Menu

الحلقة السادسة

المسيرة التاريخية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "قراءة وعرض لوثائق مؤتمراتها حتى المؤتمر السابع"

pflp.jpg

خاص بوابة الهدف الاخبارية

(في الذكرى الثالثة والخمسين لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ تنشر بوابة الهدف الإخبارية، على حلقات متتابعة: كتاب المسيرة التاريخية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (قراءة وعرض لوثائق مؤتمراتها حتى المؤتمر السابع) الذي أعدته الدائرة الثقافية المركزية للجبهة، وصدر منه طبعتين؛ الأولى في آب/أغسطس 2010، والثانية في يوليو/تموز 2014).

الفصل الرابع

 المحطة الرابعة: المؤتمران الوطنيان الثالث والرابع

(ح 6)

أولاً : المؤتمر الوطني الثالث:

عقدت الجبهة مؤتمرها الوطني الثالث في 8 / آذار/1972 الذي أقر وثيقة "مهمات المرحلة الجديدة" والنظام الداخلي الجديد وأعطى عملية التحول وبناء الحزب الثوري ايدولوجيا وتنظيميا وسياسيا الصدارة، إيماناً منه بأن قدرة الثورة على الصمود والاستمرار تتوقف على صلابة التنظيم، وقد نص النظام الداخلي الجديد على أن المبادئ الأساسية للحزب هي المركزية الديمقراطية، والقيادة الجماعية ووحدة الحزب، والنقد والنقد الذاتي، وجماهيرية الحزب والثورة، وعلى أن كل عضو سياسي في الجبهة مقاتل وكل مقاتل سياسي، وحدد النظام الداخلي شروط العضوية وواجباتها وحقوقها ورسم الهيكل التنظيمي للحزب، فهناك الهيئات المركزية التي تضم المؤتمر الوطني واللجنة المركزية والمكتب السياسي، تليها الهيئات القيادية للساحة كمؤتمر الساحة ولجنة الساحة المركزية وقيادة الساحة، ويأتي بعد ذلك مؤتمر المنطقة وقيادة المنطقة ثم مؤتمر القطاع، فمؤتمر الرابطة وقيادة الرابطة ثم الخلايا والحلقات.

لقد جعل المؤتمر الوطني الثالث للجبهة (1972) بناء الحزب الثوري هو الحزب الذي يعتمد أيديولوجية الطبقة العاملة دليلاً نظرياً، ويتشكل من طلائع الطبقة العاملة في تكوينه الطبقي، ويستند إلى مبدأ المركزية الديمقراطية في علاقاته الداخلية. أما الجبهة الوطنية المتحدة فهي الإطار التنظيمي الذي يضم مختلف طبقات الثورة وأحزابها ومنظماتها.

لقد مثل عقد المؤتمر الوطني الثالث للجبهة محطة هامة على طريق تحول الجبهة من تنظيم برجوازي صغير إلى حزب ماركسي لينين ي" ، فإذا كان المؤتمر الثاني للجبهة في نهاية شباط 1969، قد أرسى المقدمات الأيديولوجية السياسية لعملية التحول (الإستراتيجية السياسية والتنظيمية) فان المؤتمر الثالث قد أرسى المقدمات والأسس التنظيمية (إقرار النظام الداخلي)، كذلك طور المقدمات السياسية الأيديولوجية كما وردت في التقرير السياسي للمؤتمر الثالث والذي صدر باسم (مهمات المرحلة الجديدة) وقبيل المؤتمر أعلنت مجموعة من كوادر وأعضاء الجبهة، أطلقت على نفسها اسم "الجبهة الشعبية الثورية لتحرير فلسطين" انشقاقها عن الجبهة طارحة سلسلة من المواقف التي أعلنت فيها اختلافها مع الجبهة، وقد أكدت المواقف التي أعلنتها هذه المجموعة ارتباكها ومراهقتها اليسارية والتنظيمية الذاتية ، إلى جانب رؤيتها ومواقفها السياسية والفكرية المرتبكة .

فالانشقاق لم يكن له ما يبرره، ولم يكن يستطيع الاستمرار مع كل ما قدم له من مساعدات وتسهيلات من بعض القوى الفلسطينية ومن الأجهزة السورية يومها ، وقد جاء الواقع لاحقاً ليؤكد ذلك، حيث اندثرت "الجبهة الشعبية الثورية" بعد فترة وجيزة من إعلانها ، وعاد غالبية أعضائها إلى حضن جبهتهم الشعبية بعدما اكتشفوا خطأ  الانشقاق.

وقد وقف المؤتمر الثالث في أحد محطاته أمام ظاهرة الانشقاق المذكورة فحلل أسبابها وحدد المواقف منها:

أما أسباب الظاهرة الانشقاقية حسب قرارات المؤتمر فهي:

  1. عدم اكتمال تحول الجبهة الشعبية من تنظيم يساري راديكالي إلى تنظيم ماركسي – لينيني.
  2. عامل النزق والنفس القصير والمزايدة تحت ستار اليسار والماركسية اللينينية لدى البعض.
  3. أزمة حركة المقاومة ومحاولات ضربها من الداخل من بعض الدول العربية، وتواطؤ بعض فصائلها لضرب الجبهة الشعبية بشكل خاص، ولا يخفي أن هذه النقطة تتضمن إشارة غير مباشرة لدور النظام السوري في تدبير الظاهرة الانشقاقية المذكورة في وقت كانت علاقة الجبهة بسوريا سيئة نسبيا، أما من قام بالانشقاق فهم عضوان من القيادة السياسية باحتضان ومساندة من مسؤول فرع الجبهة في لبنان يومها وقد ثبت لاحقاً ارتباطه بالمخابرات اللبنانية وكان مع هؤلاء غالبية قيادة فرع الجبهة في سوريا وعدد محدد من كوادر الجبهة في لبنان.

أما الموقف من الانشقاق فقد تم طرحه في النقاط التالية:

  1. إدانة الانشقاق ومنفذيه.
  2. الطلاق الديمقراطي مع المنشقين وعدم الدخول معهم في مهاترات ومشاحنات لا تخدم سوى العدو، هذا مع احتفاظ الجبهة بحقها في خوض نقاش أيدلوجي مشروع ضد هذه الظاهرة الانشقاقية.
  3. كما نرى فإن الإشارة للطلاق الديمقراطي يعني رفض العنف والاقتتال كوسيلة لحل الخلافات داخل المعسكر الوطني الواحد، وقد عرف عن الجبهة طيلة تاريخها موقفها الثابت والصلب ضد الاقتتال والعنف داخل الصف الوطني.

المؤتمر الثالث و مهمات المرحلة الجديدة:

بهذا العنوان صدر التقرير السياسي للمؤتمر الوطني الثالث للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقد تضمن التقرير معالجة شاملة لكافة الأوضاع الفلسطينية والعربية والدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية.

ففي المجال الدولي أشار التقرير إلى ثلاثة مخاطر رئيسية كانت قائمة بقوة في بداية السبعينات وهي:

  1. خمول الحركات العمالية في بلدان الغرب الرأسمالية.
  2. تصدع وحدة المعسكر الاشتراكي (وخاصة بسبب الخلاف الصيني – السوفياتي).
  3. انتعاش الأنظمة العسكرية البرجوازية الصغيرة الإصلاحية في قسم كبير من بلدان "العالم الثالث".

وقد أثرت هذه النقاط الثلاث على حركة المقاومة الفلسطينية باعتبارها جزء من معسكر الثورة المناضل ضد الامبريالية وأتباعها وحلفائها ، كما وأن عدم قدرة الثورة آنذاك على إقامة تحالفات أممية عميقة وجادة،  ساهم في عدم توضيح معركتنا ضد الصهيونية وكيانها في فلسطين بكل ابعادها الوطنية والقومية والأممية.

أما على صعيد الوضع العربي فقد عالج التقرير باستقامة مخططات النظام الرجعي الأردني ضد المقاومة الفلسطينية وحدد بوضوح أخطاء المقاومة وأخطاء يسارها في التعامل أثناء وجودها في الأردن.

كما ناقش التقرير على الصعيد العربي مسألة العلاقة مع الأنظمة الوطنية العربية، فأشار إلى أن الأنظمة الوطنية العربية تعمل لكسر شوكة المقاومة بسبب رفض المقاومة لمشاريع التسوية والاستسلام، وكذلك بسبب فعاليات المقاومة السياسية والعسكرية التي تتجاوز حدود مواقف الأنظمة الوطنية، وأخيراً بسبب قدرة اليسار الفلسطيني على التأثير على بعض مواقف المقاومة باتجاه جذري لا يتناسب مع المواقف الوسطية الإصلاحية للأنظمة الوطنية، وحدد التقرير قانون "التحالف والصراع" بأنه القانون الأساسي للعلاقة مع الأنظمة الوطنية العربية.

أما بالنسبة للوضع الفلسطيني ، فقد تحدث التقرير باستفاضة ، وأشار إلى أن المقاومة الفلسطينية بحاجة إلى:

    1.  نظرية ثورية لقيادة الثورة وتحديد نهجها ومواقفها بصورة صائبة.
    2.  حزب ثوري حديدي يقود حركة المقاومة بأكملها.
    3.  تشكيل جبهة وطنية عريضة على أسس جبهوية سليمة، على أن يقودها الحزب الثوري.
    4.  ممارسة واسعة للعنف الثوري.
    5.  بناء تنظيمي يهدف لخلق الإنسان الثوري بوعيه وانضباطه وفعاليته.

وأشار التقرير إلى أن استمرار خضوع المقاومة لقيادة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة لا زال يحول دون تطبيق وتنفيذ الحاجات الملحة المذكورة، وقد نجم عن قيادة البرجوازية للمقاومة عدة ظواهر وأخطاء منها:

  1. عدم وضوح الموقف من الأنظمة الرجعية العربية ورفع شعار عدم التدخل في شؤونها الداخلية ، وممارسته بطريقة خاطئة  .
  2. الضعف في العلاقة مع الجماهير العربية لصالح العلاقة مع الأنظمة العربية مضافاً إليه التعامل القومي مع الجماهير الفلسطينية، حيث تم النظر لدور الجماهير العربية على انه دور إسناد ودعم للمقاومة الفلسطينية فقط، وليس موقف التحالف والتلاحم ووحدة المصير الكامل معها.
  3. قيام الأنظمة الوطنية العربية بلعب دور متزايد التأثير داخل حركة المقاومة والعبث بها، وذلك بسبب خضوع بعض الفصائل لوصاية هذه الأنظمة.
  4. طرح صيغة للوحدة الوطنية تقوم على أساس دمج وتذويب الفصائل الوطنية الأخرى في جسم التنظيم الأكبر (حركة فتح) وذلك بدل طرح صيغة جبهوية للوحدة الوطنية تحافظ على الاستقلالية السياسية والتنظيمية للمنظمات المشاركة بها.
  5. التخلف في العلم العسكري، وعدم الاهتمام الكامل بتطوير هذا الجانب.
  6. على الصعيد التنظيمي: ضعف الانضباط، وما يتبعه من ضعف الفعالية السياسية والعسكرية، وكذلك برزت ظواهر من الغرق في الامتيازات والشكليات من جانب بعض مسئولي المقاومة وحتى كوادرها القاعدية وهذا أثر سلباً على الروح النضالية.

أما يسار المقاومة فقد مارس مجموعة من الأخطاء تتمثل في:

  1. عدم القدرة على الجمع بين ضرورات الموقف الاستراتيجي، وبين إلحاح الموقف التكتيكي فيما يتعلق بقبول النظام المصري بمشروع روجز، مما تسبب في توتير العلاقة مع نظام عبد الناصر، هذا فيما كان واقع الحال يتطلب نقد موافقة عبد الناصر على مشروع روجز في إطار الحفاظ على العلاقة الايجابية مع هذا النظام الوطني على أساس قانون "التحالف والصراع".
  2. ارتكاب أخطاء في تقدير موازين القوى بالنسبة للصراع مع النظام الأردني، وهذه الأخطاء وان لم تعدو كونها أخطاء تكتيكية وليست أخطاء إستراتيجية فقد كان من الممكن تجنبها، وهي تختلف اختلافا جذريا عن سياسة اليمين الذي كانت سياسة مهادنة تماما للنظام الأردني ومستعدة لفعل كل شيء من اجل تطمين النظام الأردني بأنهم لا يريدون إسقاطه.
  3. الانسياق وراء اليمين في إصدار بيانات عن عمليات عسكرية كبيرة وغير ذلك من المظاهر الخداعة وغير الصحيحة والتي كان لها أثرها السلبي في خداع وتضليل الجماهير.
  4. طرح شعارات خاطئة في الأردن من نمط "كل السلطة المقاومة" وقد عززت هذه الشعارات انعزال المقاومة عن الجماهير الأردنية، وكان يفترض أن يكون الشعار "كل السلطة للمقاومة وللجماهير الأردنية الكادحة معاً وكذلك فقد مارس الكثير من أعضاء تنظيمات اليسار وبصورة سافرة ممارسات تمثل تحديا لتقاليد الجماهير الأردنية والفلسطينية وعاداتها وهناك أيضاً النتائج الإعلامية التي ترتبت عن عملية خطف الطائرات الثلاث في أيلول (سبتمبر) حيث استخدمت الامبريالية والرجعية هذا الحدث وكأنه تبرير لمجزرة أيلول وللتغطية على السبب الحقيقي لهذه المجزرة وهو تصفية المقاومة تمهيداً لتمرير الحلول الاستسلامية.
  5. ضعف اليسار في إقامة علاقات قوية وعميقة مع فصائل حركة التحرير الوطني العربية وخاصة أثناء مرحلة تواجد المقاومة الفلسطينية في الأردن.

أما بالنسبة للمقاومة الفلسطينية بعد مذبحة أيلول 1970 ، فقد حدد التقرير عدداً من المهمات في النقاط التالية:

    1. بناء الحزب الثوري.
    2. النضال الجاد لإقامة الجبهة الوطنية المتحدة ، والعمل على تشكيل محور يساري داخل م.ت.ف[1] للنضال ضد انحرافات اليمين عن البرنامج الوطني، من نمط التصالح مع النظام الأردني أو غيره من الأنظمة الرجعية. وعلى الرغم من ذلك ، فقد أوضحت الجبهة الشعبية أنها: "لا ترفض منظمة التحرير الفلسطينية كجسم للوحدة الوطنية الفلسطينية، أو إطار للتعاون بين مختلف تنظيمات المقاومة، ولكن الجبهة ترفض أن يكون هذا الإطار بمثل هذا التكوين"[2].
    3. إيلاء اهتمام خاص لتعبئة الجماهير الفلسطينية في كافة أماكن تواجدها في صفوف الثورة.
    4. الانطلاق من نظرة جديدة للعمل العربي الثوري وتحديد المهمة الرئيسية بهذا الشأن في بناء الجبهة الشعبية العربية العريضة، وكذلك النضال لإقامة حزب شيوعي عربي موحد يقود الجبهة المذكورة.
    5. في سياق الحديث عن المهمات داخل فلسطين المحتلة أشار التقرير الى نقاط ضعف في انجاز هذه المهمات، وتتمثل نقاط الضعف هذه فيما يلي:
  • التركيز على العمليات الخارجية بدل بناء مجموعات من الداخل على أساس تعبئة الجماهير الفلسطينية داخل الوطن المحتل في هذه المجموعات.
  • التركيز على الجانب النضالي وإهمال الجانب السياسي المتمثل في تعبئة الجماهير وتأطيرها.
  • ضعف المقاومة البارز في النقطتين أ-ب أدى لانتشار مظاهر النضال الوطني العفوي بين جماهيرنا، والى اتساع نشاط القادة الرجعيين في الداخل، وكذلك نشاط عملاء العدو والى نشوء أخطاء عميقة من سياسة العدو الهادفة "لخلق ظروف حياتية عادية بالنسبة لغالبية الجماهير، بحيث يتوجه الناس نحو قضايا حياتهم اليومية وتنحصر المقاومة كقوة طلائعية فقط غير جماهيرية تستطيع أجهزة المخابرات والقمع أن تتولى معالجتها ، وأشار التقرير أن وسائل العدو لخلق الحياة العادية للناس: سياسة الجسور المفتوحة، وتشغيل الأيدي العاملة العربية داخل الكيان الصهيوني.

لقد شكل المؤتمر الثالث فعلا وحقا محطة هامة على طريق مسيرة التحول، وساهم في بلورة الأسس المطلوبة لهذه المسيرة، كما ساهم في بلورة مواقف الجبهة تجاه العديد من القضايا مثل: وحدة م.ت.ف، التحالف والصراع مع الأنظمة العربية، الموقف من التناقضات داخل الكيان الصهيوني، النضال داخل الوطن المحتل وآفاقه المستقبلية، التحديد الدقيق لسياسة العدو داخل الوطن المحتل، وهو التحديد التي لا يزال يحتفظ بصحته حتى المرحلة الراهنة، وكذلك الحال بالنسبة لغالبية القضايا والقرارات التي صدرت عن المؤتمر.

أما بالنسبة للوضع التنظيمي، فقد أقر المؤتمر الثالث، النظام الداخلي للجبهة، وشكل ذلك أساساً لإرساء وحدتها التنظيمية على أساس المبادئ اللينينية للتنظيم، مما جعل بنية الجبهة التنظيمية تتحول بالتدريج إلى بنية حزبية، وإذا كانت أعوام 68 و 1969 قد أرست الأسس السياسية والأيدلوجية للتحول نحو حزب ماركسي – لينيني، فقد جاء المؤتمر الثالث ليرسي الأسس التنظيمية، ولم يبق بعد ذلك سوى النضال الداخلي الحثيث من اجل ترجمة الأسس التي تم اعتمادها وتطبيقها في الحياة الداخلية للجبهة.

لكن يبدو أن انغماس قيادة الجبهة الشعبية في العمل لتصعيد فعالية الجبهة ونشاطها السياسي والعسكري والجماهيري ضد العدو الصهيوني كان له أثره في تأخير عملية التحول، وبالتالي لم يكن من المصادفة في شيء أن يُعْقَد المؤتمر الرابع  تحت شعار "المؤتمر الرابع خطوة هامة على طريق استكمال عملية التحول وبناء الحزب الماركسي-اللينيني.

أما بالنسبة للعمليات الفدائية المسلحة ، فقد خاض مناضلو الجبهة في عامي 1971/1972 عشرات العمليات الفدائية من قواعدها في لبنان ضد قوات العدو الصهيوني إلى جانب العمليات الفدائية داخل الأرض المحتلة حيث نفذ فدائيو الجبهة عدداً من العمليات عام 1971 في العفولة وحيفا والطيرة والخضيرة، ونسف طائرة صهيونية في نفس العام، وتم على أثر ذلك اعتقال أعضاء للجبهة من قرى الجليل والناصرة بتهمة القيام بهذه العمليات... وفي عام 1972 ، وتحديداً يوم 13/أيار/1972 قامة فدائيو الجبهة بتنفيذ واحدة من أهم العمليات الفدائية في مطار اللد قبل يوميين من ذكرى النكبة وقيام دولة العدو الصهيوني، قامت مجموعة الشهيد (باتريك أوغويللو) بالنزول في مطار اللد،  وألقت حسب بيان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "خمس قنابل يدوية، ثلاث منها على الطائرات الجاثمة في المطار، وواحدة على قسم الجمارك ، والخامسة على السيارات الموجودة في المطار، وقد أسفر ذلك عن مقتل 40 شخصاً وجرح 90 آخرين، وبعد ذلك انسحبت المجموعة من المطار واشتبكت مع دورية إسرائيلية قرب سجن الرملة، حيث قام أعضاؤها بجرح 5 من أفراد الدورية " ، وردا على الادعاءات القائلة أن هذا النمط من العمليات تؤدي لإصابة أناس من غير الإسرائيليين ردت الجبهة بأنها سبق وان طالبت السياح الأجانب وحذرتهم من عدم الذهاب لفلسطين المحتلة، ومن لم يرد على تحذيرها فقد ناله ما ناله، والجبهة ليست مسؤولة عن ذلك.

وفي هذا الجانب، أوردت الوثائق العربية – الفلسطينية (عام 1972) بيانا لقيادة الأرض المحتلة في الجبهة، يتحدث عن بعض عمليات الجبهة في هذا العام على النحو التالي:

28/4/1972: هجومان على بنك لئومي في تل أبيب، والثاني على بنك هبوعليم في يافا.

2/5/1972 و 8/5/1972 و14/5/1972: سلسلة هجومات وانفجارات في نتانيا وديمونة ، وهجوم على بنك لئومي في تل أبيب للمرة الثانية خلال فترة قصيرة، وأسفر الهجوم عن جرح مدير البنك شلومو شامير ومساعده وأمين صندوق البنك.

ورداً على هذه العمليات الفدائية النوعية للجبهة، قام العدو الصهيوني يوم 8/7/1972 باغتيال الرفيق الأديب الإنسان والمناضل غسان كنفاني ، وهي أول العمليات الإرهابية التي ارتكبها العدو ضد قادة ومبدعي شعبنا خارج الوطن.

بعد ذلك استمرت الجبهة في توجيه ضرباتها العسكرية إلى المصالح الإمبريالية، كعملية تفجير خط أنابيب النفط المار بأراضي الجولان السورية المحتلة، وعملية ناقلة النفط "الكورال سي" في مضيق باب المندب. كذلك وجهت ضربات إلى المصالح الصهيونية ومؤسسات العدو الاقتصادية داخل وخارج الوطن المحتل، وفي 9مارس/آذار 1973م اغتالت إسرائيل قائد الجبهة الشعبية في قطاع غزة الر. الشهيد محمد الأسود (عضو المكتب السياسي )  ورفيقيه الشهيدين كامل العمصي ، وعبد الهادي الحايك بعد معركة عنيفة في حي الرمال بمدية غزة، وكان ذلك خسارة فادحة للجبهة، غير أن ذلك لم يمنع الجبهة من إعادة ترتيب الأوضاع في غزة والضفة والخارج لمواصلة القتال، حيث نفذت العديد من العمليات الكفاحية التي ألحقت ضربات موجعة بالعدو الصهيوني في جبال الخليل وقطاع غزة، وشكلت في الأراضي المحتلة  بؤراً ثورية مسلحة ألحقت بقوات العدو الصهيوني خسائر كبيرة داخل الوطن وعلى مستوى العمليات الحدودية من خارج الأراضي المحتلة ، فهاجمت قواتها دوريات العدو الصهيوني ومواقعه وكمائنه ، وزرعت الألغام وهاجمت مستعمرات الحدود ، التي أسهمت في إرباك العدو واستنزاف طاقاته من ناحية ، وفي تكريس اسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في أذهان وعقول وقلوب أبناء شعبنا الفلسطيني وجماهيرنا العربية.

[1]  على الرغم من موقف الجبهة آنذاك تجاه م.ت.ف ، فقد شاركت الجبهة الشعبية في الدورة السابعة للمجلس الوطني مشاركة رمزية ، وأعلنت في هذه المناسبة انها ستظل تناضل، ضمن إطار المنظمة من أجل : (أ) التثوير الحقيقي للمنظمة وكافة مؤسساتها ، ونسف كل بنيانها المكتبي والبيروقراطي والوظيفي .  (ب) إعادة تشكيل كافة مؤسسات المنظمة على أساس التكافؤ النسبي بين التنظيمات بحيث لا تكون هذه المؤسسات خاضعة لهيمنة معينة.  (جـ) التأكيد على ضرورة التعاون العملي الملموس بين مختلف التنظيمات عسكرياً ومالياً وإعلامياً وسياسياً ، وفق برامج تفصيلية محددة".  أما في الدورة التاسعة، فقد شاركت الجبهة مشاركة عادية. واستمرت مشاركة الجبهة، حتى الدورة السابعة عشرة في عمان، حيث قاطعت ، ثم عادت في الدورة الثامنة عشرة. وقد قاطعت الجبهة المشاركة في اللجنة التنفيذية، في غير دورة، وظلت الجبهة ، خلال هذه المسيرة، منذ عام 1969، تصر أن المنظمة هي إطار الجبهة العريضة، وإن "معضلة الوحدة الوطنية الفلسطينية، ليست في عدم توافر مثل هذا الإطار الجبهوي لتعبئة وحشد وتوحيد هذه القوى، وإنما المعضلة في واقع هذا الإطار ، ومستوى فعاليته التوحيدية والتعبوية".  ولقد مرت علاقات الجبهة بقيادة المنظمة بأزمات ، بسبب الخلاف في المواقف السياسية، وآلية اتخاذ القرار داخل اللجنة التنفيذية.

[2]  الجبهة الشعبية لتحير فلسطين ، مهمات المرحلة الجديدة ، التقرير السياسي للمؤتمر الوطني الثالث ، آذار 1972 – ص69.