في مقال نشر اليوم، قال الصحفي الصهيوني والباحث في مركز القدس للشؤون العامة والدولية يوني بن مناحيم، إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليس في عجلة من أمره لتنفيذ قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بإنهاء التنسيق الأمني مع "إسرائيل"؛ فالسلطة الفلسطينية وزعيمها هما المستفيدان الرئيسيان من استمرار التنسيق الأمني مع "إسرائيل".
طبعا من غير الواضح نتيجة للتجاهل المستمر لقرارات المجلس المركزي ما إذا كان محمود عباس وفريقه يأخذون هذا المجلس على محمل الجد أصلا، ولايستخدمونه فقط لترسيخ سلطتهم وتمكينهم من السيطرة على كل مفاصل المؤسسات الفلسطينية في السلطة والمنظمة. مع العلم أن المجلس المذكري عقد في 6 شباط جلسة غير شرعية وبدون نصاب سياسي مقبول واتخذ قرارا متكررا بإنهاء التنسيق الأمني مع الكيان المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها هذا القرار، لكن محمود عباس تبعا لبن مناحيم غير مهتم بإغضاب "إسرائيل" وإدارة بايدن في الوقت الحالي، ويريد استكمال العملية التي بدأها بنقل السلطة إلى شركائه تمهيداً لخروجه من المسرح السياسي، وفي هذه الأثناء أمام الرئيس الأمريكي مهمتان عاجلتان يتعين عليهما إنجازهما: إعادة فتح مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وفتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية.
يشير الباحث إلى أن أبو مازن لم ييأس بعد من استئناف العملية السياسية مع الكيان، رغم أن الحكومة الحالية في الكيان لا تريد التفاوض معه ، وبدوره لا يريد أن يصوره العالم على أنه ينسف آفاق السلام. لذلك ، يقدر كبار مسؤولي فتح تبعا لبن مناحيم أن قرار المجلس المركزي لفتح سيبقى "حبرا على ورق".
ولذلك لا يتعدى قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بإنهاء التنسيق الأمني مع "إسرائيل" كونه مجرد تهديد خامل، يهدف بشكل أساسي إلى امتصاص الغضب في الشارع الفلسطيني وانتقاداته للسلطة الفلسطينية لكن الأمر يستحق دراسة الأمور بمزيد من العمق.
ما هو الأمر بالضبط؟
يتضمن التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية جانبين رئيسيين:
الجانب الأمني: حيث وبحسب اتفاقيات أوسلو، من المفترض أن يتبادل الطرفان المعلومات الاستخباراتية ويحافظان على الأمن داخل السلطة الفلسطينية؛ لأن الأجهزة الأمنية الصهيوينة أفضل وأكثر كفاءة من الآليات الأمنية الفلسطينية، فإن السلطة الفلسطينية هي المستفيد الرئيسي في هذا المجال، ويزعم أن للشاباك دورا أساسيا في حماية بقاء السلطة الفلسطينة ومنع تقويضها من قبل الفصائل المعارضة.
والجانب الأمني يشمل تنسيق دخول قوات الجيش الصهيوني إلى مناطق السلطة الفلسطينية لأغراض أمنية، حتى لا تتضرر قوات الأمن الفلسطينية حسب الزعم، رغم أن الموضوع يتعلق في الأساس ببقاء قوات الأمن الفسطينينة في موقع العميل الميداني للأمن الصهيوني تتصاعد أهميته وتتناقص بقدر ما يقدم من خدمات.
بالإضافة إلى ذلك، وفقًا للاتفاق، من المفترض أن تتعامل السلطة الفلسطينية مع "المواطنين الإسرائيليين" الذين دخلوا عن طريق الخطأ إلى أراضي السلطة الفلسطينية ومتابعة هجمات المقاومة التي ينوى تنفيذها داخل "الخط الأخضر"، وكذلك ملاحقة المقاومين في أراضي السلطة.
الجانب الأخر في اتفاقات أوسلو هو الجانب المدني، وبموجب الاتفاق، تتطلب جميع تحركات أعضاء السلطة الفلسطينية، بما في ذلك زعيمها محمود عباس، إلى "إسرائيل" أو خارج حدودها، موافقة الكيان، ويشمل ذلك أيضًا التنقل من قطاع غزة إلى الضفة الغربية والعكس صحيح.
وبموجب هذا الاتفاق تدير السلطة الفلسطينية مكاتب ارتباط مع إدارة التنسيق الاحتلالي في الضفة الغربية وكذلك في غزة، حيث تنسق من خلالها مجموعة من الأنشطة: جلب الأدوية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة ، العلاج الطبي لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة ، وتصاريح عمل العمال الفلسطينيين في "إسرائيل".
كما ورد أعلاه يزعم يوسي بن مناحيم وكذلك القيادة الأمنية والسياسية الصهيونية أن وقف التنسيق الأمني يشكل انتهاكاً صارخاً لاتفاقات أوسلو. علاوة على ذلك، سيؤدي وقفها إلى إلحاق أضرار جسيمة بالسلطة الفلسطينية و"سكان المناطق".
ولكن بمعزل عن هذا الهراء كله المتعلق بفائدة الفلسطينيين عامة من اتفاقيات أوسلو، فإن رئيس السلطة الفلسطينية نفسه يستفيد شخصيًا من التنسيق الأمني مع "إسرائيل".
في أوائل آب/ أغسطس 2014 ، التقى رئيس الشاباك آنذاك يورام كوهين مع محمود عباس في رام الله، وأبلغه باعتقال الكيان لبنية تحتية واسعة ل حركة حماس في الضفة الغربية، واعتقال 93 ناشطا خططوا لسلسلة من العمليات "لزعزعة" استقرار السلطة الفلسطينية والإطاحة بمحمود عباس. وحسب التقارير التي صدرت في حينه، أطلع رئيس جهاز الأمن العام أبو مازن على تفاصيل اعتقال الكيان قدم كوهين لمحمود عباس معلومات استخباراتية قاطعة، قبل عباس كلماته وشكره.
جاء هذا الاجتماع في إطار ما يسمى بالتنسيق الأمني بين الكيان والسلطة الفلسطينية، وهو جزء لا يتجزأ من اتفاقيات أوسلو. وحسب بن مناحيم فإن مسؤولا أمنيا صهيونيا كبيرا أبلغه أنه منذ عام 2005 أنقذت "إسرائيل" حياة محمود عباس ما لايقل عن ثلاث مرات، من محاولات اغتيال، كجزء من التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، وسيقال المزيد عن ذلك في الوقت المناسب.