Menu

سؤال: ما هي الديمقراطيّة؟

غازي الصوراني

في إجابته عن السؤال؛ يقول الباحث والمفكّر الفلسطينيّ غازي الصوراني؛ الديمقراطيّةُ تفترضُ إلغاءَ جميع المطلقات، وإحلالَ محلِّها مطلقًا وحيدًا هو حريّةُ الفكر والرأي في جميع الميادين؛ فالديمقراطيّةُ ليست سوى تحرير الذهن من أحكامٍ مسبقةٍ مهما كانت، لذلك، فإنّ العلمانيّةَ شرطٌ لا مفرّ منه، ولا بدّ من أن يترافق معها، هذهِ العلمانيّةُ تفترضُ فصلَ شؤون الدين – كعقيدةٍ فرديّةٍ عن شؤون الدولة – وإقامة نظامٍ سياسيٍّ ديمقراطيٍّ تعدّديٍّ ذي طابعٍ اجتماعيٍّ مدنيٍّ بحت، وهذا ما تحتاجه مجتمعاتُنا العربيّةُ في الظروف الراهنة، بعد ما أفرزته الانتفاضاتُ العربيّةُ من عجزٍ لفتح طريقٍ ديمقراطيٍّ مبنيٍّ على شعاراتها: عيش - حريّة – عدالة اجتماعيّة، بحيث استطاعت النظمُ التي ثارت شعوبُها ضدَّها أن تعيد إنتاجَ نفسِها وأدوات قمعها بشكلٍ أشدَّ قسوةً وأكثرَ استبدادًا وتعسّفًا، وبما يشكّل نقيضًا لتطلّع شعوبها إلى الحريّة والديمقراطيّة وتكافؤ الفرص والتنميّة المستقلّة والتطوّر العلمي، كطريقٍ وحيدٍ صوبَ النهوض الثوريّ الوطنيّ والقوميّ بآفاقه التقدميّة، الكفيل بإزالة الوجود الصهيونيّ والإمبرياليّ من بلادنا. مع التأكيد على أنّ الديمقراطيّة دون تأمينِ مضمونها الاجتماعي وتطبيقه لمصلحة الفقراء، فإنّها تتحوّلُ إلى ديمقراطيّةٍ ليبراليّةٍ تستخدم جسرًا لتكريس التبعيّة، ولا تتجاوز الحريّةُ فيها حريةَ قَبول قواعد الرأسماليّة المعولمة وشروطها، وفي هذه الحالةُ ستؤدّي هذهِ الديمقراطيّةُ الليبراليّةُ إلى مأزقٍ اجتماعيٍّ حادّ، كما يقول بحقّ الصديق المفكّر د. سمير أمين.
أمّا بالنسبة للمعنى الحرفيّ لهذا المفهوم، أي الديمقراطيّة؛ فقد عنى في اليونانية، ديموكراتيا، ومعناها سلطة الشعب، أو حكمه؛ فالديمقراطيّةُ شكلٌ من أشكال السلطة يعلن رسميًّا خضوعَ الأقليّة لإرادة الأغلبيّة، ويعترف بحريّة المواطنين والمساواة بينهم. ويقتصر العلمُ البورجوازيُّ – عادةً – في تعريفه للديمقراطيّة على هذه الصفات الشكليّة وحدَها، وينظر إليها معزولةً عن الظروف الاقتصاديّة الاجتماعيّة السائدة في المجتمع، وعن الحالة الواقعيّة للأمور. ونتيجةً لهذا يظهر مفهومُ ما يسمّى بالديمقراطيّة الخالصة، الذي وصفه – أيضًا – الانتهازيّون والإصلاحيّون.

على أي حال، فإنّ كلّ ديمقراطيّةٍ كشكلٍ من أشكال التنظيم السياسي للمجتمع "تخدم الإنتاج في النهاية، وتتحدّد في النهاية بالعلاقات الإنتاجيّة في مجتمعٍ معيّن"، ومن ثَمَّ؛ فمن الجوهريّ تقديرُ التطوّر التاريخيّ للديمقراطيّة الاجتماعيّة، وعلى طابع الصراع الطبقيّ ومدى حدّته. والديمقراطيّةُ في الأنظمة الطبقيّة لا يكون لها وجودٌ في الحقيقة إلا بالنسبة لأعضاء الطبقة المسيطرة، القادرين على الدخول إلى ملعب المنافسة الرأسمالي؛ فالديمقراطيّةُ في المجتمع البورجوازيّ – مثلًا – شكّل من أشكال السيطرة الطبقيّة من جانب البورجوازيّة، وتريد البورجوازيّةُ أن تكونَ الديمقراطيّةُ – إلى حدٍّ معيّن – أداةً لحكمها السياسي، فهي تضع دستورًا، وتشكّلُ برلمانًا، وغير ذلك من الأجهزة النيابيّة، وتدخلُ (تحت ضغطٍ من الشعب) حقّ الانتخاب العام، والحريّات السياسيّة الشكليّة، ولكن إمكانيّات الجماهير الشعبيّة للاستفادة من كلّ هذه الحقوق والمؤسّسات الديمقراطيّة تـُنتقص بطرقٍ شتّى؛ فإّن الجهاز الديمقراطيّ لجمهوريّةٍ بورجوازيّةٍ يتّخذ نمطًا معيّنًا يشلّ النشاطَ السياسيَّ للعمال وجماهير الفقراء والكادحين، ويقصيه عن الشؤون السياسيّة، وليست هناك ضماناتٌ للحقوق السياسيّة المعلنة رسميًّا. وممّا يميّز الديمقراطيّة البورجوازيّة؛ النظامُ البرلمانيّ – أي فصل السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة – مقرونًا بنموٍّ متميّزٍ نسبيًّا للأخيرة منهما، من هنا يفترض أن يتوّلد الحرصُ الجماعيُّ لدى القوى الثوريّة التقدميّة لتطوير مفهوم الديمقراطيّة، بالتطبيق بدايةً على صعيد (مجتمعها)، أي أحزابها ونقله من طابعه السياسيّ البرجوازيّ الشكليّ، إلى جوهره الحقيقيّ الذي تتوحّد فيه الحريّاتُ السياسيّةُ جنبًا إلى جنبٍ مع قضايا التوزيع العادل للثروة والدخل وتكافؤ الفرص والمساواة وأوجه العدالة الاجتماعيّة كافةً، بآفاقها الاشتراكيّة .