Menu

الطاهر: مذكرات الحكيم إنجاز هام تشكل مرجعًا للأجيال القادمة

صفحات من مسيرتي النضالية جورج حبش

بيروت _ بوابة الهدف

قال ماهر الطاهر عضو المكتب السياسي، في ندوةً لمناقشة كتاب "صفحات من مسيرتي النضالية"، للحكيم الراحل جورج حبش ، إننا  "أمام تجربة كبيرة لإنسان ما كان ليدخل عالم السياسة لولا نكبة عام 1948 واقتراف جريمة من أبشع جرائم العصر الحديث، جريمة اقتلاع الشعب العربي الفلسطيني من أرضه ودياره وتشريده في كل أصقاع الأرض".

وأضاف الطاهر خلال الندوة التي نُظمت في بيروت الأسبوع الماضي من قبل مركز دراسات الوحدة العربية، إن "هذه الجريمة هزته من الأعماق وقلبت كيانه رأساً على عقب وعاش كل حياته بعد ذلك مكافحاً للرد على هذه الجريمة, وبالتالي فنحن لسنا أمام شخصية سياسي محترف يتقن ألاعيب السياسة ودهاليزها ويجيد أساليب اللف والدوران والمناورات, بل نحن أمام شخصية ثورية صادقة دفعتها الظروف وشريعة الغاب إلى اختيار طريق شعرت أن من واجبها اختياره مهما كانت الظروف والعواقب".

في هذا السياق قال الطاهر "اسمحولي أن أتقدم بالشكر لمركز دراسات الوحدة العربية وللصديقة العزيزة لونا أبو سويرح مديرة المركز أولاً لإهتمامها وما بذلته من جهد كبير لإصدار مذكرات القائد الفلسطيني والعربي والأممي الكبير الدكتور جورج حبش, وكذلك مبادرتها الكريمة لعقد هذا اللقاء لمناقشة ما جاء في هذه المذكرات".

وأضاف "ولا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر والتقدير الخاص للأخ العزيز والمفكر العربي البارز الدكتور سيف دعنا الذي قام بتحرير النص وصاغ مقدمة رائعة غاصت في أعماق شخصية الحكيم كثائر وقائد تاريخي أصيل بقي وفياً لقناعاته, قابضاً على المبادئ كالقابض على الجمر حتى آخر لحظة من حياته".

وأشار إلى "الدور الأساسي والجهد الكبير الذي قامت به رفيقة درب الحكيم وزوجته الفاضلة السيدة هيلدا حبش في إصدار هذه المذكرات".

وتابع الطاهر قائلًا: "مذكرات الحكيم التي نتحدث عنها اليوم هي إنجاز هام وتشكل مرجعاً للأجيال القادمة, هذه المذكرات حملت عنوان صفحات من مسيرتي النضالية, وهو عنوان موفق لأن تجربة الدكتور جورج حبش الممتدة لأكثر من ستة عقود أكبر وأوسع بكثير مما جاء في الكتاب وهي فعلاً صفحات موجزة جداً لا تعكس بشكل كامل مسيرته الكفاحية الطويلة".

وأضاف: "إن لقاءاته ومحادثاته مع عدد كبير من قادة الدول العربية وحركات التحرر العربية والعالمية وقادة البلدان الإشتراكية تحتاج إلى مئات وآلاف الصفحات فقد التقى ومرات عديدة مع الرئيس جمال عبد الناصر وأحمد بن بلا وهواري بومدين والشاذلي بن جديد وعبد العزيز بوتفليقة والرئيس حافظ الأسد وأحمد حسن البكر وصدام حسين ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح وعلي ناصر محمد وعلي سالم البيض وعبد السلام جلود وأبو بكر يونس جابر وعمر حسن البشير وزايد بن سلطان وأمير الكويت والملك حسين والرئيس محمد خاتمي وميشيل عفلق ومنيف الرزاز والشهيد جورج حاوي والبابا شنودة وخالد بكداش وإميل لحود والزعيم فيديل كاسترو ونيكولاي تشاوشيسكو وموريس يوناماريوف رئيس دائرة العلاقات الدولية في الحزب الشيوعي السوفييتي والكثيرين غيرهم".

وتابع "مع الأسف فقد ضاع قسم كبير من أرشيف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الأردن ولبنان بعد الغزو الصهيوني عام 1982 و اليمن الديمقراطي بعد الحرب بين الشمال والجنوب".

 وقال الطاهر "في لقاءاته مع القادة العرب كان يطرح أفكاره ورؤيته بكل وضوح سواء قضايا الإتفاق أو الخلاف وكذلك في علاقاته ولقاءاته مع المسؤولين في الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية السابقة خاصة فيما يتعلق بموضوع الكيان الصهيوني ورفض اعتراف الجبهة الشعبية بهذا الكيان".

وأضاف قائلًا: "في حرب أكتوبر عام 1973 وعندما تم طرح موضوع التسوية السياسية ومؤتمر جنيف وموافقة القيادة الرسمية وبعض الأطراف الفلسطينية على موضوع التسوية جرت مناقشات وحوارات مع بعض المسؤولين في الاتحاد السوفييتي ومن ضمنهم السفير السوفييتي في بيروت السيد سولداتوف في ذلك الوقت حيث جرى حوار لساعات وفي نهاية الحوار سأل الدكتور جورج حبش السفير السوفياتي, هذه التسوية التي تتحدثون عنها هل تعني عودتي إلى مسقط رأسي في مدينة اللد؟ لن نقبل بأي حل لا يعيدنا إلى أرضنا وديارنا التي هجرنا منها عام 1948".

وجاء في كلمته أيضًا: "وفي لقاءاته مع بعض القادة العرب كان يطرح رؤيته بكل مسؤولية وشفافية وسأل ذات مرة الرئيس الراحل صدام حسين لماذا دخلت الكويت؟ ولماذا لم تتجه نحو فلسطين ولو فعلت ذلك لوقفت معك كل الأمة العربية".

وأضاف: "في حوار مع الرئيس الراحل معمر القذافي جرى نقاش حول الكتاب الأخضر فقال له الدكتور جورج حبش كيف تقول كل من تحزب خان؟ هل الحزب الشيوعي الصيني خائن وهل الحزب الشيوعي السوفييتي خائن؟ وهل الأحزاب التي حررت بلدانها خائنة؟".

وأكد أن "الدكتور جورج حبش ومن خلال تجربته الكفاحية الطويلة, ومن خلال ما كتبه في مذكراته جسد مدرسة سياسية وفكرية وتنظيمية وكفاحية وأخلاقية يحق لنا أن نفتخر بها ويعتز بها كل أبناء شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية".

وتابع الطاهر قوله" "على الصعيد السياسي انطلق في رؤيته من ضرورة تحديد من هو العدو ومن هو الصديق وقدم أعمق تحليل لطبيعة وجوهر المشروع الصهيوني كمشروع استعماري له وظائف محددة تستهدف الوطن العربي بأسره لا يمكن التعايش مع دوره ووظيفته في المنطقة, كما قدم أعمق تحليل وهذا موثق في أدبيات الجبهة الشعبية وتقارير مؤتمراتها حول المعنى السياسي والاقتصادي لاتفاقيات كامب ديفيد كنهج سياسي- اقتصادي يحمل أكبر المخاطر على الأمن القومي العربي والقضية الفلسطينية ودور النفط في التحولات الاقتصادية والاجتماعية في الساحة العربية كما قدم أعمق تحليل لاتفاق أوسلو وتداعياته ونتائجه".

"اعتقد أن شجرة الحياة والوقائع جاءت لتؤكد صحة وسلامة الرؤية السياسية التي طرحها رغم اعترافه وهذا ما جاء في مذكراته في الوقوع بأخطاء في بعض جوانب الرؤية والتحليل حيث أشار لعدم توقع وترجيح الغزو الصهيوني للبنان عام 1982 أو تحليله للوضع الدولي وصدمة انهيار الاتحاد السوفييتي السابق"، أضاف القيادي الفلسطيني.

وتطرق الطاهر إلى الصعيد الفكري لدى حبش، وقال "كان يرفض الانغلاق والتحجر والجمود لذلك شهدت تجربته على هذا الصعيد تحولات وتطورات هامة خاصة بعد هزيمة حزيران عام 1967 التي أحدثت صدمة كبيرة في تفكيره وأدت إلى تحولات باتجاه الفكر اليساري وإدراك أهمية البعد الاجتماعي والطبقي في الصراع الدائر في المنطقة سواء على المستوى الداخلي أو الصراع مع المشروع الصهيوني, ولكن هذا التحول أراده الدكتور جورج حبش مدروساً متدرجاً بعيداً عن التطرف والمراهقة اليسارية ولم تهتز قناعاته الراسخة بأهمية البعد القومي للقضية الفلسطينية كقضية عربية بامتياز وعندما سألته ذات مرة حول قرار حل حركة القوميين العرب, أكان قرارً سليماً؟ فوجئ بالسؤال وفكر ولم يعطي أي جواب".

أما على الصعيد التنظيمي، فقال الطاهر إن حبش "كان قائداً ديمقراطياً بكل معنى الكلمة يؤمن بالحوار والقيادة الجماعية والنقد والاعتراف بالأخطاء وأهمية المراجعة والتقييم لكل مرحلة من مراحل النضال الوطني وعلى الرغم من مكانته كقائد تاريخي مؤسس وهيبته وحب رفاقه له, فقد كان يلتزم بقرارات الهيئات القيادية اذا تعارضت في بعض الأحيان مع قناعاته الشخصية وقد حصل ذلك أكثر من مرة, ولذلك كان من أهم انجازاته أنه بنى وأسس حزباً ديمقراطياً تحكمه المؤسسة والقيادة الجماعية, وأذكر كلمته في المؤتمر العام الرابع للجبهة عام 1981 عندما قال: إنني أشعر بالفخر والاعتزاز أنني ساهمت في بناء حزب سيستمر ويواصل مسيرته الكفاحية ويخلق قيادات جديدة باستمرار".

كما تطرق إلى الصعيد المسلكي، وقال "فقد كان حبش بسيطاً في حياته اليومية لا يحب البهرجة والاستعراضات والحراسات والمواكب متسامحاً دمثاً خلوقاً مهذباً لا يجرح مشاعر أحد ولكنه قاس إزاء الأخطاء المسلكية التي تتعلق بالنزاهة والاستقامة والأمانة والصدق".

وتابع: "لم يرى شيك ولم يصرف شيك ولم يدخل مصرف ولم يصرف فاتورة لأحد ولم يتدخل في حياته في قضايا الصرف المالي وكان يحيل كل ذلك للجهات المختصة".

وأضاف الطاهر: "عندما سألته وفي ظل أزمة مالية حادة كنا نمر بها. يا حكيم أنت من أوائل الذين مارسوا العمل الكفاحي بعد النكبة فلماذا لم تهتم بالمال والمشاريع الاقتصادية لكي تتوفر أموال كافية للحزب لترجمة وتنفيذ برامجنا وكان جوابه: نحن نمارس النضال ولسنا تجاراً وكانت نظرتنا الاعتماد على الشعب والجماهير".

وشدد على أن "كل التحولات والتطورات الفكرية والسياسية والكفاحية في فكر وحياة جورج حبش كانت من أجل فلسطين والتي لها معنى واحد تحرير كل ذرة من تراب الوطن. الفكر من أجل فلسطين, السياسة من أجل فلسطين, التنظيم من أجل فلسطين".

وأكد أن تجربته الطويلة فلسطينياً وعربياً مرت بمنعطفات كبيرة ولكن رغم كل التحولات, فإن تجربة الحياة بلورت في ذهنه مجموعة من الثوابت كان يؤكد عليها باستمرار وبقي متمسكاً بها حتى آخر لحظة من حياته وعكستها مذكراته".

وقال إن أبرزها "1.سلامة الخط السياسي من خلال التأكيد على حقيقة الكيان الصهيوني ككيان عنصري إجلائي استيطاني مرتبط بالإمبريالية، يمثل أسوأ ظاهرة استعمارية في هذا العصر لا يمكن التعايش معها أو التسليم بوجودها".

إضافة إلى "ترابط النضال الوطني الفلسطيني مع النضال العربي وأن قضية فلسطين قضية عربية، صحيح أن إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية كنقيض للمشروع الصهيوني الذي يستهدف تبديد وطمس الهوية الفلسطينية أمر هام وضروري، ولكن في ذات الوقت لا بد من التأكيد على قومية المعركة، وترابط النضال الوطني الفلسطيني الوثيق والجدلي مع نضال أمتنا العربية".

عدا عن "أهمية بناء جبهة عريضة على المستوى الفلسطيني والعربي "الكتلة التاريخية" تضم كافة التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية المناضلة والمكافحة، القومية واليسارية والإسلامية المتنورة لمواجهة المشروع الصهيوني الاستعماري الذي يستهدف المنطقة بأسرها. وتغليب المصالح العليا للشعب والأمة على أية مصالح فئوية أخرى".

كما أشار إلى "ترابط كافة أشكال النضال وفي طليعتها المقاومة المسلحة كأرقى شكل كفاحي وخيار استراتيجي تفرضه طبيعة العدو العنصري الاستيطاني الذي نواجهه، لكن دون التقليل من أهمية كافة الأشكال النضالية الأخرى".

وإلى "أهمية وضرورة الربط الدقيق والواضح بين الاستراتيجية والتكتيك وعدم جعل التكتيك ينتهك الاستراتيجية أو يضرب مرتكزاتها وثوابتها، وأهمية الربط بين النضال الوطني والقومي التحرري والنضال الطبقي الاجتماعي، لأن معركة التحرر الوطني ليست معزولة عن بعدها ومضمونها الاجتماعي".

وأكد على "فضح دور الرجعية العربية الخطير في التآمر على الأمن القومي العربي والقضية الفلسطينية نتيجة الترابط بين المصالح الإمبريالية والصهيونية والرجعية وهذا ما تؤكده الوقائع اليوم أكثر من أي وقت مضى، واهتمامه الخاص ومتابعته المثابرة والدقيقة للأوضاع في المحتل من أرضنا عام 1948 وكفاح أهلنا هناك".

كما شدّد الطاهر أن من هذه الثوابت "ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية باعتبارها السلاح الضروري في مرحلة التحرر الوطني لمواجهة العدو الصهيوني، وأهمية التعددية الفكرية والسياسية والاحتكام للخيار والحوار الديمقراطي في معالجة التناقضات الداخلية".

إضافة إلى "أهمية ترابط وتكامل حلقات النضال الفلسطيني والعربي والأممي في مواجهة المشروع الإمبريالي الصهيوني الذي يشكل خطراً على الإنسانية بأسرها".

وختم قائلًا: "لا شك أن مسيرة القائد الكبير الدكتور جورج حبش سيكتب عنها الكثير لأنها مسيرة حافلة بالدروس والاستخلاصات وكتاب صفحات من مسيرتي النضالية للرفيق الحكيم يشكل إسهاماً هاماً في استخلاص هذه الدروس وكما قال شاعرنا الكبير الراحل محمود درويش في كلمة بمناسبة ذكرى الأربعين لرحيل الحكيم: "رحل جورج حبش في عام النكبة الستين، دون أن يشفى من جراح النكبة، لا لأنها كانت تراجيديا تاريخية كبرى.. بل لأنها ما زالت مستمرة".