Menu

قراءةٌ أوليّةٌ في نتائجِ الانتخاباتِ اللبنانيّة.. ميزانُ القوى الانتخابيّ في لبنان لمصلحة حزب الله وحلفائه و"جعجعة" جعجع لن تغيّر النتائج

عليان عليان

نشر هذا المقال في العدد 38 من مجلة الهدف الإلكترونية

في السادس عشر من شهر أيار (مايو) 2022، اتّضحت صورةُ ميزانِ القوى في مجلسِ النوّابِ اللبنانيّ الجديد لصالح حزب الله وحلفائه، التي فاجأت فريق (14) آذار الانعزاليّ بزعامة زعيم حزب القوّات اللبنانيّة "سمير جعجع"، وفاجأت أيضًا مهندسيْ لوائح هذا الفريق وهما: السفيرةُ الأمريكيّةُ في لبنان "دوروثي شيا" والسفيرُ السعوديّ "وليد البخاري" الذي احتفل مع أداتِهِ "سمير جعجع" بالفوزِ المزعومِ لفريق (14) آذار قبل إعلانِ وزيرِ الداخليّة عن النتائج النهائيّة للانتخابات، عبرَ تغريدةٍ تثيرُ الشفقة جاء فيها "انتصرت الدولةُ على الدويلة"... وإن ينصركم الله فلا غالب لكم"!

ورغمَ أنّ مساعد وزير الخارجية الأمريكيّ "ديفيد شينكر" قد تنبّأ بفشل فريق (14) آذار عشيّةَ الانتخابات بقوله: "إنّ زعماء أحزاب فريق (14) آذار يغلبون مصالحهم الشخصيّة على مصلحة لبنان، وعلى مصلحة الفريق الذي  ينتمون إليه"، مشيرًا إلى أنّ الولايات سهّلت الطريق لهم بخلق الأزمة الاقتصاديّة؛ بهدف ضرب البيئة الحاضنة لحزب الله وحلفائه، ورغمَ أنّ السفير الأمريكيّ الأسبق في بيروت "ديفيد هيل" أقرَّ هو الآخرُ بفشل حزب القوّات اللبنانيّة وحلفائها في حصد الأكثريّة، إلّا أنّ هذا الفريق ما يزال يعاند  الحقيقة العنيدة المثبتة بالأرقام،  في أنّ حزب الله وحلفاءه: حركة أمل والتيّار الوطنيّ الحرّ، وتيّار المردّة، وحزب الطاشناق ونسبة عالية من المستقلين، حصدوا أغلبيّة المقاعد النيابيّة، وأغلبيّة الكتلة التصويتيّة الشعبيّة، ويصرُّ على  أنّ فريقَ 14 آذار ومن يدور في فلكه، حصد أكثريّةَ المقاعد، ويجاهرُ بضرورةِ تشكيلِ حكومةٍ أكثريّةٍ يكون على رأس مهامها تجريدُ حزب الله من سلاحه.

معطياتُ الأرقام:

فمعطياتُ الأرقام تدحض ما ذهب إليه "سمير جعجع" وَفْقَ ما يلي:

1- أنّ الفرز في الانتخابات هذه المرة لم يكن عموديًّا بين فريقين، وتمثّل في ثلاثِ كتل: كتلة حزب الله وحلفائه (8) آذار، كتلة فريق 14 آذار، وكتلة غير متجانسةٍ سياسيًّا من إفرازات ما أطلق عليها "انتفاضة 17 تشرين أول (أكتوبر) 2019"، مكوّنةً من المنظّمات غير الحكوميّة (المموّلة من الأنجي أوز) ومن المستقلّين.

2- تحالفُ حزب الله مع حركة أمل والتيّار الوطني وتيّار المردة وحزب الطاشناق ومع بعض الشخصيّات الوطنيّة، مثل: حسن مراد، واللواء جميل السيد، حصل على عددٍ من المقاعد يتراوح بين 62 -64 مقعدًا، وإن كان لم يحقّق الأكثريّة المطلقة، على النحو الذي حصل في انتخابات 2018، عندما حصل على (75) مقعدًا، لكنّه ظلَّ صاحب الكتلة الأكبر في مجلس النوّاب، في حين أنّ حصة تحالف (14) آذار تراجعت من (47) نائبًا في انتخابات 2018 إلى (36) مقعدًا في الانتخابات الأخيرة.

3- من واقع تواصل فريق (14) آذار الانعزاليّ مع كتلة "الأنجي أوز" ( 13) مقعدًا وتواصل فريق (8) آذار مع المستقلين (20) نائبًا، فإنّ الفريق الانعزالي سيصطفُّ معه في البرلمان عند التصويت على سلاح المقاومة كتلة "الأنجي أوز"، لتصبحَ كتلته التصويتيّة (49) نائبًا وفي المقابل، فإنّ تواصل فريق (8) آذار – حسب الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله - مع المستقلّين (20) مقعدًا، فإنّ نسبةً كبيرةً من المستقلّين ستقف إلى جانب تحالف حزب الله (الثامن من آذار)، وأنّ الكتلة التصويتيّة لصالح هذا التحالف ستصبحُ (77) نائبًا، يصوّتون لصالح سلاح المقاومة ومحاربة الكيان الصهيونيّ.

والخللُ الذي وقع فيه سمير جعجع بشأن الأكثريّة، أنّه عدَّ أنّ كتلةَ المنظّمات غير الحكوميّة "الأنجي أوز" (13) نائبًا، مضافًا إليها المستقلّون (20) نائبًاً، ستصوّت في البرلمان لصالح توجّهات فريق 14 آذار لنزع سلاح المقاومة، وغاب عن ذهنه أنّ القسم الأكبر من المستقلّين لن تصوّت ضدَّ مبدأ "مقاومة الكيان الصهيوني" وتعدُّ أن المقاومة ركنٌ أساسيٌّ من قوّة لبنان.

4- كما أنّ معطيات الأرقام تقول: إنّ هنالك بونًا شاسعًا بين مجموع القوّة التصويتيّة لصالح حزب الله وتحالفه، والقوّة التصويتيّة لفريق (14) آذار، ما يؤكّد بشكلٍ مطلقٍ أن تحالف المقاومة يمتلك رصيدًاً شعبيًّا هائلًا، شكّل ويشكّل شبكةَ أمانٍ للمقاومة وسلاحها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فاز النائب محمد رعد من كتلة الوفاء للمقاومة" كتلة حزب الله" بمقعدٍ نيابيٍّ وفقَ قوّةٍ تصويتيّة (20) ألف صوت، في حين فاز النائب عن حزب الكتائب نديم الجميل من خلال 2500 صوت فقط، وفاز نوّابٌ آخرون من تحالف 14 آذار بأقلّ من رقم 2000 بكثير.

5- بخصوص تحالف الثنائي "حزب الله وحركة أمل"، فقد حصدا كاملَ المقاعد المخصّصة للطائفة الشيعيّة بالكامل (28) مقعدًا، إذ إنّ هذا الرقم المغلق بالإضافة إلى أصوات الحلفاء وفّر- على حدّ تعبير الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله - شبكةَ الأمان المطلوبة.

6- المعركةُ الانتخابيّةُ الأهمُّ كانت على الأكثريّة المسيحيّة بين "حزب القوّات اللبنانيّة" بزعامة سمير جعجع – رجل السعوديّة وأمريكا الأوّل في لبنان - بعد إزاحة سعد الحريري من المشهد السياسيّ الانتخابيّ بقرارٍ سعوديّ - وبين "التيّار الوطنيّ الحرّ" بزعامة جبران باسيل، التي كانت بمثابة معركة "كسر عظم".

وهنا يجبُ الإشارةُ إلى أنّ حزب القوّات اللبنانيّة زاد من رصيده، فقد حصل على 19 نائبًا مقابل 15 نائبًا في انتخابات 2018، لكن ظلّت الغلبة في الشارع المسيحيّ بعد فرز أصوات المغتربين مساء الاثنين 16-5 -2022 للتيّار الوطنيّ الحرّ التي شكّلت مفاجأةً لسمير جعجع وصدمةً كبيرةً لحزبه، ولمجمل أطراف تحالف (14) آذار وللسفارتين السعوديّة والأمريكيّة، وذلك بتقدّمه من 14 مقعدًا نيابيًّا إلى 23 معقدًا، مقابل 19 لحزب القوّات اللبنانيّة، ليعودَ مجدّدًا أكبر تكتّلٍ مسيحيٍّ نيابيٍّ في لبنان.

7- أنّ الانخفاض النسبيّ في عدد نوّاب تحالف حزب الله (8) آذار من 75 نائبًا في انتخابات 2018 إلى (62) نائبًا في انتخابات 2022، يعود بشكلٍ نسبيٍّ إلى ذهاب قسمٍ من الأصوات للمستقلّين وللمنظّمات غيرِ الحكوميّة، كما أنّ انخفاض عدد نوّاب فريق (14) آذار بشكلٍ كبيرٍ من 47 نائبًا في انتخابات 2018 إلى 36 نائبًا في انتخابات 2022، يعود أيضًا إلى ذهاب قسمٍ من الأصوات للمستقلّين وللمنظّمات غير الحكوميّة.

التراجعُ النسبيُّ في حصّة حزب الله وحلفائه:

والسؤالُ هنا: لماذا التراجعُ النسبيُّ في حصّة تحالف حزب الله من 75 نائبًا عام 2018 إلى 62-64 نائبًا في انتخابات مايو (أيار) 2022، رغمَ أنّه ظلَّ صاحب الكتلة الأكبر في مجلس النوّاب؟

- إحجامُ نسبةٍ لا بأس بها من الجمهور على التصويت في دائرة بيروت الثانية وغيرها، ارتباطًا بأكثرَ من عاملٍ؛ سواءً عامل المال السياسي، أو عامل الإحباط، أو عامل عدم الرضى عن أداء حلفاء حزب الله، في أخذ زمام المبادرة للتصدّي للأزمة الاقتصاديّة وللفساد في البلاد.

 - الصراعُ المستمرُّ بين طرفين حليفين لحزب الله وهما "حركة أمل" و"التيّار الوطنيّ الحرّ"، ما أدّى إلى خسارة مقاعد "جزين" لصالح حزب القوّات اللبنانيّة، يضافُ إلى ذلك العوامل الذاتيّة التي اعترفَ بها رئيسُ التيّار الوطنيّ الحرّ.

- عدمَ فوز حليفيه في الطائرة الدرزيّة في الانتخابات، وهما زعيما حزبي التوحيد والديمقراطي "طلال أرسلان" و"وئام وهاب"، بحكم أن أصوات المغتربين صبّت لصالح كلٍّ من تيمور جنبلاط ومروان حمادة، كذلك عدم فوز حليفي حزب الله نائب رئيس مجلس النوّاب السابق إيلي فرزلي وأسعد حردان، وتراجع مقاعد كلٍّ من تيّار المردة بزعامة سليمان فرنجية، من (5) مقاعد عام 2018 إلى مقعدين فقط في انتخابات 2022، وفوز حزب الطاشناق الأرمني ب (3) مقاعد.

- الضخ المالي والسياسي والإعلامي غير المسبوق في تاريخ الانتخابات اللبنانية ودخول السفيرة الأمريكية "دوروثي شيا" والسفير السعودي "وليد البخاري" على خط الانتخابات ومشاركتهما في مجرياتها بالتحريض ضد حزب الله وحلفائه.

السيناريوهات المتوقّعة:

بعدَ إعلانِ النتائجِ النهائيّة وحقيقة الأرقام التي حصل عليها كلُّ فريق، تنتظر لبنان ثلاث استحقاقاتٍ رئيسيّة، وهي: انتخابات رئيس المجلس النيابيّ، وتشكيل الحكومة، ولاحقًا انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية.

انتخابُ رئيس مجلسِ النوّاب: بدأت معركة رئاسة مجلس النوّاب فورًا، ففي حين أعلنت كتلة التنمية والتحرير رسميًّا ترشيح نبيه بري رئيسًا لمجلس النوّاب، بادر سمير جعجع، إلى رفض ترشيح نبيه بري لرئاسة المجلس تحت مبرّرٍ أنّ بري جزءٌ من الفريق الآخر، وأنّ أيَّ مرشّحٍ لهذا المنصب يجب أن يتعهّد بضمان اتّخاذ القرارات الاستراتيجيّة من قبل الحكومة والدولة، وأنّ هذه المواصفات لا تتوفّر في نبيه بري، واقترح أي نائبٍ آخر من خارج الطائفة الشيعيّة، لكن هذا الطرح لا يمكن تطبيقه، كونه يتناقضُ مع اتّفاق الطائف.

تشكيلُ الحكومة: والعقبة الرئيسيّة التي سيواجهها لبنان بعد الانتخابات، هي تشكيل الحكومة، ففي حين يدعو حزب الله والتيّار الوطنيّ الحرّ إلى تشكيل حكومةِ وحدةٍ وطنيّةٍ على أرضية من الحوار الوطنيّ، للتصدّي للأزمة الاقتصاديّة، والدعوة إلى استخراج الغاز من البلوكات الجنوبيّة ( 8، 9، 10)، وعدم التوسّل للسفارات والخضوع لاشتراطات صندوق النقد الدولي... يعلن جعجع صراحةً بأنّه يرفضُ حكومةَ الوحدة، ويصرُّ على حكومةٍ أكثريّةٍ من حزبه ومن حلفائه، قادرةٍ على تحقيق القرارات السياديّة ومن ضمنها نزع سلاح المقاومة، وأنّ حزبه يعتزم العمل على أن يعيدَ القرار الاستراتيجيّ كلّه الى الدولة اللبنانيّة، وأن لا يعود لأحدٍ الحقُّ أن يتخطّى سقف الدولة في ما يتعلّق بالسياسة الخارجيّة، وأنّ يكون القرار الأمنيّ والعسكريّ بيد الجيش اللبنانيّ"، وهذا الموقف من 14 آذار، سيجعلُ من مسألةِ تشكيلِ الحكومة، محلّ أخذٍ وردٍّ وصراع، ويتركُ البلاد في حالةِ فراغٍ حكوميّ، وتحوّل حكومة ميقاتي لفترةٍ طويلة "حكومة تصريف أعمال"، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن مطلب جعجع واشتراطاته هو مطلبُ واشتراطات كلّ من الإدارة الأمريكيّة والسعوديّة، وقد تتطوّر الأمور إلى ما هو أخطر من ذلك في حال استمرار الفراغ الحكوميّ، عبر إشعال الثنائي الأمريكيّ السعودي لفتنةٍ في البلاد، قد تتطوّر لحربٍ أهليّةٍ تسهّل التدخّل الخارجي؛ بهدفِ ضرب حزب الله وحلفائه وتجريد المقاومة من سلاحها، لكن ما قد يحول دون إنجاز هذه المهمّة هو أنّ فريق (14) آذار لا يملك القدرة على الدخول في مواجهةٍ مع حزب الله وحلفائه، في حين حزب الله وحلفاؤه يملكون القدرة ويرفضون الدخول في حربٍ أهليّة.