Menu

أما آن لهذا الحصار أن يسقط؟

بوابة الهدف

منذ العام ١٩٩١ فرضت سلطات الاحتلال الصهيوني وبموجب أوامر عسكرية قيود إضافية على قطاع غزة، يمكن التأريخ لها كبداية لحصار غزة الحالي، وعبر محطات عدة أبرزها مع اندلاع انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠ شددت إجراءاتها ضد حركة الأفراد والبضائع من وإلى قطاع غزة، ولكن هذا الحصار عرف طوره الأشد قسوة منذ العام ٢٠٠٦.

١٥ عامًا من الحصار المشدد، ما زال القطاع ينزف في الدم والأعمار والأرواح نتاج لها، والعدو العاجز عن الدخول لأرض غزة منذ انسحابه بدون ثمن فادح تكبده إياه المقاومة وأهل القطاع الشجعان، استعاض بالحصار كأداة للتأديب والعقاب وتقويض صمود الغزيين، حيث تحتسب كميات الطعام وعدد السعرات الحرارية المسموح للغزيين بالحصول عليها؛ يُمنع الدواء وأدوات العلاج، كما يُمنع البشر من السفر عبر المنافذ المحدودة المتاحة، وعلى عكس الزخم في الجهد التضامني لرفع الحصار والذي كان محور لفعل قوى التضامن مع الشعب الفلسطيني في العقد الماضي، بات هناك ما يشبه التسليم بهذا الوضع، بل و الأسوأ بات هناك نوع من الأوهام تربطه بمعادلات فلسطينية داخلية، فالحقيقة تقول أن هذا الحصار لم يبدأ بالانقسام ولن ينتهي مع نهايته، فلقد استثمر العدو في أدوات الحصار والعقاب كركن أساسي في سياسات عدوانه الحربي الوحشي على الفلسطينيين، بل وكجزء من رؤيته الاستراتيجية لتقطيع الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية، وهذا استثمار لن تتراجع عنه عصابة الإرهاب الصهيونية من تلقاء ذاتها.

إن استعادة قدرة الغزيين على الوصول لموارد الحياة والصمود، وترميم أضرار الحروب المتتابعة عليهم، هو حجر أساس في إعادة بناء الذات والقدرة الفلسطينية، وهو جزء من استراتيجية مضادة لا تنتهي عند وضع غزة، بل يجب أن تشمل النظر للوجود الفلسطيني بأكمله، كجسد واحد ذو شبكة عصبية حية يسعى العدو لتقطيعها على نحو نهائي، فيما يجب أن يتجه الفعل السياسي الفلسطيني للحفاظ عليها؛ فالهجوم المستمر والمتصاعد ضد فلسطينيي الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨، لا ينفصل عن حصار غزة، أو عن سياسات التهويد في القدس ، وإجراءات العزل والتطويق والضم والاستيطان في الضفة، وأي عقل متصل بحقائق هذا الصراع لا يفصل بين هذه الوقائع، والسياسات التي هدفت لإفراغ مخيمات اللجوء الفلسطيني في الشتات ودول الطوق وتدمير مجتمعاتها وتهجير أهلها.

ما يريده المُستعمِر هو أجزاء معزولة مطوقة تقطنها جماعات سكانية مشغولة بهموم معيشتها وتحديات بقائها اليومي، دون مضمون سياسي ووطني، ودون اتصال مع الهوية الوطنية التي تجعل من كل هذا الوجود شعب وأرض ومشروع تحرر وطني وتقرير للمصير.

إن أولى المهمات أمام القوى الوطنية الفلسطينية ليس تقديم الاجابات التقنية حول معضلات البقاء اليومي للتجمعات الفلسطينية المحاصرة المهددة، ولكن تقديم الجواب الوطني الجامع، الذي يعيد الاعتبار للكفاح الوطني الفلسطيني، ويمكن هذا الشعب من موارد القتال والمجابهة والمقاومة ضد المشروع الاستعماري الصهيوني، ولا يغفل قيمة ارتباط الوجود والكفاح الفلسطيني بالعمق العربي ومواجهته مع الهيمنة الاستعمارية وأدواتها المحلية؛ فساحة الاشتباك مع المشروع الاستعماري تمتد في كل عنوان مطروح على كامل التراب الوطني الفلسطيني، وعلى امتداد نقاط المواجهة العربية مع المشروع الاستعماري وأختراقاته وأدوات هيمنته في العالم العربي، بل ولا تنقطع عن نضالات كل الشعوب التي تخوض مواجهاتها مع القوى الاستعمارية في العالم بأسره.