Menu

يبدأ تطبيقه إلزاميًا مطلع نوفمبر

تعرف على خبايا قانون الضمان الاجتماعي.. أبرز بنوده ومن يخدم!

بيسان الشرافي

تظاهرة رام الله ضدّ قانون الضمان الاجتماعي- 15 أكتوبر 2018

رام الله _ خاص بوابة الهدف _ بيسان الشرافي

تتجاوز نسبة المُنشآت الصغيرة في الاقتصاد المحلّي نحو 90% من إجمالي المُنشآت الاقتصادية الفلسطينية، وهي تلك المشاريع التي تضمّ عددًا قليلًا من العمال -لا يتجاوز 4- وتعتبر عنصرًا أساسيًا في استيعاب العمالة، وتعتمد على تشغيل الخريجين وذوي الدخل المُتدنّي. هذه المشروعات تُشكّل رافدًا مهمًا في الاقتصاد الوطني، وهي المُحرّك الفعلي للاستثمار والنمو الاقتصادي، سيّما على مستوى مُساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي.

وفقَ مُراقبين، فإنّ العاملين في هذه المُنشآت الصغيرة هم الأكثر عُرضةً للانتهاكات من قبل رأس المال، إذ يتم حرمانهم من أبسط الحقوق الاجتماعية، في ظلّ اتّساع رقعة الفقر، والمعدّلات المُرعبة للبطالة، وهو ما يستغله أصحاب العمل لفرض شروطهم على العمّال، خاصةً ما يتصل بالأجور وظروف العمل، وحتى الحقوق العمالية المكفولة بقانون العمل الفلسطيني.

ومع دخول "قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني" حيز التنفيذ، مطلع نوفمبر القريب، لا يزال الجدل قائمًا حول الإشكاليات التي تضمّنتها بنوده، في أكثر من قضيّة تتعلّق بحقوق العمّال، ما دفع جهاتٍ عدّة للمُناداة بإلغائه كُليًا بسبب "إجحافه وتهميشه حقوق الطبقة العاملة لصالح رأس المال"، في الوقت الذي تمسّكت به جهاتٌ أخرى، انطلاقًا من مبدأ وجود قانون قابل للتعديل، أفضل من عدم وجوده بالمُطلق، بالاستناد إلى أنّ بنود عدّة جرى الاعتراض عليها والمطالبة بتعديلها، وهو ما تمّ بالفعل.

يقول مسؤول جبهة العمل النقابي التقدمية بالضفة المحتلة، محمد جوابرة "إنّ الصيغة الراهنة لقانون الضمان الاجتماعي تحتوي على العديد من البنود التي بحاجة ماسّة للتعديل، لما يتلاءم والمطالب العادلة التي تكفل حقوق العمّال".

وفي مقابلة مع بوابة الهدف، قال النقابي جوابرة "إنّ جملةً من التراكمات التاريخية سبقت إقرار القانون، بدءًا من إقرار قانون (التأمينات الاجتماعية) رقم (3) لعام 2003م من قبل المجلس التشريعي في حينه، والذي جرى إلغاؤه من قبل رئيس السلطة الفلسطينية عام 2007م بضغوط مارسها البنك الدولي لصالح رأس المال والقطاع الخاص، مرورًا بتشكيل (الفريق الوطني للضمان الاجتماعي، عقب إطلاق منظومة الضمان الاجتماعي في فلسطين، بالعام 2013، بتنسيق بين منظمة العمل الدولي ووزارة العمل الفلسطينية والنقابات العمالية وعدد من أصحاب العمل".

وفي إطار استعراض المراحل التي سبقت إقرار قانون الضمان بصيغته الحالية، أضاف جوابرة أنه "في العام 2015 صادق الرئيس عباس على مشروع قانون للضمان الاجتماعي، بعد مُصادقة مجلس الوزراء عليه، إلّا أنّه جُوبه برفضٍ واسع، سيّما من هيئات المجتمع المدني والنقابات المستقلة -من خارج النقابات الرسمية المشاركة في فريق الضمان- ".

القانون السابق يخدم السلطة ورأس المال

وتركّزت الاحتجاجات على القانون في حينه، على قضيّة تعامله مع منظومة الضمان الاجتماعي وكأنها شركة خاصة، في الوقت الذي اتّهمت فيه أوساط نقابية السلطة بأنّها تهدف من وراء إنشاء مؤسسة الضمان إلى تحصيل الأموال المُستحقَّة للعمال الفلسطينيين، الذين عملوا –ولا يزالوا يعملون- في فلسطين المحتلة عام 1948، وكانوا يدفعون مُساهماتٍ من رواتبهم لمؤسسة التأمين "الإسرائيلية" منذ العام 1970 إلى الآن، ولم يتقاضوها حتى اليوم، وهي مبالغ تُقدّر بمليارات الشواكل.

ويُشير جوابرة إلى أنّ "الدافع لدى الأوساط السياسية الفلسطينية المتنفذة، وكبار رأس المال، وخاصة البنكي منها، وراء السعي لوجود صندوق ضمان اجتماعي هو تحصيل أموال عمال الداخل المحتل". مع الإشارة إلى أنّ إنشاء مؤسسة ضمان اجتماعي فلسطيني هو أحد بنود اتفاق باريس الاقتصادي، ضمن الشروط "الإسرائيلية" لدفع أموال العمال الفلسطينيين، التي يُماطل الكيان في تقديرها وآليات دفعها، حتى حوّلها إلى ورقة ابتزاز سياسي.

وعلى إثر مشروع القانون، تشكّلت "الحملة الوطنية للضمان الاجتماعي"، وضمّنت تشكيلة واسعة من الاتحادات العمالية والنقابات والمؤسسات الأهلية والكتل البرلمانية، وبدأت نضالًا من أجل إلغاء القانون أوّلًا ثمّ إدخال تعديلات عليه، ونظمت في حينه تظاهرات شعبية في الضفة المحتلة، شارك فيها آلاف المواطنين، وهو ما تكلّل لاحقًا بقرار الحكومة وقف العمل بالقانون، وفتح المجال للحوار مع الحملة الوطنية، بمشاركة ممثلين عن الكتل البرلمانية.

خلال الحوار، قدّمت الحملة الوطنية نحو 17 مطلبًا، كتعديلات على القانون. جرى التوصل لصيَغ وسطية لهذه التعديلات ووافقت الحملة على اعتمادها كحلول مُؤقتة، مع استمرارية النضال بعدها للتوصل إلى بنود تُحقق المطالب كاملةً- في السطور اللاحقة تبيانٌ لبعض البنود التي تم تعديلها-.

في وقتٍ لاحق، أصدرت الحكومة الفلسطينية بتاريخ 20 أكتوبر 2016، قرارًا بقانون رقم (19) لسنة 2016 بشأن الضمان الاجتماعي، وهو القانون الحالي الذي سيبدأ العمل به اعتبارًا من الشهر المقبل (نوفمبر 2018). ثمّ تشكيل مجلس إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي، نهاية ديسمبر 2017، يضمّ في عضويته 17 شخصًا، برئاسة وزير العمل الحالي مأمون أبو شهلا، وسط تحفّظات أبدتها جهات نقابية.

النقابي جوابرة، قال لبوابة الهدف إنّ الصيغة الحالية للقانون هي التي جرى التوافق عليها، بعد حراكٍ واسعٍ قادته الحملة الوطنية، أجبر الحكومة على وقف العمل بصيغة القانون السابقة. مُؤكدًا على أنّ "القانون الحالي يُمثل الحد الأدنى الذي يمكن التوافق عليه ويؤسس لبناء ضمان اجتماعي يوفر الحماية الاجتماعية للعمال الفلسطينيين في القطاع الخاص، إلّا أنّه يحتاج بمتابعة وضغط متواصليْن، وعمل حثيث من أجل تطويره، باعتبار الضمان قضية نضالية تحتاج إلى فعل دائم.

القانون -بصيغته الراهنة- جرى التوافق عليه.. فلماذا الاعتراض الآن؟!

عن هذا السؤال، يُجيب مسؤول جبهة العمل النقابي التقدمية بالقول إن الأمر يعود لقضيّتين رئيسيّتين، هما: احتساب الراتب التقاعدي، واللوائح التنفيذية.

وبشأن احتساب الراتب التقاعدي، أوضح أنّ "الإشكالية في هذه القضية، تسبب بها تراجع وزير العمل، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الضمان، عن قرارٍ أصدره بتاريخ 4 يونيو 2018، حول تسوية مستحقات العاملين المنتسبين لصندوق الضمان تضمن (احتساب مكافأة نهاية الخدمة على أساس شهر عن كل عام، مع احتساب الكسور، ويعتبر فترة العمل متصلة للعامل، ولا يجوز إجراء أي تغيير على وضعه القانوني)، والذي اعتبرته الأوساط العمالية والنقابية إيجابيًا ويصبّ في مصلحة العامل، ويتوافق مع قانون العمل".

سبب التراجع عن القرار، بحسب جوابرة، كان الضغوط التي مارسها أصحاب العمل، الذين رفضوا القرار وهددوا على إثره بالانسحاب من مجلس إدارة صندوق الضمان، وهو ما دفع وزير العمل إلى التسليم لهذه الضغوط وتحويل الموضوع إلى المحكمة الدستورية للبت فيه".

أمّا فيما يتعلّق باللوائح التنفيذية، فقد جرى إعداد جزء منها بدون مُشاركة الحملة الوطنية أو إعلان هذه اللوائح مسبقًا لجمهور العمال للاطّلاع عليها، وهو ما ادّعت وزارة العمل أن نقابات العمال هي من تتحمل المسؤولية عنه، كونها كانت المخولة بالتواصل مع الحملة وإعلامها باللوائح.

جوابرة انتقد المُنادين بإلغاء القانون ووقف العمل به، واتّهم البعض بأنه يجهل تفاصيل وبنود القانون، بدلالة ترويج الكثير من المغالطات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وكشف أنّ الكثير مِن مَن يتبنّون الحراك الاحتجاجي اليوم، شاركوا في الحملة الوطنية للضمان الاجتماعي، وكانوا على اطّلاع مستمر بتفاصيل المفاوضات التي تمّت خلال جولات الحوار مع مؤسسة الضمان ووزارة العمل، وهو ما اعتبره النقابي "تسبّبَ باللّغط الدائر حاليًا، وأوجدَ حالة من الغموض بشأن الطرف الحقيقي الذي يتحمّل المسؤولية".

واستدرك بالقول إنّ "مخاوف وشكوك العاملين مشروعة ومُحِقة بحكم مُعطَيات الواقع المُعاش وسلوك السلطة والقضاء في العديد من القضايا، خاصة تلك التي تتعلق بالحقوق النقابية والاجتماعية".

وعليه، اعتبر أنّ ما حدثَ "ضربَ مكانة الحملة الوطنية للضمان الاجتماعي التي قادت حراكًا اجتماعيًا مثّلَ نموذجًا يجب الحفاظ والبناء عليه، كما أنّه نقلَ الصراع ليكون بين العمال أنفسهم، رغم أنّ الصراع الحقيقي هو مع رأس المال الذي هدد أكثر من مرة بالانسحاب وتعطيل مسار بناء مؤسسة الضمان".

ما يحدث يُهدد كل منظومة الضمان الاجتماعي، ويضعها في مهب الريح، وهذا بالتحديد ما يُريده رأس المال والبنك الدولي. بحسب جوابرة، الذي رأى أنّ "المطلوب في الوقت الراهن، استيعاب كافة التظلّمات والمخاوف المثارة كحق مشروع للعاملين وصياغة آليات عمل موحدة لكافة الجهات والمكوِّنات المعنيّة بالموضوع لتحديد الأولويات المطلوب تنفيذها والنضال من أجلها ووضع خطة عمل وبرنامج طويل المدى، بعيدًا عن كافة التدخلات، وبما يصبّ في خدمة كافة العاملين.

كما رأى أنّ "الأولوية هي لوضع الضمان الاجتماعي على سكّة التنفيذ، والضغط لتنفيذ القرار بشأن احتساب مكافأة نهاية الخدمة –جرى تفصيله آنفًا- وإتاحة المجال للحوار حول اللوائح التنفيذية.

جوابرة استندَ في رأيه المُؤيّد للقانون إلى أنّه سيخدم العمال المُنتسبين في قضايا هامة وعاجلة، منها: منافع الأمومة، ومنافع تأمينات إصابات العمل، ومنافع الوفاة الطبيعية، وهذه كلّها ستدخل حيز التنفيذ مباشرةً من قبل صندوق الضمان. فيما ستظلّ القضايا الأخرى بحاجة إلى تعديلات.

وكشف أنّ "بعض المطالب التي يجري الحديث عنها لا تصبّ في خدمة العمال، خاصةً اختيارية الانتساب للضمان، فإذا كانت كل هذه الأنظمة والقوانين يجرى التحايل عليها من قبل أصحاب العمل فمن سيُلزمهم بالضمان".

ما الذي تمّ تعديله في نصوص القانون؟

مسؤول جبهة العمل النقابي استعرض، خلال حديثه لبوابة الهدف، عددًا من المطالب التي نجحت الحملة الوطنية في إجبار الحكومة على اعتمادها، منها: إضافة بند يقضي بأنّ تكون الحكومة ضامنًا لصندوق الضمان الاجتماعي، في حين لم يذكر القانون بصيغته السابقة أيّ دور للحكومة.

ضمان الحكومة للصندوق يعني ضبط عملية استثمار الأموال، ومتابعة إلزاميةِ التطبيق، كما يعني أنّ للحكومة مسؤولية تجاه الصندوق من حيث مساهمتها في بعض الخدمات التي يُمكن أن تقدّمها، على سبيل المثال كتمويل صرف رواتب للعاطلين عن العمل -إذا جرى طرح هذا البند مستقبلًا-.

ومن التعديلات الجوهرية التي جرى إضفاؤها، إلغاء ما كان يُسمّى الصندوق التكميلي، والذي كان بهيئة مستقلة، يتولى الحصول على الأموال الداخلة للعمال الفلسطينيين، وجرى وضع هذا الصندوق في إطاره الصحيح، إذ أصبح صندوقًا تكميليًا لذوي الرواتب العالية التي ترغب بدفع مساهمات أكبر وبالتالي الحصول على امتيازات أكبر في التقاعد.

يُضاف إلى التعديلات، مساهمات العمال التي كانت 7.5% وصارت 8%، وأصحاب العمل من 8.5% إلى 9%، ونحن نُدرك أنّ هذه النسب مُجحفة بحق العمال، إذ تكاد تكون مساهمة أصحاب العمل تُساوي مكافأة نهاية الخدمة، بمعنى أن صاحب العمل يكون وكأنه لم يقدم شيئًا لصندوق الضمان، لكن جرى الموافقة عليها كحل وسطي، وسيجري العمل من أجل تعديلها مُستقبلًا.

وكذلك الراتب التقاعدي، الذي كان في القانون السابق لا يقل عن 50% من الحدّ الأدنى للأجور في فلسطين، وجرى تعديل هذا ليكون الراتب التقاعدي لا يقل عن 75% من الحد الأدنى للأجور، كحلّ وسطي. إضافة إلى إجازة الأمومة التي اشترطت الصيغة السابقة للقانون على انقضاء فترة 7 شهور على عمل المرأة كي تستحقّ إجازة الأمومة، إلّا أنّه تم تقليص هذه المدّة في الصيغة الحالية إلى شهرين فقط.

ونوّه جوابرة إلى أنّ من القضايا الأخرى التي لا تزال بحاجة للنضال لتصويبها بما يخدم مصلحة العمال: نسب المساهمات فيما يتعلق بمنافع الشيخوخة والعجز والوفاة الطبيعيين واحتساب الراتب التقاعدي، وغيرها من المطالب العادلة، والتي يُصرّ رأس المال الفلسطيني على رفض تعديلها، ويهدد بالانقضاض على كل منظومة الضمان بسببها.

يُذكر أنّ الحراك الاحتجاجي على قانون الضمان بصيغته الحالية، نظّم ظهر اليوم الاثنين، تظاهرة، على دوار المنارة بمدينة رام الله. أعرب المُشاركون فيها عن رفضهم للقانون، وطالبوا إلغاء العمل به، كما رفعوا لافتات تتناول جوانب اعتراضهم على القانون، منها ما يتعلّق براتب الشهيد وغيرها من الثغرات.