تهديدٌ جديد يطلقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران، الاثنين، قائلًا إنه سيكون من الخطأ الفادح أن تقدم على أي تحرك ضد الولايات المتحدة، يأتي ذلك في سياق من الضغوط الأمريكية الهادفة لإجبار إيران على القبول بتنصل الولايات المتحدة من الاتفاق السابق حول برنامجها النووي، وتنفيذ رغبة دونالد ترامب بدخول مفاوضات جديدة وصولًا لاتفاقٍ جديد.
التهديدات والضغوط الأمريكية على ايران اتخذت بعدًا عسكريًا عدوانيًا في الأيام الماضية، حيث أرسلت الولايات المتحدة حاملة طائرات وسفينة مقاتلة أخرى للخليج العربي، فيما بدا كتظاهرة عسكرية مهددة لايران، بعد شهور طويلة من العقوبات الاقتصادية والمالية التي سلطتها الولايات المتحدة على ايران.
تصاعد للأزمة و نوايا عدوانية
تأتي التهديدات الأمريكية بعد أيام قليلة، من تصعيد بدأ باعلان الولايات المتحدة نيتها منع إيران من تصدير نفطها، محركة عدد من قطعها العسكرية للمنطقة، وهو ما قررت إيران مواجهته، معلنة عن جاهزيتها للدفاع عن نفسها.
تبع ذلك إعلان إيران نيتها عن العودة لتخصيب اليورانيوم، حيث نقلت هيئة الإذاعة الايرانية عن مصدر مقرب من لجنة رسمية تشرف على الاتفاق النووي القول إن الرئيس حسن روحاني سيعلن أن بلاده ستقلص بعضا من تعهداتها ”البسيطة والعامة“ بموجب الاتفاق، في 8 مايو، وأكد المصدر وفقا للوكالة "ردا على خروج أمريكا من الاتفاق النووي والوعود الجوفاء من الدول الأوروبية في تنفيذ التزاماتها، قررت الجمهورية الإسلامية الإيرانية استئناف جزء من الأنشطة النووية التي توقفت بموجب إطار الاتفاق النووي“.
فيما ذكرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية شبه الرسمية الاثنين نقلا عن "مصادر مطلعة" أن إيران ستكشف الأربعاء عن إجراءات "للمعاملة بالمثل" ردا على الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وأوضح التقرير أن إيران أبلغت بعض زعماء دول الاتحاد الأوروبي بقرارها بشكل غير رسمي.
وكان الرئيس الأميركي دعا في مطلع الاسبوع الحكومة الايرانية "للاتصال به" من أجل التوصل إلى اتفاق يضم عدم امتلاكهم للسلاح النووي، وأضاف ترامب أن إدارته لا تنوي إيذاء طهران بل تسعى للتوصل إلى اتفاق نووي جديد معها.
خلفيات أخرى
المبعوث الأمريكي الخاص بايران، بريان هوك، فضح خلفيات أخرى لموقف الولايات المتحدة، من خلال تصريح قدمه، يوم الاثنين، مؤكدًا على وجود نية أمريكية لتوجيه المزيد من الضغوط الاقتصادية على ايران بهدف منعها من دعم حركات المقاومة في المنطقة.
ففي تصريح له أكد على أن " هدف الولايات المتحدة هو أن تتصرف إيران كدولة طبيعية وليس كدولة ثورية"، مضيفا "نحن ملتزمون باستراتيجية تجاه إيران تتمتع بأفضل فرص إزالة التهديدات التي نراها تمتد من لبنان إلى اليمن". وأشار إلى أن واشنطن وضعت سياسة جديدة فيما يتعلق بإيران، مؤكدا أن "طهران ستحاسب على هجمات وكلائها".
أزمة الاتفاق النووي
تم الإعلان عن الاتفاق النووي الايراني في 14 تموز/ يوليو 2015 بعد خلافات حادة استمرت أكثر من عشر سنوات بين إيران والدول الكبرى متمثلة بالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا المعروفة بمجموعة 5+1. ويشمل الاتفاق تقليص النشاطات النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران بشكل تدريجي.
ورغم موافقة الولايات المتحدة على هذا الاتفاق ودورها المركزي في مفاوضة ايران على شروطه، فقد انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحب من الاتفاق بشكل أحادي الجانب وأعلن عزمه على فرض عقوبات بحق طهران بحجة عدم التزامها بكامل بنوده، في مايو من العام ٢٠١٨.
بعد هذا الانسحاب، أعاد ترامب فرض العقوبات الصارمة على إيران بما في ذلك على صادراتها النفطية التي تمثل عماد اقتصادها بهدف وقف تلك الصادرات تماما وخنق إيران، كما طالت العقوبات الأمريكية تلك الشركات والاطراف التي تقيم انشطة اقتصادية مشتركة مع ايران، بهدف تعطيل قدرة ايران على تصدير منتجاتها النفطية، أو استيراد ما تحتاجه.
مسارات التصعيد
الولايات المتحدة لا تخفي نيتها منذ قيام الثورة في ايران بالسعي لاسقاط النظام الذي انتجته هذه الثورة ، التي اطاحت بحكم الشاه محمد رضا بهلوي حليف الولايات المتحدة وأسست لنظام معادي للهيمنة الامريكية في العام ١٩٧٩، وقد هددت كما حليفها الكيان الصهيوني في مرات عدة بالشروع في عمل عسكري لاسقاط النظام في ايران، و بتهديدات أكثر صلفا نيتها الحاق تدمير شامل بإيران.
بشكلٍ عام تستعد ايران منذ بداية الثورة ونشوء النظام الجديد لمواجهة عدوانٍ أمريكي وغربي، وأقامت نظامها الدفاعي على هذا الأساس، وتخوض باستمرار مناورات استعدادية لمواجهة هذا العدوان المحتمل، والتي غالبا ما تشمل محاكاة لاطلاق كم هائل من الصواريخ متعددة المدى على الكيان الصهيوني والقواعد العسكرية الامريكية في المنطقة.
درجة الرغبة الأمريكية بتركيع ايران مرتفعة هذه المرة بالفعل، ولكنها لا يبدو من المرجح أن تلجأ الولايات المتحدة لفتح مواجهة عسكرية شاملة مع ايران، خصوصا أن تداعيات هذه المواجهة من شأنها الحاق أضرار جسيمة بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
من جهة أخرى قد تكون كلمة الفصل لسحب فتيل الانفجار في هذه الأزمة لدول أخرى، حيث لا زالت دول الاتحاد الاوروبي تتمسك بالاتفاق النووي مع ايران، فيما تؤيد روسيا وايران حق ايران في تنفيذ اجراءات احتجاجية على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع ايران، وهو ما يفتح الطريق أمام لعب هذه الدول دورا في خلق موقف دولي قادر على تحجيم التهديدات الامريكية، أو على الأقل خلق مناخ غير مؤاتي للنوايا العدوانية الامريكية.
عربيًا تُبدي مجموعة النظم الرجعية في الخليج العربي حماسة كبيرة للتصعيد الامريكي ضد إيران، على نحو مشابه لما يبديه الكيان الصهيوني، وذلك رغم أن هذه النظم ستكون مرشحة لدفع الثمن الأكبر في أي مواجهة عسكرية، في ضوء استضافتها للقواعد العسكرية الامريكية، ولمصالح عدة ستكون مهددة بشكل واضح وخطر في حال اندلاع هذه المواجهة بشكل شامل أو جزئي