Menu

المقاومة والمنظمة بين الوحدة والانقسام.. ما العمل؟

محمد أبو شريفة

المقاومة-الفلسطينية-11-938x535.jpg

نُشر هذا المقال في العدد 22 من مجلة الهدف الإلكترونية

تواجه القضيةُ الفلسطينيةُ وضعًا خطيرًا لا جدال فيه، وتتعرضُ لمنعطفاتٍ تاريخيةٍ كبرى غير مسبوقة منذ العام 1948، في مسعى واضح لتصفيتها عبر مشاريع وصفقات تسويةٍ يرادُ بها تكريسَ وجودِ الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين، ومع أن المخططات الصهيونية ليس بالسهل تنفيذها إلا أن من يجاريها ويحابيها بقصده أو بدون قصده، يجعل من ذاته جزءًا من ملحقاتها، لذلك من الضروري الربط العملي والواضح، بين الاستراتيجية والتكتيك الثوري وعدم جعل التكتيك يسيطر على الاستراتيجية، ويشوه من قيمها وثوابتِها، ويكرس ذهنيةَ التسوية السياسية، والتي تم الاتكاء عليها منذ العام ،1974 بطرح ما سمي بالحل المرحلي وصولًا إلى اتفاقيات أوسلو وما أدت إليه من كوارث وطنية غير معهودة.

ومن يعتقد بأن كل الطرق والسبل مغلقة أمام القيادة الرسمية الفلسطينية لوقف هذا المسار أو ذاك فهو مخطئ، ومن الإجحاف بالحقيقة وتشويه الوعي أن نعزوَ الحالةَ الفلسطينية بتفاصيل مسيرتها التاريخية، إلى ضغوطاتٍ قاسيةٍ أو قراراتٍ خاطئة، أو تكتيكٍ عفوي أو لأسبابٍ إداريةٍ وروتينية وتقنية، فهذا اعتقاد منحرف وترويجه يؤدي إلى معالجةٍ مضللةٍ وفاشلة، ويجب تجاوزها، وبغض الطرف على أن الحالة الفلسطينية هي مرحلةٌ من سيرورةٍ لقراراتٍ عديدة، أدت إلى ما أدت إليه من أحداثٍ ومواقف، وفي الخضم منها إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، والتي أّريد لها بالإبقاءِ تحت مطرقة العدو وسندان ذوي القربى، إلا أن القراراتِ والمواقفَ الخاطئة،  لا يجب أن  تستمر ولا أن يتمسك أصحابها بها عنوة ومكابرة لعقود وهم يشهدون فشلها ونتائجها الكارثية، والعناد والإصرار على مواصلة ذات النهج. فالشعب الفلسطيني لا ينقصه الخبرات، والرواد في كافة المجالات ومن الممكن منحهم المجال، وصاحب القرار يعي ذلك جيدًا، فهو يعيش في صلب المشهد لذلك لا يمكن في الحالة الفلسطينية فصل مستويات التراجع والانتكاسات، أو عزل نهج الانحراف السياسي المتسبب الرئيسي بما آلت إليه القضيةُ الفلسطينية، عن السبب الذي يمنع القيادةَ الرسميةَ من اتخاذ خطواتٍ إنقاذية جدية.

فليس من اللائق سياسيًا، أن يبقى الفلسطينيُ وتاريخُه النضالي الزاخر بالتضحيات العظيمة، يدور في ذات الحلقة المفرغة، بمطالبة صاحب القرار بالتمسك بالثوابت الوطنية وبتحقيق إجراءاتٍ جديةٍ بوقف التسويات والتنسيق الأمني، وانهاء الانقسام ومحاربة الفساد، وتفعيل الإصلاحات بينما العربة أمام الحصان، فلا انتفاضات ولا قيادات، ولا كفاءات ولا مصالحات، ولا قرارات ولا انتخابات ولا تعديل دستور، يمكن أن يغير الحال، ما دام السلوكُ السياسي قائمًا والإرادة السياسية غائبة، لذلك فإن مواجهةَ التحديات الخطرة التي تواجه القضية الفلسطينية حاليًا، مرهونةٌ بتغيير السلوك السياسي، وبانفكاك الجسم السياسي الفلسطيني عن أي ارتباطاتٍ بالمشروع الصهيوأميركي، فلسنا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن هذه المسألة قضية حياةٍ أو موت ل فلسطين أرضًا وشعبًا، وكما أثبتت التجاربُ التحررية على مر العصور، أن معاداة العدو أسلم من مصادقته، و حقائقُ الواقع خير شاهدٍ على هذه المقولة، حيث ثبت فشل خيار التسوية، والرهان على المفاوضات وعلى ما سمي "حل الدولتين"، فقد تلاشى هذا الشعارُ مع التصريحات الصهيونية المتكررة، والتي تقول بأن " لا دولة فلسطينية الآن ولا في المستقبل"، ومع هذا ما زال الخطابُ الرسمي الفلسطيني يتحدث عن الاستعداد لمفاوضات، عبر اللجنة الرباعية وكأننا لم نستخلص الدروس والعبر من المرحلة الماضية، وعلى ضوء ذلك يتضح أن المشكلة الجوهرية في الوضع الفلسطيني، أنه لم يتم بلورة وطرح البديل، وهذه من أهم الأزمات الواقعية التي تعيشها قضيتُنا اليوم.

وعندما تكون الحالةُ الفلسطينية القائمة، متعلقةً بمصير أرضٍ ووطنٍ وشعبٍ ومقاومة، فهي أكبر من كل القيادات والمسميات مجتمعة، فلا شيء أهم من تحقيق الإرادة السياسية لدى القيادة الرسمية الفلسطينية، للتغيير بهدف الإنقاذ واجتراح تموضعاتٍ سياسيةٍ وطنيةٍ جديدة، وليس من سببٍ مهما كانت طبيعتُه، قادرًا على منع القيادة الرسمية المتنفذة، إذا ما توفرت لها القناعةُ والإيمانُ في تفعيل الإرادة السياسية باتجاه مصلحة الشعب والقضية والوطن.

إن استعصاء توفر الإرادة والقناعة لدى القيادة الرسمية من أجل إحداث التغيير المطلوب وطنيًا، والمتمثل بتغيير السلوك السياسي يطرح سؤالًا على الشعب الفلسطيني هو ما العمل؟ الجواب المنطقي، هو أن يتدخل الكل الوطني لمساعدة القيادة، على توفر الإرادة بإيصالها إلى المربع التي تقتنع فيها بأن مصلحة وسلامة المنجزِ الوطني في مشروع التحرير والاستقلال، مرتبط بالمرجعية الوطنية الشعبية الفلسطينية ممثلةً بمنظمة التحرير الفلسطينية وببرنامج الثوابت الوطنية لا بالولايات المتحدة ولا بأي مشروعٍ آخر.

أما كيف يمكن للفلسطينيين إقناع القيادة الرسمية، بالخيارات الوطنية في ظل هذه المرحلة الخطرة التي يواجهُها الشعبُ الفلسطيني والقضية الفلسطينية وعموم المنطقة العربية، التي تعاني الحروبَ الداخلية، والصراعات المذهبية والتدمير الذاتي، وحرف الصراع عن مساراته الرئيسية، واتضاح دور الرجعية العربية أكثر من أي وقت مضى، في تمريرِ مشاريع التطبيع وتحالف البعض مع الكيان الصهيوني بهدف تصفيةِ الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني فهذا الأمر يمكن إيجازه هنا بعدة حقائق أهمها:

  • أن يبدأ الجسمُ السياسي الفلسطيني بنفسه بنبذِ كل المسميات والتجاذبات الجهوية والعشائرية والمناطقية، ويحذر من استخدامها لصالح القضية الوطنية الجامعة، لتتبلورَ الخطوةُ الأساسية لبناء الشخصية السياسية الفلسطينية، المؤهلة لقيادة المقاومة والكفاح الشعبي، القادرِ على إقناع العالم بأن هناك شعبًا فلسطينيًا لا يمكن تجاوزه، ولذلك من الضروري إجراء عملية تقييمٍ حقيقيةٍ وشاملة، لمسار الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها في العام 1965 وحتى الآن، يطال القيادةَ الرسمية الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وكل الفصائل وعموم الحركة الوطنية الفلسطينية، وأن يعاد الاعتبارُ لدور منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، باعتبارها الإطار الجامع والموحد للشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة، والتأسيس لمرحلةٍ استراتيجيةٍ فلسطينيةٍ تشاركية جديدة، وبرنامج عملٍ يرتكز على وحدةٍ وطنية فلسطينية شاملة، وتفعيل خيار المقاومة والانتفاضة بكل أشكالها باعتبارهم الركيزة الأساسية لمواجهة الاستيطان والاحتلال، وإرغامه على التسليم بحقوقنا الوطنية.
  • إن الخلافاتِ والانقسامَ والتشرذم، يساعد في تعميق أزماتنا، وهي بالنسبة لعدونا هدية ثمينة، وأداة استراتيجية معتمدة في السلوك السياسي، كمتطلباتٍ ضمن إطار خدمة وإنجاحِ المهمات الوظيفية كما أرادها العدو للقضية الفلسطينية، فوجود الانقسام السياسي والمشاكل والأزمات الأخرى مرتبطٌ بطبيعة السلوك السياسي القائم، فلم تأتِ صدفة، أو نتيجة ضغوطاتٍ أو عبث أو جهل، وانشغالُ الشعب الفلسطيني بها بمثابة فوضى عبثية ومضيعة للوقت، وهدر للمخزون التاريخي والنضالي،  فمن باب أولى قبل أن نعلنَ عن إجراء أي انتخابات، أن نعمل بدايةً على إنهاء كارثةِ الانقسام، واستعادة الوحدة الفلسطينية كشرطٍ أساسيٍ لمواجهة المخاطر، وعلى أسس سياسية وتنظيمية واضحة، تقوم على أساس التمسك بالثوابت الوطنية وتحقيق الشراكة والقيادة الجماعية ورفض التفرد والاستفراد.
  • التوقف نهائيًا عن كل خطابٍ يتعدى الثوابتَ الوطنية، المستندِ بالضرورة الى تغييرِ النهج والسلوك السياسي، والانطلاق من واقع أن القضية الفلسطينية هي قضية تحررٍ وطني، وإعادة الاعتبار لمفاهيم وجذور الصراع مع المشروع الصهيوني الإمبريالي كصراعٍ تناحريٍ تاريخيٍ طويلِ الأمد، لا يمكن حله عبر خياراتٍ سياسيةٍ فاشلة وقاصرة عن رؤية حقيقة المشروع الصهيوني وجوهره القائم على نفي وجود الشعب الفلسطيني واقتلاعه من جذوره.

 لا يمكن بالتأكيد أن نغفلَ بأن المشروعَ الصهيوني يعيش مأزقًا وجوديًا، بسبب صمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسكه بحقوقه، مما يدفع باتجاه استنهاض العامل الذاتي الفلسطيني، الذي يشكل الركيزةَ الأساسية والشرطَ الناجز لتحقيق الانتصار. 

في الواقع، سؤال ما العمل؟ في تقديري سؤال جلل، ويستدعي القيادة الفلسطينية ممثلةً برئيس السلطة ورجالاتها، والأمناء العامين للفصائل وعموم الحركة الوطنية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومؤسساتها وهيئاتها والشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، والمؤرخين والمفكرين والخبراء والمحللين والكتاب، أن يحاضروا ويكتبوا عنها ويتداولونها فيما بينهم بما يليق وبما تستحق.