Menu

في ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رائدة اليسار الفلسطيني المقاوم

محمّد جبر الريفي

غزة _ بوابة الهدف

شكل حدث انطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد هزيمة يونيو حزيران عام 1967، والتي تأتي ذكراها في هذه الأيام، انعطافة هامة في النضال الوطني الفلسطيني؛ لأنها أكدت على خيار المقاومة المسلحة وانتهاج أسلوب حرب التحرير الشعبية في مواجهة الكيان الصهيوني المدعوم من الامبريالية الأمريكية بكل قدراتها العسكرية التي مكنته على تحقيق الانتصار السريع في تلك الحرب العدوانية، وكان انطلاق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أثر ذلك هو بمثابة رد سريع على نتائج هذه الهزيمة العسكرية المنكرة التي صدمت مشاعر الشعوب العربية والإسلامية عامة؛ بسقوط شرقي القدس والمسجد الأقصى بالخصوص في قبضة الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى باقي فلسطين التاريخية وسيناء والجولان.

كان انطلاق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقرار سياسي من الفرع الفلسطيني في حركة القوميين العرب، هو تأكيد أيضًا على ترابط النضال الوطني الفلسطيني بالنضال القومي العربي، وهي دلالة ثانية على أهمية هذه الانعطافة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية، حيث كان ينظر لانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة في الأول من يناير عام 1965 بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، على أنه حدث وطني بحت، وذلك بسبب تأكيد الحركة في أدبياتها السياسية والفكرية وشعاراتها على الخصوصية الوطنية للنضال الفلسطيني، والذي انعكس على هويتها الفكرية والتنظيمية، حيث ضمت في صفوفها مختلف الاتجاهات السياسية التي كانت تموج بها الساحة السياسية العربية؛ من إسلامية وقومية ويسارية، وهو أمر كان طبيعيًا في تلك المرحلة من النضال الوطني الفلسطيني لتخليصه من وصاية الأنظمة العربية التي قيدت حركته الكفاحية، وذلك بهدف تأسيس تنظيمي لحركة تحرر وطني ذات طابع جبهوي عريض لإعادة إحياء الهوية الوطنية الفلسطينية، من محاولات الطمس التي كان يتعرض له الشعب الفلسطيني بعد نكبة عام 1948.

هكذا شكلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ تأسيسها حدثًا وطنيًا وقوميًا هامًا في الساحة السياسية الفلسطينية والعربية، ثم جاءت التطورات التي حصلت في داخلها على صعيد الفكر السياسي، حيث تم الانتماء للفكر الاشتراكي العلمي والاسترشاد بمنهجه الجدلي، في ضوء هزيمة أنظمة البرجوازية الصغيرة الوطنية العربية وعدم صلاحية برامجها السياسية والاقتصادية التنموية على مواجهة وهزيمة المشروع الصهيوني، بما يشكله على صعيد المنطقة العربية من مخططات توسعيّة وتحديّات عسكرية تنسجم مع دوره الوظيفي العدواني.

كان ذلك الانتماء والتحول السياسي والفكري خطوة نوعية هامة على طريق نضال الثورة الفلسطينية المعاصرة في مواجهة هذا المشروع الصهيوني العنصري وترابطه الاستراتيجي الكامل بالمصالح الرأسمالية الاستعمارية والإمبريالية، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بهذا الانتماء أكسبت النضال الفلسطيني بعده الوطني الديموقراطي، بالإضافة إلى بعديه الوطني والقومي. وبهذه المسيرة النضالية والكفاحية للجبهة حازت على تقدير واحترام حركات التحرر الوطني في بلدان العالم الثالث وعلى تقدير واحترام كافة الأحزاب السياسية التقدمية والثورية في العالم أجمع، بالإضافة إلى دول المعسكر الاشتراكي قبل تفككه بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، وحازت أيضًا وبشكل ملفت على التفاف الجماهير الفلسطينية والعربية على مواقفها السياسية والفكرية الثورية الثابتة، وحول عملياتها الكفاحية البطولية النوعية التي أبرزت القضية الفلسطينية على المستوى الدولي.

تحية إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طليعة قوى اليسار الفلسطيني المقاوم في ذكرى انطلاقتها المجيدة.