"تقدموا تقدموا.. كل سماء فوقكم جهنم.. وكل أرض تحتكم جهنم تقدموا"، بهذه الكلمات كتب الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، عن علاقة المحتل بالأرض وأهلها، وعد بأن ترفض فلسطين وشعبها الغزاة تواجههم، ولكنهم، أي المحتلين لا يتقدموا، ففي أكثر من موضع بات هذا المحتل يتراجع، رغم تصعيد عدوانه.
أمام جمهرة من الفلسطينيين العزل الذين تقدموا دفاعًا عن أرضهم وحقهم، تراجع الجنود الغزاة المدججون بالسلاح، خطوة تلو أخرى، في مشهد يجسد تحرير موضع كل خطوة خطاها هؤلاء المتظاهرون من سيطرة المحتل، فقد تستطيع الدبابات والجنود القتلة التواجد على هذه الأرض، التدمير والنسف والقتل والاعتقال، ولكن السيادة على فلسطين أمر آخر، قرره شعبها منذ اللحظة الأولى للغزو، فلا تراجع ولا خضوع أمام الغزاة، وعلى أرض فلسطين، أرض العرب وبوصلتهم، لن يقابل هذا العدو إلا المقاومة والتصدي والمواجهة بكافة أشكالها، حتى وإن انثنت بعض المواقف أو انتكست، فالخط العام لهذا الشعب هو خوض المواجهة تلو الأخرى، ورفض الاستسلام، أيّ كانت الأثمان المدفوعة على طول خط النضال. لا تخطو آلة العدو العسكرية خطوة فوق أرض فلسطين إلا بمنطق المجزرة، على أجساد الضحايا، ولم ولن تمر على فلسطين لحظة واحدة بلا مقاومة، مهما كان الظرف العام: فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا؛ فرفض هذا الشعب لهذا المشروع الوحشي الاستعماري لا يخضع لتوازنات القوة اللحظية، بل استناد لإيمان عميق بالقوة الكامنة لأصحاب الأرض، والضعف والعوار والزيف الملازم لقوة الغازي المستعمر؛ ضعف يرتبط بعدوانية هذا المشروع، وانسداد أي أفق لمستقبله على أرض صمم شعبها الحي على استردادها.
في معركة القدس ، تتلاقى روافد النضال الفلسطيني موحدة، لاستعادة السيادة الفلسطينية الوطنية على عاصمة فلسطين، كما على كل شبر من أرضها، سيادة تجسدها إرادة الكفاح الوطني لشعب مصمم على تقرير مصيره، ففي كل موضع يقف فيه فلسطيني، رافضًا الانصياع لإرادة المحتل وطغيان القوة الوحشية، فإنه يفرض هذه السيادة، وفي كل فعل نضالي، مسلح بالرصاص أو متجردًا من كل سلاح إلا الإرادة، فإن سِفر جديد يكتب في مسيرة الاستقلال الوطني؛ فلقد فرض ضياء حمارشة، سيادة فلسطين على بضعة أمتار من أرضها لبرهة من الزمن، وأعطى لهذه السيادة مزيدًا من الأفق؛ زمنيًا ومكانيًا، واستعاد لكل فلسطيني في ذاته مساحة للأمل في الاستقلال التام لهذا الشعب والهزيمة الكاملة للغزاة، وفي خطوات كل متظاهر على أرض فلسطين، كل من يتصدى لهجوم الاحتلال وسياساته الوحشية؛ يعلن شعب فلسطين سيادته على أرضه، كما في بيان القيادة الوطنية الموحدة لانتفاضة الحجارة، وفي جوع أسير مضرب عن الطعام، وفي مذياع طيارة خطفتها مجموعات العمل الخاص خالدة الذكر والأثر.
"فلسطين دولة بناها السلاح، بدم الشهيد بنار الكفاح"؛ ففوق نار العدوان علت نار فلسطين وتأججت، وتحت رماد القصف وركام الهدم تضرم جذوة الإرادة، لتشرق أفعال الفداء على أرض فلسطين، تردع المحتل، وتخبر المستوطن عما يعنيه وجوده على هذه الأرض، وعما سيبقى هذا الشعب مستعد لفعله لأجل الحرية والاستقلال.
إن درب الشهداء، والتضحية، والنضال الفدائي بكافة أشكاله، لم تفلح كل أدوات القتل والترهيب في سده أو في طمس ملامحه، وها هو شعب الأحرار، وخندق العروبة والإنسانية المتقدم على أرض فلسطين، يمضي فيه؛ يجدده ويحميه من كل وهن، ويكنس في طريقه خطى العدوان، وظلمة الاستسلام وسقوط المطبعين والمتخاذلين.. هنا فلسطين العربية؛ تخوض معركتها وترسم نصرها.