Menu

عن رواية حراك الشهداء للدكتور محمد أبو ناموس: هل يعود الشهداء حقا؟

أحمد مصطفى جابر

رواية ابو ناموس.jpg

خاص بوابة الهدف الاخبارية

نعم يعودون، ويعقدون محاكمهم التي تعزل الخيط الأبيض عن الأسود، ويعلنون الحقائق كاملة، حقيقة من خان وفرط وباع ونافق، وحقيقة من ضحى وقدم وبذل.

ما يلي هو المقدمة التي تشرفت بكتابتها للرواية الثانية للدكتور محمد أبو ناموس، بعنوان "حراك الشهداء"، التي صدرت عن "دار كنعان للدراسات والنشر" في دمشق، وجاءت في 80 صفحة من القطع المتوسط.

ما يرد هنا، ليست مقدمة لنص روائي يعلن عن نفسه بشجاعة وألفة، دون لف ولا دوران، بل هي بالأصح ما أريد أن أقوله كقارئ بعد انتهائي من قراءة مخطوط الرواية الذي تكرم صديق العمر الكبير بإرساله إلي.

عندما طلب مني الصديق الكبير د. محمد أبو ناموس، أن أكتب مقدمة لهذا النص، ترددت كثيرا وبحثت عن سبل الاعتذار، لأنني لست ناقدا أدبيا أولا، فأدع هذا الأمر لأصحاب الاختصاص، ليعملوا مباضعهم في النص كما يشاؤون، كما أعمل هذا الطبيب الجراح مبضعه في المجتمع لإنتاج هذه الرواية الكاشفة، ولأنني من أتباع نظرية تقول أن النصوص عليها أن تقدم نفسها، كما هي دون مزيد من الشرح والتحليل، لأن النصوص من هذا النوع تحديدا تخاطب العقول والضمائر، والقلوب في آن معا، فتصبح ملكا لقارئها يفسرها على النحو الذي يريد.

يقدم لنا د. محمد أبو ناموس، نصا فريدا، إن صح القول، في موضوعه ولغته، وأسلوب سرده، فهو قائم على لغة متوسطة إن صح القول، بين الفصحى والعامية المحكية التي وجدت أنها أقرب لروح الموضوع ولما يريد الكاتب قوله، وقد استطاع أن يجعله نصا سلسا مليئا بالشجن، الذي يغلف ببكاء هو كالضحك، أو ضحك هو كالبكاء، وهذه إحدى الوظائف الأساسية للأدب برأيي.

فالكاتب يستخدم ما يمكن أن أسميه السرد الشعبي اليومي، لنقد الواقع والتصدي لتفكيكه، بمشرط جراح ناجح، ولعل هذا يأتي من مهنته الأصلية كطبيب، وبمفردة ليست غريبة على القارئ المستهدف، بل هي جزء من كلامه اليومي، فلا يشعر بالغربة عنها ولا يشعر بالمعتاد من فخامة اللغة وتعقيد الوصف الذي يخالط الأدب المعتاد.

وبعد، فهذا النص ليس رواية عادية لقصة ببداية وحبكة وخاتمة، بل هو أشبه بمرافعة عامة، يلقيها محام ضليع، ساردا سجل الاتهامات، وأسباب الإدانة. في نصه هذا يدخل المؤلف شخصية غير معتادة، الشهيد، الذي يحيله واقعا من لحم ودم ليكون صاحب الادعاء، والشهيد هنا هو كل تلك القيم والمبادئ المهدورة على مذبح الجشع والدناءة وانحراف التفكير، بل الخيانة.

اختار الكاتب في روايته زمنا يكاد يكون غائبا أو موازيا، ولكنه غاية في الوضوح، فهذا زمن حيوي يختلف عن ذاك الذي ندركه عند النظر إلى ساعاتنا وفهارسنا، ورغم ذلك يجري الحدث الطويل في زمن حاضر شديد الوقع، إذ أن كل شيء يحدث هنا والآن.

أما الشخصيات، فشديدة الثراء، والتنوع، تعكس واقعا مشتتا ومجتمعا سياسيا شديد التناقض، والبؤس في آن واحد، حيث يكشف ما تخفيه المظاهر الزائفة، والمسافة بين الفكرة المستباحة المهانة والممارسة الصلفة الغرورة.

وعندما يستحضر المؤلف عالما موازيا آخر، فإنه يريد ربما القول أن من الممكن تحقيق عالم جديد يزول منه شوائب العالم الأول ويرجع إلى صراط مستقيم من القيم والانتماء الأصيل.

فالشهيد هنا هو الواقع المشتهى في مواجهة واقع مشوه، هو الحلم الذي يجب أن يتحقق في وجه الكابوس المطبق على أرواحنا، الشهيد هو الصوت الأصلي للشوارع والأزقة والبيوت في مخيمات ومدن وقرى مستباحة مهدورة الحقوق.

أذكر النصوص القديمة للدكتور محمد، وأذكر كيف كان يقول إنه يطمئن لسلامة النص عندما أضحك على بعض تفاصيله، ولكن هذا النص أبكاني، لأنني أنتمي كما المؤلف إلى صف المهدورين الذين يحتاجون لهذا الصوت ليدافع عنهم، لذلك قلت إن هذه ليست مقدمة، بل هي تثنية على ما قاله النص، وإعلان انتماء إليه.