاط تخريبي استهدف المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة بالحرق والتدمير وحرق بعض مقار الشرطة، وأضاف أن "قوات الشرطة والأمن تعاملت بصورة حضارية مع المحتجين دون اعتراضهم".
من جهة المعارضة، احتفى حزب الأمة، أكبر أحزاب المعارضة بعودة رئيسه الصادق المهدي زعيم المعارضة السودانية، داعيًا للمُشاركة في هذه الاحتجاجات، وهي دعوة شاركت فيها قوى أخرى من المعارضة السودانية أبرزها الحزب الشيوعي السوداني.
متابعون اعتبروا أن هذه الأحداث هي جزء من موقف دولي يسعى لمعاقبة السودان بسبب زيارة البشير لسوريا، وهو أمر قد يتناقض على نحو فج مع حقيقة موقف البشير من أزمات المنطقة، وكذلك مع طبيعة الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها السودانيين، والإخفاقات الكبيرة للنظام الحاكم على مستوى السياسات الخارجية والداخلية.