Menu

الوحدة الوطنية الضرورة والاستحقاق

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

لا جدال حول أهمية تحقيق الوحدة الوطنية؛ فهي ضرورة وطنية مُلحة لتجميع وتحشيد عناصر قوة شعبنا، ورصها وتنظيمها في خنادق مواجهة العدوان الصهيوني الشامل على شعبنا وأرضنا وهويتنا وحقوقنا الوطنية الراهنة والتاريخية. ومع أن هذا الشعار يحتل موقعاً رئيسياً في الخطاب السياسي لجميع القوى السياسية والاجتماعية، غير أن الجدية في ترجمته لم تتجاوز مؤشر الصفر، والدليل على ذلك فشل كل المحاولات لإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة الوطنية رغم وجود رزمة من الاتفاقات التي تضمنت آليات واضحة لإنجاز هذه المهمة. أما السبب الرئيسي لهذا الإخفاق المتكرر فهو غياب التوافق السياسي على برنامج سياسي نضالي موحد يضع النقاط على الحروف، ويعيد الاعتبار لمشروعنا الوطني التحرري؛ برنامج يستجيب لكل الاستحقاقات الوطنية الراهنة، والمهام التي تفرضها طبيعة الكيان الصهيوني الاستعماري الاستيطاني وسقوط كل الرهانات والأوهام التي بُنيت على اتفاق أوسلو وملحقاته على مدار أكثر من ربع قرن... هذا الاتفاق الذي لم يتبقَ منه سوى شبح سلطة عاجزة في غرفة الإنعاش، والتزامات هذا الاتفاق السياسية والأمنية المفروضة على السلطة بكل ما تطرحه من أعباء ومخاطر تُهدد مشروعنا الوطني ومستقبل قضيتنا ووحدة شعبنا الوطنية.

أما السبب الثاني والذي لا يقل أهمية عن السبب الرئيس فهو غياب المرجعية التنظيمية والقيادة السياسية الجامعة لمُكونات شعبنا كافة، أي غياب دور م.ت.ف كأداة جامعة لقوى شعبنا السياسية والاجتماعية من كل ألوان الطيف السياسي، وأداة توحيد شعبنا وأهدافه الوطنية في كل أماكن تواجده.

فإن كان نشوء السلطة الفلسطينية قد همش دور ومكانة المنظمة؛ فإن القيادة المهيمنة على القرار فيها احتجزت تطورها وعملية إعادة بنائها وتوسيعها لتشمل الكل الفلسطيني، رغم كل الاتفاقات التي نصت على ذلك بوضوح، بدءاً من اتفاق القاهرة في آذار 2005 ووثيقة الوفاق الوطني في السنة التي تلتها، والوثيقة المصرية واتفاق الشاطئ، وأخيراً مخرجات اجتماع الأمناء العامون لفصائل العمل الوطني والإسلامي. هذه المخرجات التي تم بناؤها على أساس التوافق السياسي الوطني بالتحلل من اتفاق أوسلو والتزاماته السياسية والأمنية والاقتصادية والقانونية، وأسست لإصدار المراسيم الرئاسية لإجراء الانتخابات العامة للمجلسين التشريعي والوطني والرئاسة، بحيث يتم استكمال قوام المجلس الوطني الجديد والتوحيدي في نهاية تموز 2021.

ودون الحاجة لتذكير شعبنا بأن من دعا لهذا الاجتماع هو الرئيس عندما أغلق عليه "ترامب" بوابة البيت الأبيض، وأراد الاستقواء بوحدة شعبنا وقواه السياسية، وهذا صحيح وضروري ومشروع، لكن ما هو غير مشروع هو الدافع الاستخدامي اللحظي لهذا الاجتماع، إذا ما كادت ترجح احتمالات فوز بايدن بالرئاسة الأمريكية حتى تم نسف الأساس السياسي لهذه المخرجات بعودة التنسيق الأمني مع الاحتلال، مع أن فوز "بايدن" أو غيره من الحزب الديمقراطي لن يوقف صفقة القرن بشكلٍ عام، ومشروع الضم بشكلٍ خاص؛ فصفقة القرن تعززت بالهرولة العربية نحو تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ومشروع الضم الزاحف للأراضي الفلسطينية كان موجوداً قبل إعلان صفقة القرن، وما زال مستمراً حتى يومنا وبوتائر أسرع، ولن يتوقف سوى بمحاصرة وعزل الكيان الصهيوني ودحر احتلاله البغيض.

ورغم نسف التوافق السياسي كأساس وضرورة لتجديد شرعية المؤسسات القيادية الفلسطينية وفي مقدمتها م.ت.ف، وافقت الفصائل الفلسطينية على مضض على المشاركة في الانتخابات العامة، حرصاً منها على إنجاح كل المبادرات لإعادة بناء وترميم البيت الفلسطيني الداخلي، وهذا رغم قناعة العديد من الفصائل ومن بينها الجبهة الشعبية بأن إجراء الانتخابات بمعزل عن التوافق السياسي سيظل قاصراً عن تحقيق الوحدة السياسية والتنظيمية لمؤسسات شعبنا القيادية. فماذا جرى بعد التطبيل والتزمير للعرس الديمقراطي القادم في ذلك الوقت؟!

ما جرى هو أن حسابات الحقل لم تتناسب مع حسابات البيدر، ولم تكن مناسبة للفريق المهيمن على السلطة والمنظمة، وتم تأجيل الانتخابات من جانبٍ واحد إلى أجل غير مسمى، وتحت ذريعة عدم موافقة الاحتلال على إجرائها في مدينة القدس ، فهل الانتخابات بوصفها جزءاً من مشروع مقاوم للاحتلال تحتاج إلى إذن من أحد لإجرائها في القدس أو غيرها؟! فالقدس كانت وستظل بؤرة الصدام الميداني مع الاحتلال، والإصرار على إجراء الانتخابات فيها رغماً عن الاحتلال هو أحد استحقاقات المواجهة حول هذا العنوان.

واليوم يجري تشغيل نفس أسطوانة الاستخدام للفصائل الوطنية تحت دعاوي الحرص على الوحدة الوطنية، هذه الوحدة التي عَطلّ مسارها أصحاب الدعوة الجديدة، سواء تحت مسمى عقد اجتماع اللجنة التنفيذية أو مسمى القيادة الفلسطينية، أو عقد المجلس المركزي الذي لا يُمثل في أحسن الأحوال سوى 50% من شعبنا أو أقل. فهل هذه الوصفات التي جربت أكثر من مرة صالحة أو لا زالت صالحة لعلاج أزمة الوضع السياسي الراهن، أو حتى أزمة الفريق المهيمن على المنظمة؟! فالجواب بالطبع كلا، فكما قال المثل الشعبي "اللي بجرب المجرب عقله مخرب".

إذاً ما العمل؟

الواقع الفلسطيني الراهن يطرح ثلاثة خيارات لا رابع لها للخروج من الأزمة وإنهاء الانقسام، هي:

1. نقل القيادة السياسية إلى الإطار القيادي المؤقت لـم.ت.ف لفترة انتقالية يجري الاتفاق عليها وطنياً إلى حين انتخاب مؤسسات م.ت.ف، وإعادة الاعتبار لمكانتها ودورها الكفاحي بما يُعزز ويُكرس تمثيلها لشعبنا وقواه السياسية والاجتماعية في كل أماكن تواجده، هذه الهيئة التي اتُفق على تشكيلها في اتفاق القاهرة في آذار 2005، وسُميت في حينه بلجنة تفعيل وتطوير وإعادة بناء م.ت.ف وفق آليات الانتخاب من تجمعات شعبنا كافة، وجرى التأكيد عليها في الوثيقة المصرية التي توافقت عليها كل القوى السياسية في جلسات الحوار الشامل في القاهرة.، وكذلك في اتفاق الشاطئ. ومعلوم أن قوام هذه اللجنة يضم اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف ورئيس المجلس الوطني والأمناء العامين للفصائل الوطنية والإسلامية، وعددِ من الشخصيات الوطنية المستقلة الوازنة، فضلاً عن رئيس المجلس الوطني. وبإنجاز هذه المهمة يجري تكريس القيادة الجماعية لـم.ت.ف، وفي إطار هذه الهيئة يمكن التوافق على استراتيجية نضالية موحدة لإدارة صراعنا مع الاحتلال، إضافةً لتشكيل حكومة وطنية انتقالية، حكومة تلتزم بالثوابت الوطنية، ولا تعيد استدخال ما سُمى بشروط الرباعية الدولية، وتركيز جهودنا ونضالنا في جبهة التناقض الرئيسي مع الاحتلال، بدلاً من استمرار التناقض في الداخل الفلسطيني وتأبيد الانقسام، كما تضع على رأس جدول أعمالها مهمة انجاز الانتخابات للمجلسين الوطني والتشريعي والرئاسة، فهي إذن قيادة ومرجعية سياسية عليا لشعبنا في كل أماكن تواجده.

ومن باب التنويه، فإن نقل المسؤولية القيادية لهذا الإطار لا ينتقص من شرعية تمثيل م.ت.ف لشعبنا بل يُعززها، ويُجسد مفهوم الشراكة الوطنية الديمقراطية، فهي تَتشّكل من مكونات المنظمة فضلاً عن مكونات شعبنا السياسية والاجتماعية، وهي خطوة مهمة على طريق إعادة بناء م.ت.ف على أسسٍ وطنية وديمقراطية، والمدخل الجدي لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية، إلا إذا كان المقصود الشرعية وفق المقاييس الأمريكية والصهيونية!

2. أن تفرج قيادة م.ت.ف المتنفذة عن قرار إجراء الانتخابات العامة على أساس المرسوم الرئاسي الذي صدر بهذا الشأن، ووفق جدول زمني جديد يُتفق عليه وطنياً.

3.  وفي حال عدم الاستجابة لهذين الخيارين، فإن قيادة المنظمة لا تبقي لشعبنا وقواه السياسية والاجتماعية الحريصة على الوحدة الوطنية، وإعادة الاعتبار لـ م.ت.ف ومكانتها، وكأداة قيادية جامعة لوحدة شعبنا في كل أماكن تواجده، لا تبقي سوى الاحتكام لجماهير شعبنا وتفعيل قواها الحية للضغط على قيادة المنظمة لَتحمّل مسؤوليتها التاريخية في انجاز وحدة شعبنا الوطنية، وفي موازاة ذلك توسيع رقعة الاشتباك السياسي والميداني مع الاحتلال في كافة محاوره الميدانية والسياسية في المحافل الدولية، وفي كل أماكن تواجد شعبنا في الداخل الفلسطيني وفي الخارج.

وأخيراً، نأمل أن تعلو المصلحة الوطنية العامة في هذا الوضع الحرج على حساب المصالح الفئوية الضيقة، فلا بديل سوى للوحدة الوطنية ولخيار المقاومة لوضع قضيتنا على الطريق التي تقود إلى جادة الانتصار.