Menu

الشّهداء الّذين لا يموتون

انتصار الدنان

صورة تعبيرية

في رواية الدكتور محمد أبو ناموس، الواردة تحت عنوان" حراك الشهداء"، الصادرة عن دار كنعان، للدراسات والنشر والخدمات الإعلامية، في دمشق، في طبعتها الأولى عام 2021، لم تشدني سلالسة السرد، وأسلوب الكلام، بقدر ما لفتني ذلك الإهداء الذي تكلم على الشهداء " إلى الشهداء الأحياء الخالدين في ضمائر الأحرار".

فقد أشار الكاتب من خلال الإهداء إلى ما يريد سرده في روايته، حيث إنه حذر الذين يعبثون بإرث الشهداء، الذي تركته أجسادهم الطاهرة، تحذيرًا صريحًا بعدم المساس به؛ لأنهم هم الأنقى والأطهر منا جميعًا، ويتبين لنا ذلك من خلال عرض أحداث الرواية التي تلمت على المنافقين الذين يستأثرون بذلك الإرث، ويعيشون على أمجاده، ويصولون ويجولون، كأنهم هم من استشهد من أجل تلك الأرض، غير أن الشهداء يفاجئون أهل الأرض العابثين بإرثهم، بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وبأنهم يراقبون كل من يعبث بإرثهم.

حلمًا مزعجًا قض مضجعه حين كان يغط في نوم عميق بعد وجبة طعام دسمة. حكاية ذلك الشهيد الذي يتكنى باسمه مازال يلاحقه حتى في نومه. صحا من نومه مذعورًا مبللًا بالعرق الذي غسله وكأنه في حمام ساخن، ثم ما لبث أن عاد إلى نومه بعد هذيان دام لوقت قصير، محدثا زوجته عن حلمه. تدرك الزوجة بأن زوجها يهذي، وراحت تضرع بأن يعافيه الله من خلال العراف، بعد أن شمتت بزوجها الذي يعيش على أمجاد ذلك الشهيد.

لم يستكين الحالم، فقرر بأن يتخلص من ذلك الشهيد الذي يلاحقه في نومه، فراح يعقد الندوات، ويزور أضرحة الشهداء، ويقيم الأمسيات وكل ذلك تملقًا للشهداء" في إشارة إلى أولئك الذين لا يذكرون الشهداء إلا لمامًا، من أجل العيش على أمجادهم، والتقاط الصور، والتباهي بها".

يلتقي بزميله في ملء الجيوب والكروش" إشارة إلى سرقة الأموال تحت اسم الشهداء" ( أبي الذقن)، ويتفقان على أن لا يفرقهما الشهداء تحت أية ذريعة، وذلك بعد جدال طويل، ثم اتفقا على التصدي للشهداء، بالتواصل مع بقية الأشخاص الذين يريدون هم أيضًا التصدي للشهداء.

اجتمعوا على اختلاف انتماءاتهم، لتدارس خطط المواجهة، خوفًا من المناورات التي يقوم بها الشهداء للنيل منهم" في إشارة إلى أن ضميرهم يعذبهم جراء ما يقومون به من كذب ورياء".

اتحد المنافقون في ما بينهم لتفريق الشهداء بالتخلي عن ضمائرهم، لكنهم فشلوا، فتحدثوا مع الشيوعيين، وأصحاب اللحى والمنافقين على أن يشتتوا الشهداء، وأن يخترقوا صفوفهم، وعن طريق العملاء والخسيسين، وأصحاب المصالح، لكن كل ذلك لم ينفع مع الشهداء الذين ما زالوا على قيد الحياة، يلاحقونهم حتى في نومهم.

كل ذلك في طريقة سرد سلسة، واضحة، وبسخرية وتهكم على كل من سولت نفسه أن يعبث بإرث الشهداء، وركوب صهوة المجد من خلالهم، وفي إشارة إلى أن ذلك التباكي على الشهداء، وإقامة الندوات على أرواحهم، تقربًا منهم مفضوح أمره، ومعروف مبتغاه.

لقد ساق الكاتب أدلته من واقع الحياة المعاش، وهو لم يستثنِ أحدًا من كل المتباكين على أولئك الشهدام، ولم يفرق بين شيوعي، وملتح، ومنافق، فكلهم في سلة واحدة، يعيشون على أمجاد الشهداء.

يختم بالقول:" إن الشهداء لا يموتون، وإن بذورهم تنمو في كل مكان في الأرض، وإن دماءهم ستظل شاهدة على كل من تسول له نفسه بأن يفرط بإرثهم، وأن ينسبه إلى نفسه".