Menu

حرب 1967بين عاموس عوز وناتان ألترمان: انقسام ثقافي صهيوني على خلفية أيدلوجية

عاموس عوز (1979)

بوابة الهدف - ترجمة وتحريرأحمد.م.جابر

أدى احتلال "إسرائيل" للضفة الغربية و القدس وقطاع غزة، عام 1967 إلى انقسام سياسي وأيدلوجي وثقافي في الكيان الصهيوني، وتحديدا حول فهم االهدف من هذا الاحتلال، بين اعتباره "تحريرا" لأرض "إسرائيل" برواية اليمين التوراتي، أو تصربفا أمنيا، أو احتلالا. هذا النقاش استمر حتى اليوم في الكيان الصهيوني، وإن خفت بشده مع الانزياح اليميني شبه الشامل، ولكنه بقي متجذرا أيضا.

تقدم الهدف لقرائها،ترجمة بتصرف لهذا المقال الذي كتبه ليام هواري، في مجلة فاثوم الصهيونية الأقرب إلى اليمين، والذي يناقش فيه المعركة الأدبية الني نشأت بعد حرب 1967 بين الكتاب والمثقفين الصهاينة عبر نموذجين متعارضين في الأدب والسياسة هما الكاتب عاموز عوز المتوفي مؤخرا والشاعر ناتان ألترمان المتوفي عام 1970، ومعسكريهما الأدبيين الذين استندا إلى خلفية سياسية أيدلوجية.

انقسم الكتاب "الإسرائيليون" منذ ما قبل حرب 1967 على جانبي الخط السياسي بين اتجاهين مثلهما الشاعر ناتان ألترمان والكاتب عاموس عوز.

كان ألترمان منتميا إلى حركة "إسرائيل الكاملة" التي حاولت حشد الفنانين والمثقفين الذين اعتقدوا أن بقاء "إسرائيل" واستمرار ازدهار "الشعب اليهودي" يعتمدان على الاحتفاظ بكل الأرض، و كان معارضوهم ما كان سيصبح معسكر السلام، مثل الروائي عاموس عوز البارز في صفوفه، يحذرون من أنه حتى الاحتلال العادل كان احتلالا مع ذلك ودعوا للتخلي عن جزء من أرض "إسرائيل" من أجل إنقاذ المشروع الصهيوني، الذي بعد كل شيء كان مشروع "تحرير شعب" وليس أرض، وتلاحظ الناقدة والكاتبة ليام هوري أن هذا الشقاق لم يتم حله أبدا.

في أعقاب حرب الأيام الستة (1967) مباشرة، استحوذ الشعر والأغنية على اللحظة في التاريخ "الإسرائيلي" عندما كان اليهود كما عبر ألترمان "سكارى بالفرح" وعبرت عنها نعومي شومر في أغنية أسطورية في الكيان الصهيوني "أورشليم الذهبية" التي احتفت بنشوة الجنود عند الحائط الغربي (حائط البراق) مرددن حسب الأغنية " لقد عدنا إلى صهاريج المياه، إلى السوق وإلى الساحة " وغنت شيمر "سوف نعود وننزل إلى البحر الميت على طريق أريحا."

أدت الشعبية المستمرة لـ "القدس الذهبية" إلى تشكيل الفهم الصهيوني لحرب الأيام الستة كلحظة من الابتهاج والتحول بالنسبة لـ"لإسرائيليين" ولكن أغنية "أورشليم 1967" ليهودا عميحاي على النقيض من ذلك حملت شعورا بالسوء "الآن بعد أن عدت، أنا أصرخ .. وكل صباح أصرخ صرخة طفل مولود جديد / في ضجة البيوت وعلى ضوء هذا الضخم". هذا الضوء، كما كتب عميحاي "مثل حركة حجاب خفيف: تحذير":

بحلول الوقت الذي استوعب فيه الروائيون "الإسرائيليون" حرب الأيام الستة، كانت ثمارها - حالات عدم اليقين وعدم الأمان التي شعر بها عميحاي مبكراً – مزدهرة، وبعد حزيران 1967، سرعان ما غرقت "إسرائيل" في حرب الاستنزاف في سيناء، وأعلنت الجامعة العربية في مؤتمر الخرطوم اللاءات الثلاث، لاصلح لااعتراف لااستسلام، وأكدت منظمة التحرير الفلسطينية التزامها بالكفاح المسلح باعتباره "السبيل الوحيد لتحرير فلسطين" وبدأت "إسرائيل" في بناء المستوطنات الأمنية في غور الأردن وإعادة تأهيل غوش عتصيون في الوقت الذي بدأت فيه احتلالاً عسكرياً إلى أجل غير مسمى في الضفة الغربية وقطاع غزة.

في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، كتب أستاذ ومترجم الأدب العبري روبرت ألتر بأنه يؤمن أن ما جرى كان في ذلك الوقت "اهتزازًا شديدًا للتوتر حول الوضع الوطني"." وتعامل بعض المؤلفين مع هذا القلق أساسا عن طريق التراجع عنه، و كان هناك اتجاه واضح للروائيين "الإسرائيليين" إما للخروج من الوضع "الإسرائيلي" المعاصر، أو تحريك العجلة في مكان آخر، أو العودة إلى طفولتهم الخاصة، كما في كتاب "المجنون" لحاييم غوريأو كتاب "بني: من أنت" لهانوك بارتوف.

آخرون، مثل أماليا كاهانا-كارمون في كتابها "مع القمر في وادي أيالون" (1971) سيروون قصصهم خلال الفترة الزمنية لحرب الأيام الستة مع الإبقاء عليها في الخلفية، مشيرين فقط إلى أنفسهم، والإبقاء على مسافة بين الذات والحدث التاريخي الكبير، وعلى الرغم من ذلك وضه أ.ب يهوشوع الحرب كإطار وسياق لقصصه، كما هو الحال في الرواية الاستثنائية التي نشرت عام 1972 "مبكرا في صيف 1970".

وفي الارواية يتلقى معلم عجوز من قسم الدراسات التوراتية أخبارا عن أن ابنه، الذي عاد مؤخرا فقط من الولايات المتحدة (وبالتالي مع إحساس ملموس لهويته الإسرائيلية) قتل في الخدمة في وادي الأردن، تاركا وراءه زوجة وطفل و يتنقل السرد بين الخيال والواقع المرهق تأملات في علاقته بابنه، أفكار حول عمل حياته في المدرسة، و تعثر محاولاته لنقل الخبر لحفيده وزملاء ابنه في الجامعة، حتى يصل إلى المشرحة العسكرية، حيث يدرك أن القضية كلها كانت حالة مأساوية من تشخيص خاطئ لهوية القتيل.

جادل وارين بورجاد بأن هذه الرواية، مثلت تغييرا في أٍلوب يهوشوع الذي ركز في بداياته على الكتابة السريالية "على الرغم من أن قصصه عن منتصف الستينيات أصبحت أقل رمزية وأكثر توجهاً نفسياً واجتماعياً ويلاحظ بورجاد "أن يهوشوا لم يواجه الواقع الفوري في أعماله إلا بعد حرب الأيام الستة" واستمر هذا مع روايته الأولى "الحبيب"، والقصص القصيرة مثل " قاعدة الصواريخ رقم 612" حول محاضر، كان زواجه ينهار، وأرسل إلى منشأة عسكرية في الصحراء للتصدي للقوات المتمركزة هناك.

بدأ التغيير في عمل عاموس عوز في قصصه الأولى بعد الحرب، بالتركيز على الكيبوتس كحصن، أو مؤسسة تحت الحصار، محاطة بالأعداء، سواء كانت حيوانات برية، أو قوات عسكرية عربية، أو زيارات غرباء يشكلون قوة مدمرة في حياة المجتمع.

وبدءا من روايته "ميخائيل" التي نشرت في عام 1968 ولكن كتبت قبل الحرب - ظهر علم النفس الفردي في مقدمة قضية هانا غونن وتدهورها العقلي التدريجي وتراجعها إلى عالم الخيال، الذي وضع ضد زواجها الفاشل والحياة في القدس.

ومع وجود الموت، هناك تطور ملحوظ في أسلوب وموضوع عوز، وتضم مجموعته روايتين، مرتبطتين بالمزاج والموضوع الحملة الصليبية، وهي الأقل نجاحا، حكاية تاريخية عن الصليبيين المدمرين ذاتيا، الذين، بدورهم، يزرعون الموت والخراب في طريقهم إلى القدس و " الحب المتأخر" وهو مونولوج مذعور يدور حول مؤامرة الإبادة .

لاحقا قال عوز إن الحملة الصليبية، كتبت على خلفية الهولوكوس وقال "إانها وجهة نظر معينة من التعصب ومعاداة السامية وكراهية اليهود والتحامل الذي لم أكن قد توصلت اليه أبدا لولا الهولوكوست." ولكن كلا الحملة الصليبية و الحب المتأخر كما قال بوضوح تصف الأشهر والسنوات التي سبقت الحرب وهي فترة من التوتر والقلق الوجودي عن فكرة أن العالم العربي كان على وشك مفاجئة "إسرئيل" بمحرقة ثانية.

وكما رأينا من خلال الأدب "الإسرائيلي"، فإن حرب الأيام الستة لم تكن انتصارا، بل كانت سببا للاحتفال فقط، حيث أدى الانتصار والتوسع الإقليمي إلى تبديد المخاوف القديمة، وتظهر "الحب المتأخر" أن أن تلك المخاوف لم تنحسر و بدلا من ذلك، كانت حرب الأيام الستة جسرا نقل " إسرائيل" من فترة من القلق إلى آخرى، على الجانب الآخر لم يكن السلام بل مجموعة جديدة من المخاوف والشكوك، والمشاكل والمعضلات، والصدمات والكوابيس.

"أرض إسرائيل" أو "السلام الآن"؟

لم تغير حرب الأيام الستة الأدب "الإسرائيلي" فحسب بل من يكتبه، لم يمض وقت طويل بعد توقف القتال، في يوم رطب في مقهى دار الكتاب في شارع إليعيزر كابلان في تل أبيب، ترأس الشاعر العبري البارز في عصره، ناتان ألترمان، اجتماعا للكتاب والمثقفين الذين كانوا حسب كلاين هاليفي "حالمون" وجدد دعوته للعمل من أجل "إسرائيل الكاملة".

بدأت الدعوة من ألترمان نفسه مع أمثال الروائي الحائز على جائزة نوبل، شاي عجنون، والشاعر أوري تسفي غرينبرغ، وكذلك حاييم غوري وموشيه شامير، اللذين انشقا عن حزب العمل، ليصبحا عضوين في حركة "أرض إسرائيل الكاملة" وجادل البيان الذين نشروه بأنه "كما لا يسمح لنا بالتخلي عن دولة إسرائيل، لذلك نحن مؤهلون للحفاظ على ما جلبته لنا: أرض إسرائيل" و "نحن ملتزمون بإخلاص بامتلاك أرضنا" و صرّحوا بكل تأكيد "ولا يحق لأي حكومة في إسرائيل التخلي عن هذا الكمال".

وفي نفس الوقت تقريباً، وفي صحيفة " دافار " العمالية التي تم وقفها الآن، طرح عاموس عوز وجهة نظر مختلفة نوعًا ما، والتي كان يتقاسمها الجيل الأصغر من الكتاب، بما في ذلك يهوشوع وأميشاي، وكتب عوز "أنا صهيوني في كل ما يتعلق بخلاص اليهود، ولكن ليس عندما يتعلق الأمر" باسترداد الأرض المقدسة ". "تنطبق كلمة" التحرير "على الناس، وليس على الغبار والحجر" وإن الحرب جلبت الميول المسيحانية وعومتها.

وهكذا تم تقسيم الكتاب "الإسرائيليين"، فعلى جانب كانت الحركة من أجل "أرض إسرائيل الكاملة"، وأولئك الذين آمنوا بأن بقاء "إسرائيل" واستمرار ازدهار "الشعب اليهودي" يعتمدان على الاحتفاظ بكامل الأرض وعلى الجانب الآخر كان معارضوهم ما سيصبح "معسكر السلام"، أولئك الذين حذروا من أنه حتى الاحتلال العادل كان احتلالًا مع ذلك ودافعوا عن التنازل عن جزء من أرض "إسرائيل" من أجل إنقاذ المشروع الصهيوني، الذي كان في النهاية يتعلق بتحرير "شعب لا أرض" وكانت معركة أدبية طاحنة على خلفية سياسية، أو ربما العكس.

بالنسبة إلى الترمان، لم تكن جريمة عوز سياسية فحسب، بل كانت أدبية: فقد كان جزءًا من ثورة الأجيال ضد كتّاب عام 1948، ضد الموضوعات الصهيونية الأسطورية للتدمير والبعث من جديد، وكتب عوز ورفاقه من الروائيين الشباب باللغة العبرية عن المأساة الفلسطينية وانحدار المثالية الكيبوتزية و بالنسبة لألترمان، لم يكن من المفاجئ أنهم عارضوا ضم "يهودا والسامرة: وكانت صهيونيتهم ​​، مثل نثرهم، ليست أكثر من "فقر دم".

في الواقع، نشأ عوز في بيئة صهيونية تصحيحية في القدس، وقال هو "لقد كنت صقريا جدا" وأضاف " كنت متحمسا جدا حول ساحة المعركة" وكانت عائلته تلتزم فكر وسياسة جابوتنسكي، مزيج فريد من القومية العاطفية والليبرالية الحقيقية والتعددية، كما أنهم كانوا "علمانيين إلى العظم"، على عكس رئيس الحركة التصحيحية في عام 1967، مناحيم بيغن، الذي صاغ أفكار جابوتنسكي "بمشاعر دينية يهودية أوروبية معينة".

وقال عوز مازحا "ربما أكون واحدة من الفئران القليلة جدا في التاريخ التي هربت إلى قارب غارق و" في محادثة مع آري شافيت في كتابه "أرضي الموعودة"، يشرح عوز كيف أنه يتعارض مع روح انتصار ما بعد الحرب في يونيو 1967 "فهمت أنه على الرغم من أن القدس مدينتي، فهي مدينة أجنبية،" وأضاف . "كنت أعرف أنني لا يجب أن أحكم على ذلك، أن إسرائيل يجب أن لا تحكم على ذلك، القدس القديمة هي ماضينا، لكنها ليست حاضرنا، وتعرض مستقبلنا للخطر".

على النقيض من ذلك، اعتقد ألترمان أن القدس والأراضي المكتسبة حديثًا هي ماضي "الشعب اليهودي" وحاضره ومستقبله - أي أن يحتفظوا بها أسباب أمنية، فضلاً عن الأسس الأخلاقية والتاريخية. وكما لاحظ تسور إرليخ، اعتقد ألترمان أن "الشعب اليهودي هو الشعب الوحيد الذي يرى أرض إسرائيل ككيان جغرافي متميز وفريد" وكان للأرض كلها "أهمية روحية وعملية للشعب" والتنازل عن جزء منها هو كسر الصلة بين "الشعب اليهودي" وأرض إسرائيل".

هذا الانقسام بين عوز و الترمان، مع مرور الوقت، سيُقسِّم و يحدد السياسة و المجتمع "الإسرائيليين"، لكن الطريق الذي يدافع عنه الكاتب لا يتم تبنيه في النهاية، توفي الترمان في عام 1970، وفشلت "حركة أرض إسرائيل الكاملة" في الكنيست وأكلها الليكود، ولم تقم "إسرائيل" أبدا بضم الضفة الغربية وتحولت فكرة تحرير الأرض كلها إلى الرف وأفسحت المجال للاحتلال الدائم.

بالطبع أيضا، لم تتحقق رؤية عوز للفصل السياسي، سواء في الثمانينيات وأوائل التسعينيات، كان معسكر السلام حركة جماهيرية، رغم أن أفكاره انصبت في الاتجاه السائد، وتلاشت، وهو يعترف لاحقا "لقد كان الإسرائيليون في الشارع أكثر تشددًا مما اعتادوا أن يكونوا في ذلك الحين أو قبل عشرين عامًا، ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من الشعب الإسرائيلي ستعجب بشدة بحل الدولتين". وبالتالي، "هناك حركات سطحية أكثر نحو حافة الجناح اليميني الصقري، وفي الوقت نفسه حركة ما تحت أرضية نحو موقف أكثر واقعية وأكثر تنازلاً".