Menu

هل ستُصبح الأمم المتحدة قريبًا هيكلاً عفا عليه الزمن؟

فريديريك بورنان _ وكالات

هل لا تزال منظمة الأمم المتحدة، التي تأسّست في منتصف القرن الماضي، قادرة على التعامل مع التغيّرات الهائلة الجارية حاليًا والتي تؤثّر على البلدان والمجتمعات في جميع أنحاء العالم، وعلى الاستجابة للتحديات التي تواجهها؟ هذه بعض عناصر الإجابة على التحديات التي تشغل جنيف الدولية.

إلى جانب نيويورك، تُعد جنيف، المقرّ الأوروبي للأمم المتحدة، أحد أهمّ مركزيْن للدبلوماسية متعددة الأطراف في العالم. ففي جنيف، يتم تناول التحديات التي تواجه العالم بالتحليل والنقاش، قبل أن تقرّر البلدان الأعضاء في نيويورك أي الخيارات التي يجب اعتمادها لمواجهتها. تقاسم للأدوار اهتزّ بشكل خطير في عام 2020 بسبب الازمة الصحية الناشئة عن انتشار كوفيد-19.

أرادت الأمم المتحدة استغلال الذكرى الخامسة والسبعين التي وافقت العام 2020 لتسليط الضوء على أهمية هذه الطريقة في تنظيم العلاقات بين الدول. نداء مفعم بالقلق، في الوقت الذي أصبحت فيه الدولة الأقوى تأثيرًا والمتحكمة في المشهد داخل الأمم المتحدة- أي الولايات المتحدة- أحد أكبر خصومها طوال فترة رئاسة دونالد ترامب. لقد غادرت واشنطن بشكل خاص مجلس حقوق الإنسان، وعطّلت إدارة ترامب عمل واحدة من أهم المنظمات العاملة في جنيف - منظمة التجارة العالمية- من خلال منع تجديد هيكلها القيادي. ثم سحبت تمويلها ودعمها لمنظمة الصحة العالمية في وقت يشهد فيه العالم أعظم أزمة صحية عرفتها البشرية في تاريخها الحديث.

تحدي تحقيق السلام والأمن:

كان هذا سبب وجود عُصبة الأمم المتحدة، ثم لاحقًا الأمم المتحدة، وهما منظمتان نشأتا في أعقاب الحربيْن العالميتيْن اللتيْن دمرتا القارتيْن الأوروبية والآسيوية. وفي كل مرة، سعى المنتصرون في هذيْن النزاعيْن اللذيْن كانت لهما عواقب على النطاق الدولي إلى صياغة وضع قانوني يتأسس على حق الشعوب في تقرير مصيرها. وذلك حتى لا يكون السلام رهينة توازن القوى بين البلدان العظمى، وحتى يأخذ في الاعتبار مصالح جميع البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة وشعوبها بشكل أفضل.

تحقيق هذا الهدف لا يزال بعيد المنال، وفق ما صرّح به أنطونيو غوتيريس، أمين عام الأمم المتحدة الذي حذّر يوم 4 فبراير 2020 من الرياح المجنونة التي تعصف بعالمنا. "من ليبيا إلى اليمن، مرورًا بسوريا، وربما أبعد من ذلك- لقد عاد التصعيد من جديد. فالأسلحة تتدفّق، والهجمات تتوالى، في الأثناء، يتم انتهاك قرارات مجلس الأمن قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به".

فهل ستصبح الأمم المتحدة قريبًا عاجزة عن تحقيق الأمن الجماعي، مثلما كانت عصبة الأمم في نهاية ثلاثينات القرن الماضي؟

إذا كان مجلس الأمن- الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة- في حالة شلل تام، فإن مؤسسات دولية أخرى تابعة للأمم المتحدة تساهم بنشاط في نشر السلام داخل المجتمعات استنادًا إلى أسس ثلاث هي: السلام والأمن، والتنمية، وحقوق الإنسان. وهي مجالات متداخلة، مثلما أوضح ذلك كوفي عنان في عام 2005، عندما كان أمين عام الأمم المتحدة. عنان قال آنذاك: "لن يتحقق الأمن دون تنمية، كما لن تكون هناك تنمية دون أمن. وكلاهما رهين احترام حقوق الإنسان ودولة القانون".

ولكن ما هو ملاحظ منذ عشر سنوات تقريبا هو التضييق على الحريات المدنية حتى في ظل الأنظمة الديمقراطية الليبرالية، ليس في الولايات المتحدة فقط بل في أوروبا أيضا.

التحدّي البيئي:

لا يتوانى أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، عن التأكيد على أنه لن يكون هناك من حل بالنسبة للتغيّرات البيئية، إلا بانخراط جميع البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة. أمام هذا الخطر الذي يهدد الوجود الإنساني، هل يمكن أن نشهد استفاقة للمجتمع الدولي، مثلما حدث في أعقاب الحربيْن العالميتيْن خلال القرن الماضي؟

في الوقت نفسه، ينخرط العالم في ثورة صناعية أكثر عمقًا وأوسع نطاقًا من الثورة السابقة التي حدثت في القرنين التاسع عشر والعشرين. ويعمل التحول الرقمي على إحداث تغيّرًا جذريًا في عالم الاقتصاد والمال، كما يعيد صياغة عمل المجتمعات والحقوق الديمقراطية التي من المفترض أن تحكمها. وتواجه الحقوق الفردية والجماعية الواردة في ميثاق الأمم المتحدة تهديدًا حقيقيًا.

التحدّي الصحي:

إن وباء الفيروس المستجد يهز المنظمات العالمية على كوكبنا بطريقة لم يعرف لها مثيل قط. وبوجود منظمة الصحة العالمية في الخط الأمامي، يمكن للأمم المتحدة أن تثبت أهمية دورها كمنبر للتعاون والتنسيق بين السياسات الوطنية.

خاصة وأن هذا الوباء، الذي فاجأ الدول، كان من الممكن في الحقيقة التكهن به. بعد الأوبئة السابقة له، مثل الإيدز في الثمانينيات والسارس في عام 2002، قامت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية بمراجعة اللوائح الصحية الدولية في عام 2005 لاحتواء هذه الفيروسات ذات الأصل الحيواني. ولكن فيروس كورونا الجديد تسبب بمثل هذا الخراب، لعدم تنفيذ تلك التوصيات بشكل كاف. ويبقى أن نرى ما إذا كانت صدمة كوفيد – 19 وعواقبها المتعددة الأوجه ستعيد إضفاء الشرعية على الأمم المتحدة أو تفريغها من جميع عناصرها، مثل عصبة الأمم التي تأسست قبل قرن من الزمان.

التحدّي الرقمي:

تحاول الأمم المتحدة استعادة المبادرة بالنسبة لهذه القضية، لا سيما انطلاقًا من جنيف، من خلال وضع معايير قانونية قادرة على توجيه هذا التحوّل من أجل أن يكون في مصلحة الجميع وفي احترام كامل لحقوقهم الأساسية.