Menu

الشرطة ستعمل على إنتاج مواد توعوية

بعد تحقيق الهدف عن "اغتصاب المحارم".. جهات حقوقية وقانونية تكشف قصور السلطات

غزة_ خاص الهدف

تراوحت ردود الفعل على ما تضمّنه تحقيق "اغتصاب المحارم" الذي نشرته بوابة الهدف مؤخرًا، بين الصدمة من وجود "قصصٍ حقيقيّة بهذه البشاعة في مُجتمعنا"، والسخط على السلطات في قطاع غزة، باعتبارها المسؤولة عن الوصول لهذا الواقع الأليم من عدم إنصاف الضحايا وغياب العقاب الرادع لهؤلاء المجرمين. وتجاوزت ردود الفعل هذا إلى اعتبار ما جاء في سطور التحقيق تفسيرًا للغموض الذي عادةً ما يلف قضايا قتل النساء.

الناشطة النسوية، والمدير التنفيذي لاتحاد لجان المرأة بغزة، تغريد جمعة رأت أنّ "طرق أبواب هذه القضايا الحساسة في مجتمعنا أمر في غاية الأهمية، خاصةً مع اتّساع نطاق القتل على خلفية (الشرف)، إضافة للقضايا التي تُقيّد على أنّها انتحار".

جمعة، قالت للهدف إنّ "الكثير من قضايا قتل النساء التي نسمع بها، يتم الترويج بأنّها انتحار أو يتم الادعاء بأنّ الضحية مريضة نفسيًا أو عقليًا، ناهيكَ عن ما يُسمى جرائم الشرف، وهي الذريعة التي يتم بموجبها إغلاق القضية".

وقالت "المؤسسات الحقوقية التي تتلقّى هذه الشكاوي، ستتوجه بطبيعة الحال للسلطات، التي يطالها أصلًا القصور في عدم معاقبة الجُناة بإطلاق سراحهم أو تخفيف عقوبتهم، وهو ما يؤدي لزيادة معدلات هذه الجرائم".

اقرأ ايضا: اغتصاب المحارم: روايات الضحايا.. ظلمٌ مركّب وقانون مُغيّب

ريم فرينة مديرة جمعية عايشه للمرأة والطفل، قالت إنّه "إنّ الشرطة تُفضّل عدم تكبير المواضيع في حال كانت القضية اغتصاب من المحارم، وتتعامل مع الضحية بمبدأ (أُستري على حالك وروْحي)، وفي أفضل الأحوال يتم تحويل الموضوع لجهات عشائرية".

بعد التبليغ لا تُوجد حماية

وأقرّت فرينة، في حديثها للهدف، بوجود قصور في آلية تعامل جهاز الشرطة مع هذه النساء الضحايا، فإلى جانب عدم مراعاة خصوصية هذه الفئة، أي النساء والفتيات اللاتي يشتكين للشرطة، "لا يتم احتضانهن وحمايتهن بعد التبليغ عن الاعتداء".

وأضافت فرينة التي تعمل في مجال حماية المرأة والطفل منذ العام 1993 أنّ "هذا النوع من القضايا مُثار منذ سنوات طويلة، والأكثر تضررًا منها هم النساء والأطفال" مشيرةً إلى أنّ الاعتداءات الجنسية داخل الأسرة لا تصل إلى الشرطة إلا في حالة القتل أو حصول الحمل، فحساسية الوضع تمنع الضحية من كشف الجريمة داخل العائلة أو خارجها".

"لدينا معطيات تُفيد بزيادة الاعتداءات الجنسية على النساء والأطفال داخل الأسرة في السنوات الأخيرة بغزة، سيّما بعد الاعتداءات الإسرائيلية التي نجم عنها نزوح عدد كبير من العائلات، وما تبِعَه من تفكك في النسيج الاجتماعي الفلسطيني"، وفق فرينة، التي ربطت الزيادة كذلك بارتفاع مُعدّلات الإدمان والمرض النفسي في القطاع.

وأرجعت قلّة وصول الشكاوى للمراكز الحقوقية أو الشرطية إلى "ثقافة المجتمع وتخوّف النساء من التبلبغ، إضافة لقلّة وعيهن ومعرفتهن بحقوقهنّ، وتمييز الانتهاكات التي يتعرضن لها". داعية لضرورة زيادة وعي النساء بما يُمكّنهنَّ من التعبير والدفاع عن حقوقهنّ.

في الوقت نفسه، اعتبرت فرينة تشكيل دائرة الأسرة والطفولة، التابعة لجهاز الشرطة، خطوة إيجابية، ساهمت في تسريع وتسهيل بعض الإجراءات، سيّما في القضايا التي تحتاج لسرعة التدخل".

تهاني قاسم، منسقة مركز (حياة) لحماية وتمكين النساء والعائلات، لم تنفِ "التعاون الكبير" من قبَل الشرطة والنيابة واتّباعهما الإجراءات القانونية وفق الأصول في العديد من القضايا ذات العلاقة بالعنف الجنسي داخل الأسرة والتي وصلت المركز، إلّا أنّ "تلك الجهات تميل إلى السِتْر على العائلات، وتعمل على هذا الأساس، فإن تمّ التنازل من قبل الضحية، أُغلِق ملف القضية، بدون معاقبة المُجرم".

وقالت للهدف "لا يُوجد تطبيق كامل للقانون، ففي بعض الأحيان، تحدث مُساومات ولا تتم مُعاقبة الجُناة، حتى لو وصل الأمر للقضاء"، وتابعت "تعاملنا مع حالة تم فيها اعتقال الجُناة وأخذت القضية في البداية مجراها القانوني، وصدرت أحكام رسمية بحق المُعتدين، إلّا أنّه بعد فترة، تم دفع أموال للسلطات من قِبَل الجُناة كتعويض، من أجل (الحفاظ على سمعة العائلات)، وعليه خرجوا من السجن دون تنفيذ العقوبة".

خوفٌ.. وتنازل تحت الضغط

ورأت قاسم أنّ المشكلة الأكبر هي في خوف النساء من تبِعات إبلاغهن أيَ جهةٍ كانت عن الاعتداء، لهذا فمن النادر أن تشتكي المُعتدى عليهن، سيّما إن كان الاعتداء من أحد أفراد الأسرة.

المُتحدث باسم الشرطة في قطاع غزة، المقدم أيمن البطنيجي، رأى أنّ تنازل الضحية عن الشكوى، أمر لا يُمكن فعل أي شيء أمامه بحكم القانون".

وقال "إنّ القانون لا يحمي المُغفّل ولا المجبور"، وأوضح أنّه "بمجرد تحويل القضية للنيابة العامة تصبح هي صاحبة الحق. ولو تنازلَ المُدّعي، من حقّها –إذا تأكّدت من وقوع الاعتداء- أن تُطالب بالحق العام".

وتعقيبًا على ما ورد في تحقيق الهدف، بأنّ جهاز الشرطة لم يُحوّل أيًا من قضايا الاغتصاب داخل الأسرة إلى النيابة العامة منذ الانقسام الفلسطيني بالعام 2007، قال البطنيجي "لديّ وثائق وإحصائيات تُثبت أنّه جرى تحويل عدد كبير من القضايا لحالات تعرضت لاغتصاب من المحارم إلى النيابة"، مُضيفًا أنّه "غير معنيٍّ بإثبات هذا الأمر عبر الإعلام".

وأكّد للهدف أن السلطات "تُراعي سُمعة العائلات والمجتمع، في تعاملها مع هذه القضايا، بحكم مجتمعنا المحافظ، وتُفضّل حلّها قبل وصولها للقضاء، لذا تقبل بتنازل الضحية أو وليها"، ولكن "إذا ما استشعرت جهات التحقيق وجودَ خطورةٍ على حياة الضحية، تتّخذ إجراءات خاصة، حتى لو جرى التنازل عن الشكوى"، من هذه الإجراءات، وفق البطنيجي، تحويل الضحية إلى مؤسسة (بيت الأمان للرعاية الاجتماعية للنساء)، التي تُشرف عليها وزارة التنمية الاجتماعية.

وأقرّ بأنّ ما يصل المراكز الحقوقية من شكاوى حول جرائم اغتصاب من المحارم "بالتأكيد أكثر بكثير من تلك التي تصل الشرطة، لأنّ الضحايا اللاتي يتعرّضنَ للاغتصاب داخل العائلة يخشينَ التوجه للشرطة، لعدم فضح الأمر، ولخشيتهنّ على حياتهن من بعد التبليغ".

وقال البطنيجي إن "جهاز الشرطة بصدد العمل على إنتاج مادة توعوية خاصة، تستهدف الفتيات والنساء اللاتي يتعرّضن لاعتداءٍ جنسي داخل الأسرة، تُحثهنّ على التوجه للشرطة، التي ستعمل على توفير الحماية لهنّ ومُتابعة القضية وفق الأصول."

قصورٌ يبدأ من الأسرة وصولًا لجهات التحقيق

المحامي محمد أبو هاشم رأى أنّ "المشكلة هي بالأساس في تطبيق القوانين"، وأنّ النساء في هذه القضايا هُنّ ضحايا عُنفٍ أُسريّ وسلطةٍ ذكورية وعقلية عشائرية، وقصورٍ يبدأ من الأسرة وصولًا إلى جهات التحقيق.

واحدة من الروايات التي وردت في التحقيق، من دائرة الأسرة والطفولة، كانت للضحيّة (ب. ر)، 32 عامًا، التي اغتُصِبت مرارًا من عمّها، قبل أن يتم قتلها من قِبَل شقيقها بعد أن كُشِف الأمر للشرطة، ولم يُعاقَب أيّ من العمّ أو الشقيق. (القصة الكاملة تجدونها في التحقيق هُنا)

قال أبو هاشم "على فرض صحّة التفاصيل المذكورة لما جرى مع (ب. ر)، فهذه المرأة كانت ضحيّة مرّتين، الأولى بعد بعد تعرّضها لسفاح قُربى دفعها إلى الانحراف، ثم حين قُتلت بداعي ( جريمة الشرف). مُضيفًا "أستغرب من أنّ شرف العائلة لم يصحُ إلّا حينما كُشف الأمر للشرطة، فلم تتم حماية الضحية من عمّها قبل ذلك، ولم يتعامل أحد مع هذا المُعتدي أو يُحاسبه، وفي نهاية المطاف قُتلت المرأة".

"يُوجد خلل في ثقافة وعقلية المُحقِّق، الذي يتعاطف مع القاتل في ما تُسمى جرائم الشرف، بسبب العقلية الذكورية، وإحلال منطق العشائرية بدلًا من ثقافة سيادة القانون، وهو ما يُؤدي إلى إفلات مُجرمين كُثر من العقاب ويُشجّع القتل على خلفية (الشرف)." وفق أبو هاشم، الذي رأى أنّه "في الغالب، تكون الأسرة هي المُقصّر الأوّل في القضايا التي تُقتل فيها فتيات أو نساء بحجة (جريمة الشرف)، بسوء التربية والمتابعة".

وأشار إلى وجود تأثيرات على السلطة القضائية وعلى النيابة العامة، في مثل هذا النوع من القضايا، الأمر الذي يُزعزع ثقة الناس بجهات التحقيق. وبيّن أنّه "في كثير من القضايا، تقول جهات التحقيق (الشرطة والنيابة) إنّها لم تستطع إثبات الاعتداء الذي وقع على الضحية، وهُنا يكون السؤال، هل فعلًا لم تستطع الإثبات، أم تعرّضت لضغوط خارجية من أجل إغلاق ملف القضية؟ وفي ظل عدم وجود جهات رقابية على أداء جهات التحقيق، يصبح لدى الناس شكوك حول سبب إنهاء القضية بدون محاسبة أو معاقبة المُعتدِي".

ولفت إلى وجود إشكالية إجرائية، تتعلق بوسائل إثبات وقوع الاعتداء، سيما وأنّ الفحص الطبي وحده لا يستطيع كشف كل حالات الاعتداء، وعليه دعا لضرورة العمل على إيجاد قانون إجراءات، أو نصوص في قانون إجراءات، خاص بقضايا الاعتداء الجنسي داخل الأسرة، بما يُسهّل عملية إثبات وقوع الاعتداء.

وقال "نحن بحاجة كذلك لفرعٍ من قانون العقوبات مُتخصصٌ بالجرائم والاعتداءات والعنف داخل الأسرة، يُوفر الحماية بشكل خاص للأطفال". وفي هذا الصدد أوضح أنّ "دائرة الأسرة والطفولة التابعة لجهاز الشرطة، لا يُوجد لديها قوانين مُتخصصة تستند إليها خلال القضايا التي تتعامل معها؛ فعلى سبيل المثال تتعامل مع وسائل إثبات الاعتداء بحق الطفل مثله مثلَ البالغ". كما دعا لضرورة ربط الأمر بالحضانة، تبعًا لمبدأ رُجحان الأدلة، بمعنى إنّه إذا وُجدت بعض الأدلة التي تُرجّح وقوع اعتداء على طفل من قبل وليّه، حتى لو يتم إثباته جنائيًا، أن يتم سحب الحضانة منه، واعتماد رأي الطفل.

إشكالٌ آخر تطرّق إليه المحامي أبو هاشم، وهو أنّ قانون العقوبات يُعاقب الطفلة المُعتدَى عليها لو كانت أكثر من 16 عامًا، في بعض الحالات، من باب خضوعها وموافقتها، إلا أن الطفلة بهذا العمر أنّى لها الدفاع عن نفسها، أو مقاومة المُعتدِي؟ وبالتالي النتيجة الطبيعة هي الخضوع والتسليم، وهو ما لا يُعالجه أو يراعيه القانون.