Menu

قراءة في الخطاب العربي.. عن الأزمة والقطب اليساري العربي الثالث

غازي الصوراني

تستهدف هذه الورقة، التعرف على كيفية مقاربة الفكر العربي المعاصر لطبيعة الأزمة الشاملة التي تواجهها المجتمعات العربية، حيث تبين لنا أن الخطاب العربي عن هذه الأزمة قد توزع على اتجاهات رئيسية ثلاثة، ركز الأول منها على الدولة، وركز الثاني على المجتمع، بينما ركز الثالث على الفكر والثقافة.

غير أنه يلاحظ بداية، بأن المفكر العربي، الباحث عن هذه المخارج والحلول، لم يعد في الغالب، واثقاً، كل الثقة، في ضوء الأوضاع العربية السائدة اليوم، من قدرة العرب على تجاوز هذه الأزمة، فالمفكر القومي المخضرم قسطنطين زريق يتساءل في حديثه "إلى الأجيال العربية الطالعة": "هل ثمة جدوى من العمل في سبيل قضايا يبدو إنها فاشلة حتماً؟ وهل ثمة بديل ثابت وواضح للإحباط والهروب؟"، إلا أنه لا يجد مفراً، على الرغم من ذلك، من حث المعنيين بالمستقبل العربي على تحري "امكانات" الأمل الحافز و "احتمالات" العمل المجدي. أما فهمي جدعان فيعتبر، في كتابه "الطريق إلى المستقبل"، أن الأمل الفسيح والرجاء الواثق "أمران غير مسوغين بإطلاق"، وذلك لسبب بسيط هو "أن واقع الأحوال الذي نحيا لا يسوغ قليلا أو كثيرا مثل هذا الأمل الفسيح والرجاء الواثق"، ومع ذلك، فهو يرى بأن "نداء الواقع" و "قوة الدافع" يفرضان على العرب أن يكونوا "مسكونين بالأمل متحركين بالرجاء". غير أن محمد عابد الجابري يتميز عن غيره من المفكرين الذين بحثوا، في السنوات الأخيرة، في الأزمة العربية، بدعوته الصريحة، في مراجعته النقدية ل "المشروع النهضوي العربي"، إلى التخلص من "الإحباط" ومن "أيديولوجية الإحباط"، التي يرى فيها "أيديولوجية التنظير للهزيمة والسقوط"، وعليه، فالموقف السليم، في نظره، هو الموقف الذي ينظر إلى الأمور "نظرة نسبية تاريخية" ويفكر في العرب من زاوية "الإرادة في التغيير"، وفي "تشييد المستقبل العربي"، ولكن إذا كان على الإنسان العربي أن يتخلى عن أيديولوجية الإحباط وأن يبقى متشبثاً بالأمل في إحداث التغيير، فمن هي القوى الفاعلة اليوم على مسرح الأحداث السياسي، والمؤهلة لتحمل مسؤولية إنجاز هذه المهمة؟

فالقوى القومية والاشتراكية اليوم، بعد أن وصلت مشاريعها التغييرية إلى طريق مسدود، في أزمة، تمثل مظهراً من مظاهر الأزمة العربية العامة وأزمة السياسة والعمل السياسي على وجه التحديد، ولن يكون في وسعها، قبل أن تقوم بإعادة تكوين نفسها وتجديد برامجها، والاضطلاع بهذه المهمة.

ويتوقف سمير أمين في كتابه "في مواجهة أزمة عصرنا"، بشكل خاص، عند الأزمة التي يواجهها اليسار العربي، فيعتبر أن تبلور السمات الجديدة للنظام العالمي قد أدى "إلى تآكل تدريجي لوسائل نضال اليسار التقليدية"، كما ظهرت نقاط ضعف واضحة في النظرية الماركسية، تمثلت، بوجه خاص، في نقاط ضعف تحليل المادية التاريخية" هو تحليل ركز على الوجه الاقتصادي للمشكلة الاجتماعية على حساب الأوجه الأخرى، وخاصة نظرية السلطة وفعل العوامل الثقافية، ومنها العقائدية الدينية". ومن ناحية أخرى، تجلى القصور على نظريات اليسار في الدور الذي لعبه في إشاعة أوهام "التنمية" في إطار مشروع "برجوازي وطني يرمي إلى تكملة الاستقلال السياسي بالتحديث المجتمعي والتصنيع الاقتصادي"، وهو ما جعله يتحول إلى "ذيل" لنظم الحكم الوطنية، متنازلاً بذلك عن "موقفه التقليدي كممثل للطبقات الشعبية والمدافع عن مصالحها إزاء الحكم ليصبح جناحاً من النظام نفسه".

كيف يُنظر إلى جماعات الاسلام السياسي اليوم؟

ويتفق الباحثون والمفكرون العرب، عموماً، على أن الأزمة التي تواجهها المجتمعات العربية، هي التي هيأت الأرضية الملائمة لبروز الحركات الإسلامية السياسية، بهذا الزخم، على مسرح الأحداث السياسي في العالم العربي، إلا أن كل واحد منهم، ووفقا للنموذج التحليلي الذي اعتمده، يعطي تفسيره الخاص لهذه الظاهرة ولما تحمله من أبعاد.

فبرهان غليون، الذي يتبنى، في كتابه "المحنة العربية، الدولة ضد الأمة"، نموذجاً تحليلياً قائماً على قاعدة الانفصال بين الدولة "التحديثية" والمجتمع، يرى بأن ما يميز الإسلامية السياسية المعاصرة عن الإسلامية الإصلاحية، التي كانت تجعل من إصلاح المجتمع، كدين وأخلاق وتعليم وأدب، محور اهتمامها، هو موقف من السلطة وإيمانها بأن إصلاح المجتمع يمر عبر إصلاح الدولة، وأن تطبيق الشريعة، كقانون دولة، هو جوهر الإصلاح السياسي.

غير أن عزيز العظمة، الذي يتبنى، نموذجاً تحليلياً قائماً على رفض فكرة الانفصال بين الدولة العربية الحديثة والمجتمع، فهو يرد الأمر ليس إلى "تحديث" أو "حداثة" هذه الدولة، ومرجعيتها "الغربية"، وإنما إلى ما يسميه بظاهرة "تمشيخ" الدولة الوطنية، التي حاربت هذه الجماعات "أمنياً" ورعتها في "أنظمة الإعلام والتربية"، وكذلك إلى تنامي نفوذ وتأثير "الإسلام النفطي" ولا سيما في ميدان الإعلام والتربية.

أما فهمي جدعان، فيربط بروز الحركة الأصولية الإسلامية ب"أزمة الآفاق المسدودة" التي تواجهها المجتمعات العربية، في ظل غزو "النزعة الذرائعية البرغماتية" جميع مناشط الحياة العربية وقطاعاتها.

ويعتقد محمد عابد الجابري، أن الإسلام السياسي لا يمثل ظاهرة جديدة على الحياة العربية، بل هو يرجع إلى محاولة جمال الدين الأفغاني في القرن الماضي توظيف الدين في السياسة. وفي نظره، فان الجماعات الإسلامية الناشطة اليوم تقوم على قاعدة هذا "الانشطار العمودي" الذي تعاني منه المجتمعات العربية في الحقل الثقافي، وقوامه وجود ثقافتين مختلفتين ونخبتين متدافعتين، واحدة تتخذ الثقافة الأوروبية المعاصرة مرجعية لها، والأخرى تتمسك بالثقافة العربية الإسلامية.

وفي الواقع، فإن عودة جماعات الإسلام السياسي، بزخم كبير، إلى مسرح الأحداث السياسي في العالم العربي –بعد أن كانت قد انكفأت على نفسها زمن المد القومي والاشتراكي في الخمسينات والستينات- كان نتيجة تضافر مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، التي لا يمكن ان يحيط بها نموذج تحليلي واحد. ومن بين هذه العوامل، سيادة الاستبداد وافتقاد الحريات، وتعثر مشاريع التنمية، وتنامي الاستقطاب الاجتماعي، وانتشار الفساد، وتوسع مساحات الفقر وتفاقم البطالة وتراجع فرص العمل، وتنامي الشعور بالإحباط خصوصاً في ظل أزمة الأيديولوجيات التغييرية القومية والاشتراكية. ومهما يكن، لا بد من القول، تعقيباً على الأفكار التي عرضناها أعلاه، أن الإسلام السياسي المعاصر، الذي برز في مطلع ثلاثينات هذا القرن مع تشكل جماعة الإخوان المسلمين، لا يمثل أبدا، وخلافاً لما يراه محمد عابد الجابري امتداداً لتيار الإصلاح الديني الذي أطلقه الأفغاني في النصف الثاني من القرن الماضي وواصله من بعده الإمام محمد عبده، بل يعّبر –أي هذا الإسلام السياسي المعاصر- في منطلقاته وتوجهاته وأهدافه عن قطيعة مع تيار الإصلاح الديني.

ومهما يكن، وبغض النظر عن التباين الظاهر في الموقف من العوامل التي ساعدت على تنامي حجم ودور جماعات الإسلام السياسي، يظهر، بين الباحثين والمفكرين العرب، ما يشبه الإجماع على أن هذه الجماعات لا تقدم حلولاً واقعية للأزمة العامة التي تواجهها المجتمعات العربية.

فبرهان غليون، الذي يقدر بأن ظهور هذه الجماعات قد ساهم في تنشيط الحياة السياسية العربية، يعتقد انه من المبكر الحكم على مستقبل تيار الأصولية الإسلامية، وعلى إذا ما كان قادراً على التحول إلى "عقيدة جماهيرية مهيمنة"، على اعتبار أنه ما يزال أمامه عقبات كثيرة يلزمه تجاوزها بصورة ايجابية، في مقدمتها "النجاح في بلورة مفهوم الديمقراطية الاسلامية،  وصوغ استراتيجيات مقنعة وناجعة للتنمية، وإبداع سياسات عقلانية أو واقعية، إقليمية عربية ودولية، بينما يرى هشام شرابي، في كتابه "النظام الأبوي وإشكالية التخلف العربي" أن الأصولية الإسلامية لن تقوى على توفير علاج ناجح للفوضى التي تتحكم بالمجتمعات العربية "الأبوية"، وذلك لأنها "مثالية" ، ستكون حلولها بالضرورة "سلطوية ومرتكزة إلى عقيدة وسبل جبرية مطلقة"، وهي وإن بدت على أنها قوة "محررة"، إلا إنها "في صميمها قمعية حتماً"، وستلجأ إلى "فرض نظام أبوي سلطوي يقوم على أيديولوجيا غيبية دينية"، جازماً بأنه متى تسلم الأصوليون زمام السلطة، فإنه سوف "تستثني أية إمكانية لقيام أي نوع من النقاش أو الحوار الديمقراطي".

وكما يؤكد حكيم بن حمودة فإن الجماعات الاسلامية، تحولت اليوم إلى حركات سياسية خالصة، بحيث صار من المشروع مساءلتها عن برامجها وعن قدرة مقترحاتها على تقديم حلول مقنعة للأزمة التي تواجهها المجتمعات العربية، فهذه الجماعات تبدو قوة احتجاج سلبية من دون أن تكون قادرة على بلورة مشروع مجتمعي بديل. ويتفق سمير أمين مع هذا الرأي، فيعتبر أن حركات الاسلام السياسي، تجسد اليوم اتجاه رفض سلبي "لا يقدم بديلا ايجابياً على مستوى تحديات العالمية"، حيث يقوم المشروع الذي تتبناه "على ثلاثة أعمدة، هي:

 أولاُ: إلغاء الديمقراطية، التي لم تتجاوز إلى الآن (في البلدان العربية) حدود الديمقراطية الليبرالية المزعومة المقصرة والمرتبطة بالكومبرادورية الفاسدة.

 ثانياً: احلال خطاب أيديولوجي شمولي محلها (ينتهي إلى) خضوع شكلي لطقوس "دينية" لا غير.

ثالثاً: قبول الانفتاح الكومبرادوري الشامل على الصعيد الاقتصادي.

غير أن سيادة ما يشبه الإجماع على أن جماعات الإسلام السياسي لا تملك حلولا واقعية للأزمة لا يعني وجود اتفاق بين هؤلاء الباحثين والمفكرين حول كيفية التعامل مع هذه الجماعات التي دخلت، غالباً، في مواجهة مفتوحة مع الدولة. فهناك من يرى أن المصلحة العربية تقتضي وضع حد للمواجهة المفتوحة الدائرة بين هذه الجماعات والدولة من خلال إخراج الدين من حالة "الأزمة" واسترداد "حالة اليسر والرحمة"، وكذلك من خلال العمل على تبديل "سحنة" الدولة العربية لتصبح دولة حديثة حقاً "تأمر بقيم الحرية والعدالة والمساواة والقانون". وفي المقابل، فإن هناك من يشدد على ضرورة رفض التعامل والحوار مع هذه الجماعات، وذلك بغض النظر عن الاختلافات القائمة بينها، معتبراً أن التطرف والاعتدال، في إطار الأصولية، يلتقيان في سياقاتهما الثقافية والاجتماعية، بينما هناك من يرى في "النخبة العلمانية طرفاً مشاركاً في تحمل مسؤولية تأجيج "النزاع الاهلي "الذي تشهده المجتمعات العربية حالياً".

ويعبر سمير أمين عن موقف متميز تجاه هذا الموضوع، فهو، إذ ينطلق من أن التعارض بين نظم الحكم "الكمبرادورية" وبين الحركات الإسلامية هو في الواقع "تعارض جزئي خفيف، لا يعدو أن يكون سباقاً على الحكم دون نية في تغيير جوهر السياسة المتبعة"، يرى أن تحالف اليسار العربي مع أنظمة الحكم، أو مع المعارضة الإسلامية، لن يكون له سوى نتيجة واحدة وهي تأجيل إعادة تكوين هذا اليسار وعرقلة عملية بناء القوى الشعبية القادرة على الاضطلاع بمهمات التغيير. ففي نظر المفكر الماركسي، سيؤدي تحالف اليسار مع نظم الحكم القائمة الى اضعاف مصداقيته في وقت تبدو فيه هذه النظم نفسها "غير قادرة ولا راغبة في "تصفية" الإسلام السياسي، بل تنوي "استيعابه" من خلال المزايدة الخطابية على الأرضية نفسها، والتنازلات التي تفتح أبواب الحكم للرجعية باسم الدين". أما بخصوص احتمال تحالف اليسار مع جماعات الإسلام السياسي، فان سمير أمين، إذ لا ينفي حقيقة أن الاسلام السياسي هو غير متجانس، بل ينقسم إلى جناح "يميني سافر كومبرادوري الطابع مدعوم من نظم الخليج" وجناح "يساري" يعبئ في صفوفه شباباً ثائراً، فهو لا يرى تناقضاً موضوعياً حقيقياً بين هذين التيارين، بل "تقسيم للعمل بينهما، ولو دون وعي من قبل الشباب الثائر... فالأيديولوجيا هي المرجع الرئيسي لدى الطرفين، أي إلغاء الديمقراطية وإقامة نظام شمولي باسم الدين والانفتاح الاقتصادي الرخيص".

أين تكمن الطريق إلى المستقبل؟

ولكن إذا لم تكن جماعات الإسلام السياسي مهيأة للعب دور "المنقذ"، وإذا كانت برامج ومشاريع القوميين والاشتراكيين التغييرية قد وصلت إلى طريق مسدود، فاأن تكمن إذن الطريق إلى مستقبل عربي أفضل؟

في الإجابة عن هذا السؤال، من الممكن أن نرصد، وفقاً للنماذج التحليلية، طرقاً عديدة مقترحة، لتجاوز هذه الأزمة، كطريق النهوض الحضاري، وطريق إنهاء القطيعة بين الدولة والمجتمع، وطريق القضاء على "النظام الأبوي"، وطريق تكريس العلمانية وفصل الدين عن الدولة، وطريق إعادة إحياء اليسار وإحياء مشروعه التغييري. ورغم تعدد هذه الطرق، إلا أنه يلاحظ عموماً، في الكتابات الفكرية العربية التي تصدت في السنوات الأخيرة لمسألة الخروج من الأزمة، توجه للعودة إلى مفهوم الإصلاح، والتخلي تالياً عن مفهوم الثورة، ودعوة إلى إعادة النظر في الموقف من السلطة والتعامل مع عملية التغيير بوصفها أحد أبرز "مفاتيح" حل مشكلات الواقع العربي، ومحاولات للبحث عن طرق ومضامين جديدة للوحدة، وتأكيد على الدور الرئيسي الذي يمكن للمثقفين العرب الاضطلاع به، راهناً، ضمن المساعي المبذولة للخروج من الأزمة.

قسطنطين زريق، يرى بأن طريق العرب للخروج من الأزمة يمر عبر "تنمية القدرة الذاتية العربية ومضمونها الحضاري"، وهو ما يتطلب تغييراً أساسياً وجذرياً، في المجتمعات العربية، بالاستناد إلى قدرتين أساسيتين مترابطتين هما: العقلانية، والخلقية، التي تقوم على مبدأ أولي هو الاهتمام بالآخر فوق وقبل الاهتمام بالذات. أما الوسيلة لإنماء العقلانية الأخلاقية فهي التربية الإصلاحية، ويتفق فهمي جدعان مع قسطنطين زريق على إبراز أهمية الجانب الاخلاقي، فيرى أن كل القرائن تشير إلى أن "السياسي"، برغم أهميته القصوى، قد "جار جوراً عظيماً على الاجتماعي والأخلاقي حتى كاد أن يغيبهما تماماً"، أما ممثلو الاتجاه الذي ينطلق من فكرة القطيعة القائمة بين الدولة والمجتمع، فيرون المخرج في إنهاء هذه القطيعة، ويعبر عن ذلك برهان غليون بقوله: إنه لا يمكن لمسار التحديث والإندراج في الحضارة أن يستقر وينطلق إلا عندما تنجح المجتمعات العربية في السيطرة الحقيقية على الدولة، أي في القضاء على "الطابع الاستلابي" لها وتطوير وظيفتها "كأداة شرعية، من جهة، وعاملة على تجسيد وتنظيم الإدارة الجماعية، من جهة ثانية"، وهو ما لن يتحقق، في تقديره، إلا بعد "منع احتكار السلطة والثروة، المادية والثقافية"، من قبل فئة أو فريق أو طائفة اجتماعية، وبناء النظام الذي يتيح أكثر ما يمكن من الحراك الاجتماعي وتداول السلطة الاقتصادية والسياسية والرمزية".

ويرى خلدون حسن النقيب، من جانبه، أن الخيار الحقيقي، كخطوة أولى، لا يكمن في تقوية الدولة أو إضعافها بقدر ما يكمن في "منعها من التحول إلى شريك في استباحة الإمبريالية مصالح السكان وموارد المجتمع"، داعيا إلى العودة إلى الجماعة وأساليب التعبير "الجمعية" على حساب تدخل الدولة المركزية وتقنينها الهائل لوسائل التعبير الثقافي.

بينما يؤكد هشام شرابي، أن التغلب على النظام الأبوي المستحدث، واستبداله بمجتمع حديث يمران عبر تغيير جذري لن يحصل "بضربة عصا سحرية"، بل يتحقق عبر مراحل، معتبراً أن الثورة "الحقيقية"، في العصر الجديد، هي "ثورة النفس الطويل"، وأن ربط التحرر بعملية الاستيلاء على السلطة، عبر الثورة "التقليدية"، لم يعد ضرورياً، وذلك لأن السلطة "لا تنوجد في أشكالها المرئية والتقليدية فحسب، بل أنها قائمة ضمناً ومنتشرة في شبكة علاقات تمحي فيها الفاعلية الذاتية، وتتجسد في أنماط فكرية وممارسات اجتماعية محددة". ومن هذا المنظور، لا يعود التحرير، أي "التحول الديمقراطي"، عملية تحدث دفعة واحدة، بل يكون محصلة سياق طويل من التبدل والتغيير في مجالات ثلاثة: في البنية التحتية المادية، وفي المؤسسات الاجتماعية، ولا سيما في تركيب الأسرة الأبوية، وفي الممارسة السياسية، معتبراً أن تبني مضامين قانونية تنبذ العنف، وتطمح إلى إجراء حوار سياسي مع السلطة، هو "الوسيلة الفعالة في هذه المرحلة للحد من استبداد السلطة وأنسنه العلاقات الاجتماعية، وضمان الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى راسها قضية تحرير المرأة".

المفكر التونسي هشام جعيط اعتبر أن "المهمة العاجلة" تتمثل في تخليص المجتمع من سيطرة الدين، أو بالأحرى من "المحتوى المؤسساتي الإسلامي المرتبط بعصر مضى"، وتحديد علمانية "جديدة في اسلوبها" و"غير معادية للإسلام"، تقوم على قاعدة الفصل الجذري بين التشريع الديني، من جهة، والمؤسسات الاجتماعية والقانون والأخلاقية الممارسة، من جهة ثانية.

وإذ ينطلق سمير أمين من أن المرحلة الراهنة، التي تجتازها بلداننا العربية، ليست مرحلة "المنافسة من أجل الاستيلاء على الحكم"، وذلك في غياب قوة اجتماعية شعبية تستطيع "أن تفرض نفسها على القوى الأخرى الداخلية سواء كانت تتجلى في نظم الحكم أم في بديل الإسلام السياسي وهما وجهان للعملة نفسها"، فهو يرى أن الخطوة الأولى على طريق الخروج من الأزمة، تتمثل في العمل على إعادة تكوين اليسار وبناء القوى الشعبية، وذلك في إطار عمل طويل النفس يطاول مستويات عدة "من تحديد الأسس الفكرية، وسمات المشروع المجتمعي المطروح كهدف تاريخي، وتحديد المراحل الاستراتيجية للتقدم في الاتجاه المرغوب... والقوى الاجتماعية التي لها مصلحة في انجاز المشروع والقوى المعادية له، ثم اخيرا بناء قواعد العمل المناسبة" . وعند تحديده سمات هذا المشروع المجتمعي المستقبلي، الذي لا يمكن أن يحمل سوى اسم "الاشتراكية"، ينطلق أمين من حقيقة أن الرأسمالية قد أنتجت عالمية، "مبتورة ومشوهة"، لكن رفضها سيعني "الخروج من التاريخ"، بحيث تصبح الامكانية الوحيدة القائمة هي العمل على بلورة مشروع يعمل على تكملة ما بدأت الرأسمالية في تحقيقه في أفق الوصول إلى تجاوزها، مع تركيز النقد بوجه خاص، من زاوية مستقبلية، على مظهرين رئيسين من مظاهرها هما الاستلاب السلعي والاستقطاب العالمي، بحيث تقام مبادئ المشروع الاشتراكي المستقبلي وقيمه على ما حققته الرأسمالية ليس في المجال المادي فقط، بل أيضا في المجالات الأخرى، التي تشمل مفاهيم حديثة مثل مفهوم الحرية الفردية والديمقراطية السياسية" مع السعي، في الوقت نفسه، إلى تطوير هذه المفاهيم وإعطائها "مضمونات أغنى وأقوى وأشمل".

هل تشكل الديمقراطية مفتاحاً لحل مشكلات الواقع العربي؟

الباحثين والمفكرين العرب، الذين تصدوا للبحث عن سبل الخروج من الأزمة العامة التي تواجهها المجتمعات العربية، يتفقون على إبراز أهمية الديمقراطية، إلا أنهم يتباينون فيما بينهم عند تقييم آفاق هذه التحولات ومستقبلها والمعوقات التي تقف في وجهها، برهان غليون يلحظ أن التوجه الديمقراطي لا يزال "هشاً جداً" لسببين: الأول هو أن الديمقراطية "لا تزال شكلية جداً" ومطابقة، في معظم الأحيان، لمفهوم الليبرالية الاقتصادية المنفلتة، بل أنها تبدو بمثابة تكيف مع الظروف الاقتصادية العالمية الجديدة وبالتالي "مفروضة من الخارج". والثاني هو أن الشروط الموضوعية المادية والتنظيمية والعقائدية، تجعل المسار الديمقراطي صعباً ومليئاً بالمخاطر.

ويعرب جورج طرابيشي في كتابه "في ثقافة الديمقراطية"، وتعليقاً على هذا الاهتمام المتزايد بقضية الديمقراطية، عن تخوفه من أن يؤدي التوجه الديمقراطي المتنامي، لا سيما بين المثقفين العرب، إلى تحويل الديمقراطية إلى "أيديولوجيا خلاصية جديدة". معتبراً أن "الاكتشاف" المتأخر لـ "فضيلة" الديمقراطية، من قبل شريحة واسعة من الانتلجنسيا العربية، يجعل هذه الديمقراطية مهددة بأن تتحول إلى أيديولوجيا ديمقراطية بديلة "عن الأيديولوجيا الثورية أو القومية الآفلة شمسها".

بينما يرى البعض الآخر في ظاهرة غياب الديمقراطية على مستوى الأيديولوجيا العربية، بمختلف اتجاهاتها، أحد أبرز معوقات توطين الديمقراطية عربياً، فمنذ بدء اليقظة، يجنح الفكر القومي –كما يرى محمد عابد الجابري- إلى تأجيل الديمقراطية، أولا من أجل الاستقلال، وثانيا من أجل الوحدة، وأخيرا لتحقيق الاشتراكية، أما التيار الماركسي فهو ينظر إلى الديمقراطية بوصفها الوسيلة التي تستعملها البرجوازية لفرض سيطرتها، في حين أن الموقف الحداثي الليبرالي لا يتحمل الديمقراطية إذا كانت تعني "حكم الأغلبية" لأنه يدرك أن الأغلبية ليست له بل هي الطرف الأشد خطراً لأنها الأكثر اضطهاداً واستغلالاً ولن تخسر في نضالها سوى أغلالها، وبالتالي فإن موقف التيار الماركسي هو رفض "الديمقراطية الغربية" (أو ديمقراطية الأقلية القائمة على المنافسة بين الأقوياء، والمطالبة بالديمقراطية الشاملة، السياسية والاجتماعية التي تكفل للأغلبية أن تشق طريقها صوب تحقيق أهدافها ومصالحها).

وهناك من يرى أن العقبة الرئيسية في وجه توطين الديمقراطية في بلداننا تتمثل في "هشاشة" أو "هلامية" القوى الاجتماعية، التي يمكن لها أن ترتكز عليها مسيرة الديمقراطية.

ومن الواضح بأن هناك، في إطار النقاش العربي الدائر حول الديمقراطية، مبالغة في التركيز على العوامل التي يعتقد بانها تعوق توطينها عربياً، فالقول أن الدول العربية ليست مؤهلة بعد لأن تكون ديمقراطية، أو لأن خصوصيتها التي لا تتفق مع الديمقراطية، أو أنها تعاني من مشكلة الأمية أو غيرها من المشكلات، لا يستقيم مع واقع وجود دول، كالهند مثلاً، نجحت في مراكمة تجربة ديمقراطية غنية، فالتحدي المطروح اليوم هو النجاح في اشاعة مناخ ديمقراطي داخل البلدان العربية، والنضال، بصورة حثيثة، من أجل انتزاع وفرض المبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية، بغض النظر عن التباين بين نماذجها المختلفة، وفي مقدمة هذه المبادئ إقرار التعددية السياسية الحقيقية، وإباحة الحريات الفردية والعامة، ولا سيما حرية التعبير والتنظيم والاجتماع، وإجراء الانتخابات الحرة التي تفتح الباب أمام تداول حقيقي للسلطة. أما جماعات الإسلام السياسي فينبغي عليها، أن أرادت أن تكون طرفاً مشاركاً في العملية الديمقراطية، أن تقبل، بصورة لا لبس فيها، هذه المبادئ التي ينظمها، في الواقع، مبدأ عام واحد هو الإقرار بشرعية الاختلاف، وهو مبدأ ليس غريباً على الإسلام، بل شكل القاعدة التي قام عليها تيار الإصلاح الديني الإسلامي. عند توفر هذا الشرط، ستتحول هذه الجماعات إلى ما يشبه أحزاب الديمقراطية المسيحية التي تشكل اليوم مكوناً رئيسياً من مكونات الفضاء السياسي الأوروبي. غير أن تبلور احتمال كهذا، وصولاً إلى انتزاع وتكريس المبادئ الديمقراطية في الحياة العربية، لن يكون ممكناً إلا على قاعدة إنهاء الاستقطاب القائم اليوم بين السلطات العربية من جهة، وجماعات الإسلام السياسي، من جهة ثانية، وذلك عبر تكون قطب ثالث، مستقل تماماً عن هذين القطبين، يساهم في تنشيط العمل السياسي العربي، فالوطن العربي، وكما يكتب سمير أمين، لن يخرج من أزمته "إلا اذا تكون قطب يساري ثالث قوي، مستقل تماماً عن قطب الحكم وعن قطب المعارضة (ممثلة) بالإسلام السياسي"، معتبراً أن إعادة تكوين اليسار الماركسي وإعادة بناء القوى الشعبية، وإنشاء مجتمع مدني صحيح على هذا الأساس، يمثل اليوم "أهم الأهداف المرحلية" و "ركناً أساسياً في عودة الوطن العربي إلى مسرح التاريخ واستعادته طابع الفاعل على هذا المسرح".

لكن يبدو أن عوامل الاستنهاض الثوري الذاتي، في مجمل أحزاب اليسار العربي، باتت اليوم في حالة شديدة من الضعف والتراجع، غير مؤهلة –حتى اللحظة- لبناء القطب الثالث، مما وفر بالتالي فرص تراكم عوامل الأزمة البنيوية الشاملة فيها، وعندئذ لا مجال للحديث عن أي صحوة أو استنهاض.

لذلك، فإن رسم أو وضع تصور لمغادرة الأزمة وتجاوزها، من أجل بلورة القطب اليساري، يجب أن يبدأ أولا عبر المراجعة النقدية لكل مكونات الخطاب السياسي وآليات العمل التنظيمي والكفاحي والمطلبي، طوال العقود الخمسة الماضية، -شرط وضوح الهوية الفكرية الماركسية ومنهجها-، نظرا لأولويتها كحلقة مركزية توفر الأرضية التي تـنبني عليها الحلقات الأخرى (التنظيمية والسياسية والكفاحية والمجتمعية).

إن نقطة البدء لعملية التصدي للوضع المأزوم، والإرتقاء بالعامل الذاتي كعقل جمعي، تتطلب توفير عنصر الوحدة الجدلية بين الوعي والممارسة لدى كل عضو من اعضاء هذا الحزب أو ذاك، خاصة وأننا نعيش اليوم، أمام نتيجة مفزعة تتجلى في هذه الهوة المتزايدة الاتساع بين الجماهير من ناحية وأحزاب اليسار العربي من ناحية ثانية.. أما المعوق الرئيسي في اندماج أحزاب اليسار فيعود الى تشتتها المعرفي ومنطلقاتها المختلفة (ستالينية/ لينين ية/تروتسكية/ماوية) وضرورة توحدها في إطار عام تعددي تحت مظلة الماركسية.

وعلى هذا الأساس، فإنني أدعو إلى البدء في تفعيل عملية الحوار والبحث -بكثير من الهدوء والتدرج والعمق- بهدف ايجاد آلية حوار فكري من على أرضية الحداثة والماركسية، حول كل القضايا السياسية والاقتصادية والمجتمعية القومية والإنسانية، بما يخدم ويعزز الدور الطليعي -الراهن والمستقبلي- لقوى اليسار الماركسي في بلادنا، وبلورة تحقيق القطب اليساري الثالث رغم كل الصعوبات والتعقيدات التي تفرضها الهجمة العدوانية الصهيونية الامبريالية على شعوبنا من جهة، ورغم ما يعتري هذه المرحلة من ادعاءات القوى الرجعية والكومبرادورية والليبرالية الهابطة تجاه ضرورات الماركسية وراهنيتها من الجهة الأخرى.

لذلك يجب أن يعود لليسار دوره الحقيقي، وأن تعود الماركسيّة منهجيّة تحفر في الواقع، وتؤسّس لتجاوزه نحو المستقبل، وتحقيق الأهداف الوطنية والقومية التحررية والديمقراطية الكبرى عبر إسقاط أنظمة التبعية والكومبرادور وتحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بأفاقها الاشتراكية.

نحن معنيّون بتأسيس حركة ماركسيّة عربية جديدة، تعمل لأن تكون قوّة فِعلٍ حقيقية، لكن دون أن نتجاهل دور الطبقات الأخرى والأحزاب الأخرى. لكننا الآن معنيّون بالحوار من أجل أن يصبح نشوء تلك الحركة ممكناً بشرط قوة كل حزب في بلده أولاً، وهذا يفرض المبادرة إلى إقامة العلاقات السياسية والفكرية والتنظيمية بين كافة قوى وأحزاب وفصائل اليسار عبر رؤية ثورية إستراتيجية مشتركة لا تلغي خصوصية أي حزب أو فصيل، بقدر ما تؤكد على أهمية التنسيق والعمل المشترك بما يؤدي إلى تكريس وتقوية العلاقات عبر اللقاءات الدورية (السياسية والفكرية والتنظيمية) بين جميع قوى اليسار، تمهيداً لوحدة الحركة الماركسية العربية وارتباطها الراهن والمستقبلي بالحركة الماركسية الأممية

أما بالنسبة للعلاقة بين الماركسية والقومية فهي ضرورية بالمعنى الموضوعي النظري لمجابهة آثار العولمة الامبريالية وحلفائها قوى الرجعية العربية والعدو الصهيوني، رغم قناعتي ان تطور المسألة القومية ما زال مشدوداً لقوى التخلف والتبعية وال قطر ية والصراعات الاثنية إلى جانب ضعف العوامل الاقتصادية للنضوج القومي العربي التي عرفتها أوروبا، إلى جانب تفاقم الهيمنة الاستعمارية والإمبريالية على مقدرات شعوبنا من خلال قوى طبقية ضمن الأنظمة الحاكمة توافقت تماماً مع الوجود الإمبريالي/الصهيوني ضد أي فكر وطني أو قومي تقدمي أو ديمقراطي. فإذا كنا نسلم بأن الحركة الشيوعية العالمية تعيش اليوم أزمتها، إلا أنها أزمة مرتبطة عندي بعملية النمو والتطور، لأن النظام الاشتراكي العالمي بحسابات التاريخ لا يزال حديث الولادة، بالمقارنة بالنظام الرأسمالي العالمي الذي احتاج أربعة قرون لتثبيت أقدامـه على أرض الواقع، لذلك ليس شاذاً أن يتعرض النظام الاشتراكي العالمي لأزمة نمو بعد انقضاء 100 عاماً فقط على تأسيس أول دولة اشتراكية في التاريخ، فَلَم يعرف تاريخ البشرية حتى الآن ثورة اجتماعية واحدة محصنة ضد الارتداد. إن الثورات الاجتماعية كالبحار يحكمها قانون المد والجزر، ومهما اشتد أو امتد الجزر، فهو لا يعني نضوب مياه البحر، ولذلك فإن إخفاق النموذج السوفييتي للاشتراكية لا يبرر الشطب بالقلم الأحمر على الماركسية اللينينية تماماً، كما أن موت المريض داخل غرفة للعمليات بسبب خطأ الجراح لا يبرر إلغاء علم الجراحة.

حقاً إن الأوضاع والظروف السائدة، لا تبشر بفرص ثورية في الأمد المنظور، ولكن ها هي وقائع الحياة تؤكد لنا أن هناك أسساً موضوعية لإعادة بناء حركة معادية للرأسمالية على النطاق العالمي، وأن هناك إمكانيات واقعية لتحقيق مكاسب جزئية متزايدة في عملية طويلة معقدة عبر مراحل وسيطة متعددة.

وكما قال بحق الفيلسوف الفرنسي غير الماركسي جان بول سارتر، فإن "الماركسية غير قابلة للتجاوز لأن الظروف التي ولدتها لم يتم تجاوزها بعد" ولا زالت البشرية في عالمنا اليوم تعاني من: التفاوت الطبقي، الاستغلال الطبقي، القهر الطبقي، ولم يحدث في تاريخ البشرية أن بلغ الاستغلال والقهر الاجتماعي والإفقار المستوى الذي وصل إليه اليوم، وهو يزداد تعمقاً بفعل العولمة ويصبح تناقضاً بين الرأسمال الدولي والطبقة العاملة العالمية، والماركسية هي النظرية العلمية الوحيدة القادرة على مساعدة البشرية في حل هذا التناقض وإرشاد البشرية في كفاحها للخلاص من الاستغلال الرأسمالي. إن الاشتراكية اليوم ضرورة حتمية لاستمرار الحضارة البشرية، وضمان لا غنى عنه لبقاء الجنس البشري، لذلك فإن المطلوب ماركسية عصرية عبر تجديدها وتطويرها على ضوء الواقع المعاصر بحيث تستجيب لمتطلبات الزمن وخصوصيات الواقع الذي نعيش فيه، ولكي لا تكون الدعوة للتجديد صيحة حق يراد بها باطل ولكي نضمن أن يأتي التجديد: تطويراً في الماركسية لا تطويحاً بالماركسية، وإغناء للماركسية لا استغناء عن الماركسية واجتهاداً في الماركسية لا ارتدادا عن الماركسية، وهذا يعني أن على كل حركات اليسار الماركسي العالمي عموما والعربي خصوصًا أن يدركوا جيدًا أن نظرية ماركس ليس بمستطاع أحد أن يتجاوزها شرط أن نستوعب جيدا أيضا أن فهم ماركس للعالم- كما أكد رفيقه انجلز- "ليس مذهباً.. وإنما هو منهج. فهو لا يعطي عقيدة جامدة، وإنما يقدم نقاط انطلاق لبحث ما هو آت". وكما أكد لينين من بعده على أن: "الماركسية ليست نموذجاً نظرياً للكون، وليست رسماً تخطيطياً ملزماً للجميع، وإنما هي طريقة وأسلوب لإدراك كل ما هو موجود في حركته وتغيره".