Menu

الاستيطان والمقاومة: عن الحقائق الصعبة

بوابة الهدف الإخبارية

صورة تعبيرية

خاص بوابة الهدف

تتناول المقاربات السياسية الدولية، والفلسطينية الرسمية الدائرة في فلكها، الاستيطان الصهيوني، باعتباره عائق في وجه مشروع الدولة الفلسطينية، وشكل من أشكال الاعتداء الصهيوني على الحقوق الفلسطينية، وفي ذلك مجافاة صارخة للواقع وحقائقه الأساسية.

فلقد تمحور المشروع الصهيوني منذ لحظته الأولى حول الاستيطان المسلح، كفلسفة محركة لمجموع أنشطته بالحقل السياسي، وتعبيراته العسكرية، وإجراءاته، وحتى تشكله وبنيته، وقد يبدو من نافلة القول التذكير بأن المنهجية الصهيونية للوجود والبقاء والتشكل الهوياتي، هي قدرة العصبة الاستعمارية المسلحة على طرد السكان العرب الفلسطينيين الأصلانيين وتغيير حقائق وتاريخ المكان من خلال إحلال واصطناع مكونات بديلة، بالاستناد ألى القوة، والتنظيم الواسع للعمليات الاستيطانية، فهذا الكيان لم يكن في لحظة دولة مجاورة تقوم باستيطان أجزاء من أراضينا، وإنما على الدوام عصابات مسلحة انتحلت صفة مشروع دولة ثم صفة دولة، لتمارس هذه العمليات، طرد، قضم، ضم، تهويد.

في خدمة تمثيل مسيرة المشروع الصهيوني وطبيعته يمكن فهم الأمر بمثال عن خزان من الحبر، يسقط على صفحة غنية بالمشاهد والحياة والتفاصيل، فما أن يمس أي جزء منها ويتغلب على لونه حتى يصبغه بلون الحبر، وكما على خارطة فلسطين اليوم هناك لون للاستيطان ولون آخر للوجود الفلسطيني، وبقدر ما يكتسب الاستيطان قدرته على السيطرة وصبغ الخارطة بلونه، من العنف المسلح للعصابات الصهيونية، فإن الوجود الفلسطيني يكتسب قدرته على البقاء وتعميق حضوره من خلال المقاومة المباشرة على الأرض ضد هذا الزحف الاستيطاني، فكل نقطة مضيئة بالوجود الفلسطيني على خارطة فلسطين الحالية، هي نتاج للجهد المقاوم بمعناه الجمعي والفردي.

فعلى النقيض من ممارسة المشروع الصهيوني للسياسة كأداة في خدمة الفعل الجوهري لوجود هذا المشروع وهو الاستيطان، خضع العقل السياسي الفلسطيني في معظم مكوناته لهيمنة الشروط الخارجية في فهم وممارسة السياسة، فيتم مقاربة التعبير الوجودي الفلسطيني الأساسي، وهو المقاومة، التي تشكل جوهر مشروع الوجود الفلسطيني والمحور المحرك لتشكل الهوية الفلسطينية الحديثة، وصلة وصلها بمحتواها التاريخي، يتم مقاربة هذا التعبير كما لو كان نشاط جماهيري يجري على هامش السياسة، ويتم تخيل مركز متوهم للسياسة هو التخاطب مع موقف الدول الاستعمارية، باعتبار هذه المقاربة أداة لتغيير الموقف الدولي ومعادلة الصراع على الأرض. الواقع أنه في كل صباح سيستيقظ المستوطن الصهيوني المسلح، أي كان مسماه المصطنع أو موقعه الوظيفي ضمن المشروع الاستيطاني، ليواجه الفرد والمجموع الفلسطيني المقاوم والمتشبث بأرضه، وعلى هذا الخط الفاصل بجانبيه لا يوجد مساحة وسط أو هامش ضبابي، فإما المقاومة أو الاستسلام أمام الاستيطان ومشروعه لطمس الوجود الفلسطيني بشكل نهائي.