واصل المعسكر الغربي ضغوطه على روسيا بغرض زيادة التصعيد في الأزمة القائمة حول أوكرانيا، فالرهان الغربي هو المضي قدمًا في محاصرة روسيا بأنظمة معادية تفتح أراضيها ومجالها الجوي أمام المساعي العسكرية الغربية ضد روسيا، وتخضع سياساتها للهيمنة الغربية.
فمنذ انهيار الاتحاد السوفياتي تطلع المعسكر الغربي لما حازته روسيا من تقدم في العهد السوفياتي، باعتباره مكتسب غير طبيعي يجب تصفيته، وإعادة روسيا لحالة من الخضوع للغرب، ضمن نظام عالمي أحادي القطب.
النهوض الروسي وعودة روسيا للتحكم في مواردها وبناء سياساتها المستقلة، وحتى محاولة روسيا لبناء علاقات جديدة مع الدول الأوروبية الرئيسية، لم ترقَ لصناعة السياسات العدوانية الغربية وخصوصًا في المركز الأمريكي المهيمن، فتتابعت المحاولات لتنصيب نظم معادية لروسيا في الدول المجاورة لها، واستخدام أراضي هذه الدول في الاعتداء على روسيا أو التحضير لمثل هذه الاعتداءات.
بالتأكيد أن الناتو لم يكن قلقاً على الديمقراطية في أوكرانيا أو حقوق الإنسان، وإلا لما كان قد استخدم المجموعات الفاشية الأوكرانية كأداة لتغيير الحكم في تلك البلاد، أو أباح للجيش الأوكراني قتل وقمع معارضي حكومته، بل وأرسل دفقاً من المساعدات العسكرية لدعم وتنمية سياسات عسكرية أوكرانية عدائية ضد روسيا.
إن تخيل روسيا باعتبارها الاتحاد السوفياتي الذي يخوض صراعاً متكافئاً مع الولايات المتحدة والمعسكر الغربي هو جريمة، فما يحدث اليوم ليس صراعًا حول الدور العالمي للاتحاد السوفياتي ودوره في دعم حركات التحرر الذي سعى الغربي لمنعه وجيش الجيوش ضده، ولكن بالأساس مسعى ومحاولة روسيا للحفاظ على استقلاليتها عن السياسات الغربية وعدم الخضوع لها، ومحاولة غربية لمعاقبة روسيا على هذه السياسات وإخضاعها لذات المعايير التي تخضع لها معظم دول العالم تحت الهيمنة الأمريكية المسلحة.
أي كانت تفاصيل الأزمة الأوكرانية اليوم، أو السياسة الروسية لمعالجتها، فلنتذكر أن هناك من يحاول نصب منظوماته القتالية الهجومية والدفاعية في كل بلد محيط بروسيا.
لقد عاش الروس والأوكران تحت مظلة سياسية واحدة لسنوات طويلة وقاتلا معًا ضد الغزو النازي، وفعليًا حررت روسيا معظم شعوب أوروبا الشرقية من الغزو النازي، وعاشت هذه الشعوب معًا سنوات التهديد الغربي بأسلحة الدمار الشامل، وبنت بشكل مشترك مقومات واحدة من أعظم الدول عبر التاريخ.
إن ما يسعى المعسكر العدواني الغربي لإزالته ليس التهديد الذي قد تواجهه أوكرانيا، ولكن كل منجز ومورد وذرة من التقدم حققته الشعوب المستقلة في هذا العالم، وكل مسار سياسي يرفض الخضوع للهيمنة الغربية. فإذا نشب القتال نعلم جيدًا من المعتدي الذي قتل ملايين من شعوب العالم دون ذرة تردد.
