Menu

لماذا لا نريد خطة ترامب الصهيونية؟ (ج5) والآخير

حاتم استانبولي

الخطة التي قدمها ترامب وتحدث بجوهرها نتنياهو في لقاء ثنائي بالبيت الأبيض وبحضور ممثلي الصهيونية العالمية وأعضاء كونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. أطلق على صفقة القرن كما اصطلح على تسميتها بخطة ترامب من السلام إلى الازدهار، فمن حيث الشكل قدمت الخطة على أنها مشروع معد من قبل مكتب هندسي يشرح فيه خلفيات المشروع ومشروعيته القانونية والأهداف ومتطلباته ومصادر تمويله؛ جوهر المشروع هو الدولة اليهودية ومتطلباتها الأمنية، ومناقشة كيفية مجابهة المخاطر التي تعترضها من الوحشية الفلسطينية التي يجب ترويضها في الإطار المكاني والزماني، ويعطي المشروع المبررات التاريخية للأضرار الجانبية من تشريد وإلغاء وإلحاق للشعب الفلسطيني التي ترافقت مع فكرة إنشاء مشروع يهودية الدولة منذ مائة عام. 

من حيث البناء المعرفي للخطة فإنها تستند على الحق والوعد الإلهي لليهود في فلسطين، وهنا تختلط على القارئ بين الحق الوطني والالتزام الديني، وأيهما أكثر مشروعية من حيث الحقوق الإنسانية. الفكرة الدينية هي فكرة بين الإنسان وربه ولا تتعلق هذه الفكرة بأحقية المكان، حيث من الممكن أن تلتزم بهذه الفكرة عدة مجموعات إنسانية متناثرة من حيث مكان عيشها، وهنا فلننظر نظرة سريعة لانتشار الأديان، هذه النظرة تفرض التساؤل: هل المسلمون المنتشرون في بقاع الأرض لهم حق في ملكية مكة وحواضنها الدينية أو ملكية أضرحة أئمتها المنتشرين في كل الأماكن التي انتشرت بها الرسالة الإسلامية أو المسيحيين المنتشرين في كل بقاع الأرض لهم حق ملكية فلسطين أو الفاتيكان وروما؟ كما أنه بالنسبة للأديان والأفكار الأخرى يطرح ذات التساؤل، وهذا يفرض سؤال آخر: هل الانتقال من فكرة دينية إلى أخرى تنتقل أوتوماتيكيا أحقية ملكيتها للمكان من مكان إلى مكان آخر؟ إذا ما شرع هذا الحق فإن الحقوق الوطنية ستلغى لصالح الحقوق الإلهية والدينية، وانتقال الأفراد والجماعات من فكرة دينية إلى أخرى يغير من حقوقهم الإنسانية بالمكان، ويشرع أخذ حقوق الآخرين، خاصة إذا ترافق ذلك بامتلاك قوة مادية؛ إن كانت رأس مال أو قوة عسكرية، وسيتطلب ذلك تغييرًا جوهريًا في المواثيق الدولية، حيث ستلغى الحقوق المدنية لصالح الحقوق الدينية، وتصنف الشعوب والمجموعات والدول على أساس الانتماء الديني وتحدد المصالح بناء على هذا المفهوم.

إن المبدأ المعرفي الذي بنيت عليه الخطة يتناقض مع كل المواثيق الإنسانية ويعطي شرعية حقوقية للفكرة الدينية في تحديد حقوق الملكية التي تشرعها الفكرة الدينية أو يفسرها أئمتهم أو أحبارهم أو كردينالاتهم ومراجعهم الكنسية. بالضرورة يجب نقد هذا المدخل المعرفي الذي بني على أساسه الحق اليهودي في فلسطين، وجمع على أساسه كل من ادعى أو التزم بالفكرة اليهودية من كل أصقاع الأرض ليحل محل الفلسطيني صاحب الأرض، وبناء عليه فإن رفض اعتماد الرواية الدينية هو المدخل لرفض فكرة الوطن القومي والدولة اليهودية لما ستتركه من أثر على القوانين الإنسانية التي تحكم علاقات الشعوب فيما بينها، والعلاقة بين المكونات الدينية للشعب الواحد. وهنا رفض الرواية الدينية، بمعنى استخدامها للترويج للحقوق القومية في المكان، وهذا لا يلغى احترامها كمعتقد، كما لا يلغى احترام المعتقدات الدينية والفكرية الأخرى.

الخطة ستكون مدخلًا لتحقيق فكرة الدولة اليهودية من النيل إلى الفرات، وإذا ما كتب لها التطبيق فإنها ستؤسس لمرحلة قادمة، تكون شرق الأردن إطارها؛ والمدقق بما ورد في أكثر من مكان في الخطة حول الخيار الأمني صفر للدولة اليهودية، الذي اعتمد كمبرر أمني لضم غور الأردن، تحت عنوان المتطلبات الزمنية للتعبئة العسكرية التي تستغرق 24 ساعة لمواجهة أي خطر محتمل من شرق الأردن، الذي من الممكن أن تستغله قوى معادية للدولة اليهودية، هذا التخوف الذي ورد في أكثر من وثيقة أمنية بحثية إسرائيلية سابقة، يعطي مبررات مستقبلية للعدوان على الأردن لضم السلسلة الشرقية التي تشكل خطرًا مقلقًا لإسرائيل، ولتربطها بهضبة الجولان كخيار أمني ( طبيعي). وإذا ما أضفنا البعد الديني للأحقية التاريخية، فإن هذين البعدين سيشكلان خطرًا داهمًا على الأردن ويفتح آفاق التمدد لبابل العراق، تحت عنوان الأحقية التاريخية ودرء الاخطار عن الدولة اليهودية، ومن الواضح أن شعار من النيل إلى الفرات ليس مقصود به مصب النيل، بل منبعه، وهنا علينا أن ندقق بالجهود الإسرائيلية للسيطرة على منابع النيل والتحكم بمردودها المائي ل مصر والسودان. الموافقة على الخطة ستكشف مباشرة كل من القاهرة وعمان وبغداد.

اقرأ ايضا: خطة ترامب... من السلام إلى الازدهار (ج4)

العناصر والشروط الواردة بالخطة هي تحمل شروط انتصار صهيوني واستسلام عربي وتحقق مقولة نتنياهو انتصاره على القومية العربية، وهي -أي الخطة- تضع القانون الأمريكي كناظم للعلاقات الداخلية والخارجية للمنطقة بأكملها، وتسقط كل خيارات شعوب المنطقة وتطلعاتهم، وتلغي تاريخهم الثقافي من خلال اعتماد المرجعية الصهيونية للتاريخ، وتؤكد أن من يعطل التعاون والتنمية والوحدة بين دول وجماهير المنطقة هي عدم جود دولة إسرائيل ضمن المنظومة السياسية والثقافية والاقتصادية للمنطقة التي لن تكتب تنمية لها، إلا بوجود إسرائيل فيها، حيث تشترط الخطة دعم التنمية بتشريع الدولة اليهودية واحتياجاتها الأمنية والاقتصادية والثقافية. وهنا يجب التذكير بالوعود التي أطلقت في المؤتمر الاقتصادي الأول الذي عقد في عمان بعد توقيع وادي عربة وبحضور شمعون بيريز، والذي وعد بأن شمس التنمية والرفاه لن تغيب عن الشرق الأوسط، والنتيجة أن غيوم القتل والاحتلال والصراع المذهبي هي التي انتشرت، ولهذا فإن كل الوعود التي تطلق في خطة ترامب كانت قد أطلقت وأعلن عن مبالغ مالية لمشاريع مماثلة سابقًا، كانت تهدف لمداعبة حاجيات الجماهير الفلسطينية والعربية التي أرهقت من حروب الخليج؛ ذات الأسطوانة تكررها خطة ترامب لتداعب مشاعر الجماهير التي أرهقتها نظم الفساد المدعومة من واشنطن.

التنمية لن تحققها إلا قرارات وطنية عربية جريئة، باعتماد فتح الحدود وتدفق السلع والبشر بحرية وبقرارات عربية وليست كوشنيرية. الأموال التي يريد كوشنير استثمارها هي أموال عربية لمشاريع تحفظ أمن الدولة اليهودية، وطرح الخطة هي ثمرة ما استثمرته إسرائيل والولايات المتحدة في التلاعب بمكونات المجتمعات العربية منذ أحداث 11 سبتمر التي كانت حدثًا فارقًا في العلاقات الدولية، هذه الأحداث التي كانت ضرورة أمريكية لتبرير اعتدائها على المنظومة القانونية الدولية وما ترتب عليه من نتائج عسكرية مباشرة في أفغانستان والعراق، واضطرابات في بعض الدول من خلال استخدام متعدد الأوجه والأشكال لأدواتها لتغيير نظم وإسقاط دول وتفتيت مجتمعات؛ من خلال إطلاق مارد الصراع الطائفي والمذهبي، الذي عبر عن وحشيته التي مورست في العراق وسورية، هذه الوحشية التي شرعتها الفكرة الدينية المتطرفة والتي اعتمدت النصوص الإلهية للأحقية بالحساب وملكية المكان والإنسان، هي الأفكار التي تتلاقى مع الأساس المعرفي ليهودية الدولة، حيث أن اعتماد يهودية الدولة يفلت إسرائيل من المحاسبة على جرائمها العدوانية منذ أن أنشئت الوكالة اليهودية وأذرعها العسكرية؛ من منظمات إرهابية (شتيرن والهاجانا وغيرها). إن خطة ترامب تدعها تفلت من تحمل التبعات القانونية والإنسانية والسياسية لتشريد وإلغاء وإلحاق الشعب الفلسطيني، وتشرع الاحلال الصهيوني، وهي تعتمد الحق الإلهي لترفض تحمل أو استقبال اللاجئين الفلسطينيين، وتعتبرهم أضرار جانبية لمتطلبات نشوء وتأسيس الدولة اليهودية، بل تمنعهم من العودة لأراضي الدولة الفلسطينية التي تفترضها هذه الخطة، في حين تشرع لليهود حقوق الملكية والتعويض عنها في الدول العربية التي هجروا منها حسب وصف الخطة، وحق عودة كل من يدعي أنه يهودي.

اقرأ ايضا: ما هي خطة ترامب.. من السلام إلى الإزدهار (ج1)

لقد استندت الخطة إلى الاعتراف الرسمي العربي من خلال خطة السلام العربية واتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة التي اعتبرتهم اختراقًا استراتيجيًا، أما عن أوسلو فقد أخذت الاعتراف السياسي من الفلسطينيين لتبني عليه جسورًا يمهد لإعلان العلاقة مع بقية الدول العربية، خاصة الخليجية منها، ورمته في وجه من وقعه وأطلقت خطة التصفية الصهيونية. الخطة تعطي دولة للفلسطينيين بالمفهوم الأمني الإسرائيلي الذي يريد أن يستخدمها كأداة أمنية ضد شعبها من جهة، وأداة استخبارية إقليمية؛ بالمختصر ستكون دولة فلسطينية لصاحبتها الحصرية إسرائيل الدولة اليهودية.

خطة ترامب والرباعية؛ هذه الرباعية التي وضعت شروطًا للتفاوض وإنهاء النزاع، لا تختلف في جوهرها عن خطة ترامب والتي ستستند للقرار 242 الذي يحدد مفهوم الأراضي التي احتلت عام 1967 ويعطي حقًا أتوماتيكيًا لإسرائيل في فلسطين ال1948.

اقرأ ايضا: خطة ترمب.. من السلام إلى الازدهار (ج2)

 إن النظر لمجابهة خطة ترامب من خلال إعادة إنتاج التفاوض العبثي، لكن في إطار الرباعية على أرضية قرار 242 والمطالبة الفلسطينية والعربية في حدود الدولة على أراضي ما قبل الرابع من حزيران، ليس أكثر من رؤية عبثية، فهم يعلمون إنها لن تتحقق، خاصة أن ما ورد في الخطة عن تبادل أراضي كان مقترحًا لبعض المفاوضين الفلسطينيين، وحمد بن جاسم ال قطر ي. عندما يرد في الخطة أن هذه الأفكار هي من روحية قرار 242 وتجميعًا لمجمل الأفكار السابقة التي طرحت (منها اتفاق خطة بيلين أبو مازن بشأن الحل النهائي)، فإنها تكشف جوهر السعي الإسرائيلي الأمريكي لمفهوم الدولة والتي حكمتها ميزان قوى قائم محسوم لصالح إسرائيل وحلفائها العرب الذين طوعوا الموقف الفلسطيني عبر سنين للتورط في التفاوض المباشر. وهنا يجب أن يطرح السؤال المهم فلسطينيًا: ما العمل؟

طرح أبو مازن في عدة مناسبات أنه لا يريد صفقة القرن، ولكي لا يقولوا أنه عدمي هو يريد التفاوض من خلال الرباعية، ولا مانع من وجود الولايات المتحدة وغيرها إذا أرادوا. هذا ما طرحه في اجتماع الجامعة العربية وسيكرره في المناسبات القادمة، وبذات الوقت طلب من الفلسطينيين الوحدة لمجابهة صفقة القرن، وهذا يطرح سؤالًا: هل يريد الوحدة للعودة للتفاوض بشرعية وحدوية فلسطينية؟ أم يريدها من أجل شعار المواجهة الشاملة والتخلص من القيود التي كبل بها الشعب الفلسطيني منذ أوسلو وحتى الآن؟ التجربة مع أبو مازن تقول أن الوحدة يريدها من أجل تشريع التفاوض في إطار الرباعية التي أعلن عن التزامه بها.

اقرأ ايضا: خطة ترمب.. من السلام إلى الازدهار (ج3)

هذا السؤال: وحدة للمجابهة أم وحدة للتفاوض؟ مطروح برسم أبو مازن وفتح والفصائل !

اسرائيل وامريكا التي تحت رعايتها تمت اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة و أوسلو طرحت رؤيتها للحل النهائي في خطة ترمب هي مناسبة لابومازن وفريقه للتخلص من كل الالتزامات والقيود واتفاقية اوسلو التي قوضتها بشكل معلن خطة ترمب والعودة الى الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية وتحالفه مع الجماهير العربية التي اكدت تمسكها بالقضية الفلسطينية رغم كل الظروف هي الخيار الواقعي والافضل والذي يعيد الوطنية للوحدة ويكون عاملا للنهوض الوطني الجامع لمجابهة خطة التصفية والتبعية وسرقة امكانيات المنطقة التي سيكشف امام العدوانية الامريكية الاسرائيلية.

لن تعطيك الرباعية شيئا لا تملكه خاصة ان رئيسها طوني بلير ودولته هم من دعموا ورعوا واعطوا الوعد المشؤوم الذي كان مدخلا لاغتصاب فلسطين.

لا نريد خطة ترمب الصهيونية لانها خطة تصفية تفصيلية معلنة بخطط ومشاريع صهيونية باموال خليجية وايدي فلسطينية لتشريع اعلان الاعتراف بالدولة اليهودية وحفظ امناها وتحقيق افلاتها من الحساب.