لافتة جداً المشاهد المتواردة من مخيمات اللاجئين في الشتات على أثر جولة قيادة الجبهة الشعبية التي شملت النزول لشوارع وساحات المخيمات، وبشكل خاص عين الحلوة والبداوي ونهر البارد، التي شهدت احتفالات شعبية واسعة بالوفد الزائر، وانشداد ممزوج بالأمل لكلمات نائب الأمين العام للشعبية الرفيق جميل مزهر، أمل من جماهير عريضة كانت الخزان النضالي الأكبر في انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، وأضحت مخيمات مهمشة تعاني الأمرين من أوضاع اقتصادية صعبة، وتهميش واستهداف سياسي متعمد.
أعادت الزيارة إلى عقول الجماهير الفلسطينية في المخيمات مشهدًا رسخ في التاريخ، حين حضر الحكيم جورج حبش قبل ما يقارب الـ50 عامًا، وجال المخيمات في لبنان والتقى جماهيرها وخطب فيها مؤكدًا على الدور المحوري للاجئين في مقارعة الاحتلال والتمسك بالحق الثابت في العودة والتحرير وتقرير المصير، كانت حينها الجبهة الشعبية تتميّز بالدماء الشابة والخطاب الثوري والفعل الصاخب في مقارعة الاحتلال والتصدي لكل محاولات التصفية والاستهداف.
اليوم وبعد كل هذه السنوات، وبالرغم من كل ما مرت فيه الجبهة الشعبية من استهداف وتهميش ومحاولات تصفية ومحاصرة تهدف لإنهاء هذا الحزب الثوري، تطل الجبهة وقد جددت قيادتها وضخت دماءها الجديدة، لتؤكّد من جديد أنها لا تنهض فقط كتنظيم، ولكنها تنهض وتستنهض الطاقات الكامنة في الشعب الفلسطيني، وتعيد البوصلة لمكانها الصحيح، وتبدأ دورتها القيادية الجديدة، وتقدم نائب أمينها العام الجديد في ظهوره الجماهيري الأول من قلب مخيمات الشتات، في مشهد حمل الكثير من المضامين والرسائل الاستراتيجية.
وجه الحراك السياسي والميداني لقيادة الجبهة الشعبية في الشتات ثلاث رسائل مهمة تحمل أبعادًا استراتيجية مركزية تعطي صورة واضحة حول التوجهات القادمة للقيادة الجديدة التي جاء في جزء منها البيان الأول للمكتب السياسي، وفي جزء آخر تحسمه وتوضحه شكل الحركة السياسية والميدانية، وهي كالتالي:
أولاً: أكدت مركزية ملف اللاجئين وأهمية تفعيل دور أكثر من 7 مليون لاجئ فلسطيني، في النضال الوطني الفلسطيني، وما يتطلبه هذا التفعيل من اهتمام وتعزيز للصمود واستحداث أدوات الفعل، والتصدي الحقيقي لمخططات تصفية حق العودة الساعية للتخلص تدريجيًا من عبء اللاجئين سواء عبر تصفية المخيمات كشاهد رئيسي على معاناة ونكبة شعبنا، أو تصفية الأونروا كشاهد سياسي ودولي على هذه النكبة والحق الأصيل لملايين الفلسطينيين في العودة لأرضهم ووطنهم.
ثانياً: الحراك السياسي الذي نفذته قيادة الجبهة الشعبية ومكتبها السياسي بقيادة نائب أمينها العام مع القوى والأحزاب العربية وبشكل خاص اليسارية والقومية، إضافة للقاءات الرسمية مع وزيري الخارجية والتعليم السوريين، يعيد الاعتبار لأهمية استنهاض القوى العربية المقاومة وفي مقدمتها اليسارية والقومية لمواجهة مخططات التطبيع والاستهداف الصهيوني المستمر للوعي العربي، وضرورة تفعيل وتعزيز وتوسيع الجبهة العربية التقدمية لتكون رأس حربة في التصدي للأصوات الاستسلامية والانهزامية وتأمين الظهير العربي المقاوم المساند لشعبنا وحقوقه الثابتة، وهو ما يؤكد ويعزز محورية دور الجبهة ومصداقيتها بل وقدسيتها بتاريخها العريق وفعلها الواضح ومواقفها الثابتة في عقول ووجدان كل عربي حُر، حيث يُشكل هذا الدور اليوم الرافعة الأساسية لاستنهاض هذه القوى وتوحيد فعلها وحضورها لتكون بقدر تحديات المرحلة.
ثالثاً: اللقاءات على المستوى القيادي الأول بقيادة نائب الأمين العام للجبهة الرفيق جميل مزهر مع قادة وأمناء عامون الفصائل الفلسطينية الرئيسية والاتفاق على خطوط عمل وتحرك سياسي وطني يؤكد على متطلبات المرحلة من تفعيل للمقاومة وتعزيزها، وتعزيز أواصر الوحدة الوطنية والتمسك بإصلاح منظمة التحرير وتحريرها من الهيمنة والاستفراد وإعادة الاعتبار للعمل الوطني المشترك بعيداً عن كل سلوكيات التفرد، حيث يؤهل هذا الحضور والتفاعل الواسع والوزن السياسي المميز قيادة الجبهة إلى التقدم للدور المحوري في تجميع الصف الفلسطيني وتعزيزه وتمتينه بما يوازي طموحات وتطلعات الشعب الفلسطيني، ويوازي أيضاً حساسية المرحلة وأهميتها في التصدي للمخططات التصفوية واستعادة المشروع الوطني الفلسطيني كمشروع تحرير وليس مشروع لاهث خلف صيغ حكم ذاتي أفرغت القضية الفلسطينية من مضمونها لصالح مؤسسات سلطوية شكلية سيئة الصيت والسمعة والفعل.
هذه الرسائل وغيرها الكثير حملته هذه الجولة المميزة والإطلالة الموفقة لقيادة جديدة تتمتع بحيوية واقدام الثائرين، وعنفوان المناضلين، في حزب يقوده الأمين العام الذي يمثل أسطورة في الصمود والتضحية والاقدام ويحول كل ساحة إلى ساحة للمواجهة والمقاومة، الأسير الصلب والقائد الفذ أحمد سعدات، ويحمل رايته وبرنامجه رفاقه الأوفياء لنهج حمل في تاريخه أطهر المواقف وأخلصها، عمدها بدماء الشهداء الذين تقدمهم الأمين العام السابق أبو علي مصطفى ، الذي حمل الراية بعد حكيم الثورة ومنارتها المؤسس جورج حبش القائد الأول للمسيرة والتأسيس ومنارة الثوريين الذي حجز اسمه وموقعه في التاريخ هو ورفاقه بفعلهم الذي ملئ العالم صخباً حول الحق الفلسطيني وفرضه بعنفوان الثوريين على أجندة كل العالم.
بالتأكيد لا تكفي الكلمات ولا الأمل ولا حتى الرسائل حتى تُنجز أي قيادة مهمتها، فالأمل الذي انبعث في مخيمات اللاجئين، والحراك السياسي الواسع على المستويين الفلسطيني والعربي، يحتاجون إلى استكمال ليقترن هذا الأمل بالعمل الجاد والحقيقي الذي يتطلب طاقات جبارة أثق تمامًا أنّها موجودة وبقيادة ربان ماهر، تحتاج إلى الحفر في الصخر ليتحوّل كل مستحيل إلى ممكن، وكل ممكن إلى واقع، لتعود الحيوية والبريق للقضية الفلسطينية ومشروعها الوطني ولتكون الجبهة الشعبية هي طليعة الاستنهاض والتقدم على كل المستويات، كفاحيًا، سياسيًا، اجتماعيًا ونقابيًا، بما يتلاءم مع الحاجة المُلحة وطنيًا وقوميًا لهذا النهوض.