Menu

العدوان الصهيوني يتكسر أمام صلابة المقاومة

تحليل" رعب المخيمات" وجمرة المقاومة تنتقل إلى الخليل

عليان عليان

عليان عليان.jpeg

العدوان الصهيوني المستمر على مناطق شمال الضفة الفلسطينية منذ فجر الثامن وعشرين من شهر أغطس ( آب) الجاري ، والذي شمل مدينة طول كرم ومخيميها " مخيم طولكرم ومخيم نور شمس" ومدينة جنين ومخيمها والبلدات المحيطة بها ، ومخيم الفارعة في محافظة طوباس ،وشمل لاحقاً محافظة نابلس وخاصةً مخيمي بلاطة والعين ، ومناطق في وسط وجنوب الضفة ، جاء بعد أن انخرطت مناطق شمال الضفة في معركة طوفان الأقصى دعماً لقطاع غزة ، وبعد أن اتخذت فصائل المقاومة قرارها بمباشرة العمليات الاستشهادية في فلسطين المحتلة عام 1948 .

فالعدو الصهيوني حدد أهداف الهجوم الفاشي في السياق العسكري بهدفين هما : اجتثاث فصائل المقاومة المسلحة في الضفة الغربية ، والبحث عن معامل تصنيع العبوات الناسفة، التي تمكن رجال المقاومة من توظيفها باقتدار ، في مختلف المواجهات وفي الذاكرة استهداف المقاومة آليات العدو وجنوده بعبوات ناسفة كبيرة في تفجيرين بآليات عسكرية بسهل مرج ابن عامر، أثناء اقتحام مدينة جنين ومخيمها في 26 يونيو ( حزيران) الماضي ، أسفرتا عن مصرع قائد وحدة قناصة برتبة ضابط وإصابة 16 جندياً صهيونياً، ويخشى العدو من توظيفها في عمليات تفجيرية واستشهادية في المناطق المحتلة عام 1948 .

وهذه الأهداف العسكرية تأتي في خدمة أهداف سياسية في إطار خطة الحسم الصهيونية التي سناتي على ذكرها ، بعد الوقوف أمام تفاصيل العدوان الذي استمر 48 ساعة على مخيمي طولكرم ونور شمس والفارعة، في حين تواصل في جنين المخيم والمدينة ، حيث تصدى له رجال المقاومة ببسالة منقطعة النظير ، رغم عدم التكافؤ في ميزان القوى ، وألحقوا بقوات الاحتلال خسائر كبيرة ، في حين لجأ العدو إلى أسلوب همجي نازي بتدمير البنية التحتية للمخيمات وتجريف الشوارع .

المقاومة تمتص الصدمة الأولى وتنتقل إلى الهجوم

 وأمام استبسال رجال المقاومة من كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى وكتائب أبو علي مصطفى وكتائب المقاومة الوطنية ، اضطر العدو للانسحاب المؤقت من مخيمي نور شمس وطولكرم والفارعة، تحت مسمى وقف النشاط الأمني فيها ليتفرغ بشكل رئيسي لمدينة جنين ومخيمها ،الذي بات يتصدى لقوات الاحتلال لليوم السادس على التوالي .

 لقد برعت فصائل المقاومة في جنين ومخيمها، في احتواء وامتصاص ذروة الهجوم الإسرائيلي وصدمته الأولى ، وانتظرت حتى تقلصت الصدمة ، لترسم تكتيكاتها الهجومية بشكل متقدم ، ثم باشرت فوراً في توزيع مقاتليها على أكثر من محور في سياق متحرك ، وعدم التمترس في مواقع محددة ، لتخوض حرب عصابات ناجحة أدمت العدو من خلال كمائنها المتعددة والمركبة ، التي برعت كتائب القسام وكتيبة جنين في تنفيذها ، في حي الدمج وحي الجابريات وفي أحياء المخيم ، وفي الحي الشرقي من مدينة جنين ، وفي البلدات المحيطة وخاصة بلدة سيلة الحارثية، ومن خلال الهجمات المتعدة بالعبوات الناسفة وبزخات الرصاص على قوات الاحتلال موقعة بقوات الاحتلال خسائر كبيرة على صعيد القتلى والجرحى ، وعلى صعيد تدمير الآليات، مستخدمة العبوات الناسفة من مختلف الأحجام ، والأسلحة الرشاشة ، حيث شوهدت المروحيات تنقل القتلى والجرحى إلى مستشفى "رامبام"، في مدينة حيفا.

 لقد دخلت العملية العسكرية يومها السادس ، خاصةً في مدينة جنين ومخيمها في الوقت الذي لا تزال فيه فصائل المقاومة تواصل تصديها بكفاءة وبسالة منقطعة النظير مؤكدة أنها أعدت نفسها لأيام طويلة من المواجهة والاشتباك ، وفي ذات الوقت لم يتوقف العدو عن الدفع بمئات الآليات إلى ميدان المعارك ، وبالطائرات الحربية والمسيرة التي وإن نجحت في اغتيال كوادر وقيادات ميدانية ، إلا أنها لم تفلح في تغيير سير المعارك لمصلحة قوات الاحتلال ، التي باتت تعيش في حالة إنهاك وارتباك لا سيما أنها من قوات الاحتياط المنهكة والمتهالكة من مواجهات قطاع غزة ومن كمائن المقاومة المركبة .

التعويض عن الهزيمة بتدمير البنية التحتية للمدن الفلسطينية

فقوات الاحتلال التي عجزت حتى اللحظة عن تحقيق هدفها العسكري ، لجأت إلى أسلوبها الجبان الذي استخدمته في غزة ، بتدمير البنية التحتية لمدينة جنين ، حيث أفادت مصادر بلدية جنين ، أن قوات الاحتلال ألحقت دمارا هائلا في البنية التحتية للمدينة والمخيم ، وألحقت أضراراً كبيرة بشبكة الكهرباء ، ما أدى إلى انقطاع التيار عن المخيم، وعدة مناطق في مدينة جنين ، وجرفت أكثر من 70% من شوارع المدينة بالكامل، ما أدى إلى تدمير شبكات المياه والصرف الصحي، وكوابل الاتصالات والكهرباء في المناطق التي تم تجريفها، بما يقدر بطول 20 كلم بشكل أولي ، وأن المياه قد انقطعت عن 80% من المدينة وكامل المخيم ، وأن قوات الاحتلال أحرقت أجزاء من سوق الخضار المركزي في المدينة، وعملت على تدمير مئات السيارات والبيوت في حين كشف مراسلو الفضائيات ،عن حجم الدمار الهائل الذي لحق بالحي الشرقي من المدينة ، الذي حرم القاطنون فيه من الماء والكهرباء والغذاء منذ بداية العدوان .

عوامل فشل العملية العسكرية الصهيونية

لقد قدمت المقاومة حتى الآن ما يزيد عن (26)شهيدا ، من بينهم (14) في جنين لوحدها ، من ضمنهم كوادر وقيادات عسكرية، مثل قائد كتيبة طولكرم أبو شجاع والقائد القسامي وسام حازم ، لكن هذا الكم من الشهداء لم يفت في عضد المقاومة ، بل زادها إصراراً على هزيمة العدوان .

لقد فشل العدوان حتى اللحظة في تحقيق أي من الأهداف العسكرية المتوخاة من هجومه على جنين وبقية مناطق الشمال ، حيث قدمت المقاومة في جنين ومخيمها نسخة مطورة عن ملحمة مخيم جنين 2002 من خلال جملة عوامل أبرزها:

1-بروز وتطور ظاهرة الكتائب المسلحة التي استقطبت أعداد كبيرة من الشباب الذين اكتسبوا خبرة القتال في ميادين القتال.

2- إرادة القتال الكبيرة والاستعداد الهائل للتضحية لدى الشباب الفلسطيني.

3- جر العدو إلى قتال التوتر المنخفض في إطار حرب العصابات وتخلي المقاومة عن أسلوب قتال المواقع.

4- الوحدة الميدانية بين مقاتلي فصائل المقاومة التي تجلت في أبهى صورها.

5- الحاضنة الجماهيرية للمقاومة التي لم تضعف رغم تزايد أعداد الشهداء.

6- قدرة فصائل المقاومة على تصنيع العبوات الناسفة وتطويرها .

جمرة المقاومة تنتقل إلى جنوب الضفة

التطور الجديد الذي لم يكن بحسبان الاحتلال ، هو اشتعال المقاومة في جنوب الضفة الفلسطينية ، وقد تجلى ذلك في ثلاث عمليات نوعية في محافظة الخليل ، من بينها عمليتان شمال الخليل ، تمثلتا في الهجوم المزدوج قرب مستوطنة" غوش عتسيون" وفي مستوطنة "كارمي تسور" مساء 30 أغطس ( آب ) الماضي ، عبر سيارتين جرى تفجيرهما ،واشتباك منفذي العمليتين مع قوات الاحتلال ، ما أدى إلى إصابة ثلاثة عسكريين من بينهم قائد لواء كفار عتسيون ، واستشهاد منفذي العمليتين البطلين : محمد مرقة وزهدي أبو عفيفة.

والعملية الثالثة التي جرت يوم أمس الأحد – الأول من شهر أيلول الجاري ، عند مفترق طرق قريتي إذنا وترقوميا شرق معبر ترقوميا العسكري، غربي الخليل وأسفرت عن مصرع ثلاثة من الشرطة وحرس الحدود الصهاينة والتي نفذها البطل الشهيد محمد العسود.

وفي ذات الوقت عادت فصائل المقاومة في طوباس وطولكرم لتأخذ زمام المبادرة يوم أمس من خلال استهداف سرايا القدس لآليات وجنود الاحتلال بخمس عبوات في طوباس وست عبوات في مخيم طولكرم أسفرت عن مصرع وجرح عدد من قوات الاحتلال .

وما يخشى العدو من حدوثه اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة ، مواكبة للفعل العسكري المقاوم ، حيث تؤكد العديد من المعطيات والمؤشرات، بداية استجابة جماهير شعبنا لنداءات فصائل المقاومة ، لتقوم بدورها الحاسم في مواجهة الاحتلال ، وفي مواجهة نهج السلطة وتنسيقها الأمني ، لا سيما وأن الضفة صاحبة تاريخ عريق في إشعال الانتفاضات، وفي الذاكرة انتفاضة الحجارة (1987- 1993) وانتفاضة الأقصى(2000-2005) وانتفاضة الدهس والسكاكين ( 2015- 2016) وهبة إفشال البوابات الإلكترونية ،وهبة بوابة الرحمة في القدس عامي 2017 و 2019م.

نحو إفشال الأهداف الإستراتيجية للعدوان الصهيوني

 تمكنت فصائل المقاومة حتى اللحظة من إفشال الأهداف العسكرية للعملية العسكرية الإسرائيلية ،ووضعت حجر الأساس لإفشال الأهداف الاستراتيجية للعدو الصهيوني ، الواردة في خطة الحسم الصهيونية،التي تبناها مؤتمر القوة الصهيونية عام 2017 بزعامة " سيموريتش"، وجرى تبنيها في حكومة الائتلاف اليمينية المتطرفة عام 2022 التي تشمل :

1-تهجير أبناء شعبنا بدءاً بتهجير أبناء المخيمات، بالنظر للدور لمركزي التي تضطلع به المخيمات في المقاومة، وكذلك رمزية المخيم كعنوان مستمر للنضال من أجل حق العودة والتحرير.

2-التوسع الاستيطاني في عموم الضفة الغربية ، الذي بات يشكل 20 في المائة من مساحة الضفة الغربية ، وإلغاء حكومة العدو قرار فك الارتباط في 22 أيار ( مايو ) الماضي الذي سبق وأن أعلن عنه شارون عام 2004 ، والذي تم بموجبه التخلي عن (4) مستوطنات في شمال الضفة الغربية والانسحاب من قطاع غزة، حيث وافقت على عودة المستوطنين إليها ، كما عملت على تشريع (25) بؤرة استيطانية جديدة في شمال الضفة.

3- إجهاض المقاومة للحيلولة دون قيام كيان فلسطيني ، وفق منظور أن أي كيان وطني حقيقي يشكل تهديداً وجودياً للكيان الصهيوني ، حيث صوت الكنيست في 17 يوليو ( تموز) الماضي بإجماع أعضاء ائتلاف حكومة اليمين والمعارضة على رفض قيام الدولة الفلسطينية.

4- ضم الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني

وهذه الأهداف تبدت مؤخراً في تصريحات كل من وزير خارجية الكيان الصهيوني " يسرائيل كاتس" وقائد جهاز الشباك السابق وزير الزراعة " آفي ديختر" غداة العملية العسكرية الحالية ،اللذان ركزا في هذه المرحلة على تهجير المخيمات ، وعلى تكثيف الاستيطان كخطوتين رئيسيتين على طريق تحقيق تهجير الفلسطينيين من عموم الضفة الغربية.