Menu

عن ميلاد.. كيف ستُسقِط التصفية؟

ميلاد وليد دقة

خاص بوابة الهدف

تدور صراعات الحاضر حول المستقبل، شكله وشكل وجودنا فيه، طريقة حياتنا، مستقبل النشيد الوطني، الحفاظ على لون العلم، أسماء الشوارع، الحفاظ على الذاكرة، أين سيلعب الأولاد؟ ما الذي سيتلقونه في مدارسهم من دروس وحكايات؟

النقطة المهمة في هذا الجانب، والتي تلعب لمصلحتنا في المعركة مع المشروع الصهيوني، أن التاريخ صانع ماهر للمستقبل، لا ينفك يطبعه بتأثيراته ويصيغ عوامل تشكله، ويفعل ذلك بقوة تفوق تأثيره في الحاضر؛ فالحاضر ما هو إلا لحظة راهنة، تشكلت بفعل توازنات مؤقتة للقوة مهما طال زمانها، لكن المستقبل في مداه البعيد، يفسح المجال لحضور كل تلك العوامل التي يغفلها بصرنا، أبرزها التاريخ وجدلياته، فيكون أكثر اتساقًا مع حركة التاريخ وتطوره الطبيعي، الكفيلة بسحق ذلك التفوق المؤقت لعدونا.

لا شيء يدوم في هذا العالم، ولا شيء يفنى، وضعت المنظومة الصهيونية وليد دقة في غياهب سجونها لأكثر من ٣٤ سنة، حاولت إفناء وجوده وتأثيره وحضوره، لكنه، وفي معركة الزمن، استطاع دائما الحضور بيننا، أرسل نصوصًا ملهمة، أنتج علميًا وأدبيًا الكثير، حلل منظومة العقاب وسعيها للإفناء وأدواتها لتحقيق هذا الهدف، تزوج من سناء وهو في سجنه، راهن على المستقبل، أنجب طفلته ميلاد، بتحدٍ فريدٍ لإرادة السجان، ولجبروت اللحظة الراهنة.

ستعيش ميلاد في وطنٍ يرغب دونالد ترامب بتحويله إلى معازل وأقفاص، وبين شعب قدمت القوة الأكبر في عالمنا حاليًا خطةً لإزالة أسباب وجوده ماديًا ومعنويًا، وهذا هو تحديدًا رهان المستقبل، إن القوة المجردة الغاشمة كفيلة بفرض ظروف مجحفة وغير قابلة للقبول من البشر، تتعارض مع الكرامة الإنسانية، وحاجة الإنسان الطبيعية إلى الحرية وتحقيق المصير الفردي والجمعي، وهذا تحديدًا ما سعت المنظومة الاستعمارية المرة تلو الأخرى إلى منعه، وبذلك كما كل مرة تخلق وتعزز ظروفًا تجبرنا على القتال والمقاومة، ولا تدع لنا خيار آخر.

كان يمكن للمنظومة الصهيونية الإفراج عن وليد دقة، وأن تولد طفلته في ظروف شبه طبيعية، ولكن هذه المنظومة كما دائمًا تصنع عوامل فنائها، عوامل التمرّد، عوامل المقاومة، بسعيها لإفناء ضحيتها، لإفناء شعب فلسطين، وطمس أثره وتاريخه ومعاني وجوده.

لا نعدم أسبابًا راهنة لمواجهة صفقة القرن، ولكن خارطة فلسطين الكاملة من بحرها إلى نهرها، وحكايات الجدّات عن عيشنا قبل الاحتلال، وتخيّلات زُرِعت منذ الطفولة إلى يوم التحرير وما بعده، هي دوافع أكثر عمقًا وتجذرًا للقتال والمقاومة، وعلى أعتاب حكايا الجدّات وخارطة البلاد، وعند أطراف أظافر ناعمة لميلاد وليد دقة، تتجسد عوامل زوال الكيان الصهيوني، وهذه العوامل لم ولن تنتهي، إنها قائمة؛ بتاريخنا، وبوحشيتهم الحاضرة، في تخيّلاتنا وآمالنا واحتياجاتنا للمستقبل، وفي كوابيسنا التي يسعون لصنعها وتطبيقها.