Menu

جائحة التخلي.. ما بعد الأمّا بعد (2)

فادي نعيم بارود

بوابة الهدف الإخبارية

في لحظة فارقة يمكن لنا كبشر السعي لعدم الوصول إلى أي إجابات، ولزوم إعادة أي طروحات وأسئلة وحتى إجابات بشكل مختلف أكثر تلقائية أو تعقيد، فالفهم يتشكل بعد محاولات من إعادة تدوير الكثير من المسائل لتتشكل القناعات بناءً على ما يراه الإنسان مناسباً له.

إن ما يشعر به الإنسان في كثير من الأحيان كان مليئاً بالسعادة أو الحزن، لابد من اسقاطه في ممرات لفحص اللحظة التي تمر به وعبره، لإيجاد المعنى الدقيق والكامل للحياة أمامها، وفي هذا الكثير من اليقظة لو تمكنت أن تحيا بهذا النمط، ووقتها لن تكون مستأنساً بالحذر أمام ما يجري لك وحولك.

هناك الكثير من الاختبارات التي تحتاج فقط حضورك الكامل بها لتدعها تمر بك مع كل تجربة، لتغدو كل اللحظات عاملاً مشجعاً وتجربة محفزة لتتحرك نحو الحياة بكامل الانفتاح المطلوب ولتتدفق نحوك بشكل مباشر، فلا مكان لوجود كامل في الظل.

هنا، الصوت الغريب، تلك النجوم عالياً، حوار خفي يدغدغ صورة القمر، فجر وأمواج من الشكوى، شرفة وعين، هواء وحائر، معجبٌ في ذاكرة ألوان المدينة، في النهاية، في الضجيج، وسط الضباب أوساط نمطية للحكم والخيار.

اقرأ ايضا: جائحة التخلي: أمّا بعد (1)

في أحلك أيام الانسان حزناً وطوافاً حول أكوام من العجز، ووقوفاً بكل سُبات، متجرعاً كل مخاوفه، محارباً مده وجزره، مغادراً الظنون، محاصراً بضاربات من الشكوك، طافياً على سطح من الندرة، وباحثاً عن إدانة جديدة، وعن ثوب من الملائمة، باعتيادية شديدة السذاجة، دون جدوى.

تيه، ذهاباً وإياباً، أي حالة شعورية تتأتى من اكتشاف المسافة التي قطعها بهلول يترنح على حافة الوصل ما بعد الهزيمة، ولا جرم، أن يغدو الكون غدة سرطانية أحياناً، والعالقون في الليل، يطرحون الأسئلة، يشاهدون الشهب، ويراقبون عجوزاً لا ينام خوفا من الموت، ونحن أحياناً مثل هذا العجوز نُجن أمام وعي ولاوعي.

لا شيء يتغير مع مرور الوقت، ولا يمكن تعميم الحالة الشعورية التي تعبر عن العجز حتى لو تم اكتشاف أسبابه، وحتى في محاولة الوصول إلى الاستقرار النفسي لا شيء منطقي، وفي وسط هذا الجمود ينشأ ما يربط الوعي بمدى الشعور بالمسؤولية تجاه النفس والآخرين، وهذا ثقيل جداً أمام أي عودة محمومة بالخيال إلى نقطة الحوار مع أي سؤال أو إجابة.

وعلى طاولة فسيفسائية من عناصر التماشي الجمعي والفردي في محيط مليء بطاقات الجذب، الإلحاح في إصدار الأحكام يكون ذا قيمة بناءً على قناعات الانسان الخاصة، إلا أن إلغاء الثوابت يكون أجزى من الإبقاء عليها في مرحلة الرفض والقبول، وفي هذا ما يعد أخلاقياً كعامل نفسي مساعد لتجنب المزيد من جلد الذات والتفاضل بين تطفل الغريزة والعقل.

الوحدة تعطي فزعاً حقيقياً للاستسلام أمام عملية تشكيل الذاكرة وفقاً لما يحاصر الشخص من مفاهيم وفقاً لما بعد كل تضخم في الوقائع والحوادث، والإدراك اللازم أن عليك معرفة حدود وعيك ليس للنجاة مرحلياً وإنما لتسكين النظرة حقيقية السواد عن الحياة.

الكثير منك يأتي نتيجة تراكمية للماضي والحاضر، وهذا بالضرورة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعموم حالة الفوضى التي يخلفها المحيط بتنوع تقسيماته وأطيافه، إلا أن معالجة كل هذا التضخم الذي يجري داخل مسالك الوعي يحتاج انفصالاً تاماً عن أي علل، عليك العودة إلى الوراء إلى خطك المألوف.