اتّسمت ردودُ فعل سلطة أوسلو حتّى اللحظة على قضيّة استخدام مطار رامون بمظهرين بارزين: الأوّل بؤس التصريحات، التي جسّدها وزير النقل والمواصلات في تصريحاتٍ لم تستدعِ إلا السخريّة التي وسمت الردود الشعبيّة العفويّة والناضجة في آن: الأوّل اعتبار تشغيل مطار رامون انتهاك للسيادة الفلسطينيّة. نعم هو قال ذلك: السيادة الفلسطينيّة. والثاني أنّ السلطة ستتخذ إجراءاتٍ عقابيّةً ضدَّ مَن يستخدمُ المطار من الفلسطينيين، علمًا أنّ مكاتب السياحة والسفر بدأت ترتيباتها لنقل المسافرين دون أن تتحرّك السلطة ضدّهم. أمّا الثالثُ فهو ردُّ الوزير على المعايرة الشعبيّة لاستخدام مطار اللدّ لسفر رجالات السلطة ومحاسيبها وكبار التجار، رده باعتبار مطار اللد مطارًا فلسطينيًّا من حقنا استخدامه. من حيث الجوهر لا جديد: فإن تتصدّى لتبرير ما لا يمكن تبريره فأمامك طريقان لا ثالث لهما؛ إما الهروب للأمام والدفاع عن موقفٍ من الصعب الدفاعُ عنه، أو سلوك طريق التصريحات التي لا تستجلب إلا السخرية والتنكيت، هذا حال كل تبريرات السلطة إجمالًا لمواقفها.
أمّا المظهرُ الثاني فهو ما يمكنُ وصفُهُ بصمت المستوى السياسي في السلطة عن التصريحات، ووضع وزير النقل والمواصلات في واجهة الحدث ليتلقى السخرية والتنكيت على تصريحاته، هذا الصمت قد يؤشر، حسبما أشار هاني المصري في مقالته في جريدة القدس اليوم (22/8) إلى صفقة غير معلنة بين السلطة والصهاينة على تشغيل مطار رامون، الأمر الذي تؤكده الصحافة الصهيونية التي اعتادت فضح ما تخفيه سلطة أوسلو؛ ربما تتضمن الصفقة بعض مداخيل التشغيل ولو على سبيل الرشوة، فمن يبتز العمال بدفع 2500 شاقل ثمن إصدار تصريح عمل عبر التنسيق المدني والأمني لن يتورع عن قبول فتات مقابل غض النظر مع إبداء بعض الاحتجاج الخجول والتبريرات المفضوحة والمضحكة.
أما تسجيل موقف (وطني) ضد كل مَنْ ينوي السفر عبر رامون من قبل القوى الوطنية فهو غير مفهوم نهائياً ولا يمكن اعتباره إلا ترديد لموقف السلطة وتسجيل موقف لا أكثر ولا أقل؛ فهذه القوى أولاً لا تنبس ببنت شفة حول سفر رجالات السلطة ومحاسيبهم وأزلامهم وكبار الرأسماليين عبر مطار اللد، وبعض رموز القوى من هذه الفئة أصلاً، فبماذا يختلف وضع مطار اللد عن مطار رامون؟ كلاهما أرض فلسطينية تحت السيادة الصهيونية، كما أن تلكم السيادة تطال المسافرين سواء عبر رامون أو اللد أو معبر الكرامة، فهل السفر عبر اللد أو معبر الكرامة وبموافقة صهيونية وتحت رقابتها وسيادتها يتفق وسيادة السلطة المزعومة فيما السفر عبر رامون ينقض السيادة؟
من الجلي أن تشغيل المطار جاء لإنقاذ العدو من أزمته، وبالتالي استخدامه سيكون مساهمة، لفك جزءاً من تلك الأزمة، ولكن تشغيله أيضاً سيمس بالعلاقات التاريخية على المستوى الشعبي بين الشعبين الفلسطيني والأردني، وهذا الأهم؛ علماً أن العلاقات العائلية والتجارية بين ضفتي النهر متشابكة لدرجة يصعب تصور انفكاكها.
من المفهوم أن يتخذ الأردن موقفاً ضد تشغيل مطار رامون؛ فالسلطات الأردنية تجني الملايين سنوياً من سفر ما يُقدر بمليوني فلسطيني عبر مطار الملكة علياء، كما للمتنفذين في سلطة أوسلو (جماعة الجمعة المشمشية) أن يغضبوا أيضاً؛ إذ سيحرمون من ضريبة الخروج، وهي أغرب ضريبة يمكن لدولة أن تفرضها على مواطنيها، وهذا ما يحمل على الظن، الظن فحسب، بأن تشغيل رامون قد يكون بموافقة فلسطينية مع (تعويض ما) عن خسارة ضريبة الخروج. إذا كان صحيحاً أن بعض الظن إثم؛ فالصحيح أيضاً أن من بعضه الآخر حسن الفطن. وعليه؛ إذا كان من المتفهم عدم الاستجابة لمخطط الاحتلال بتحويل وجهة السفر باتجاه رامون كمطلب صهيوني، فمن المطلوب وبشكل ملح أيضاً دعوة السلطات الأردنية، بوضوح ودون لبس، لتحسين ظروف السفر والمعاملة على الجهة الأردنية وهي ظروف ومعاملة حازت على الكثير الكثير من الاستهجان والتذمر الشعبي في الآونة الأخيرة، كما ويجب دعوة السلطات الأردنية بوضوح إلى إلغاء القوائم السوداء التي تمنع آلاف المواطنين الفلسطينيين من السفر عبر الأردن حتى لو مروراً تجاه مطار الملكة علياء. ويبقى المطلب الذي يجب رفعه في وجه سلطة أوسلو بوقف الضريبة النهبية المسماة ضريبة المغادرة؛ تلك خطوات ينبغي اتخاذها دونما إبطاء وهي خطوات تخدم العلاقة بين الشعبين بدل الضجيج الفارغ من قبل سلطة أوسلو حول السيادة في ظل استعمار يفرض سيادته بكل عنجهية وصفاقة، لن ينهيها التصريحات بقدر ما تستوجب نضال طويل وجذري.
بقي القول: أن تصريحات مسؤولي سلطة أوسلو وضجيجها، وحتى بيان القوى الوطنية، لن يجد في أوساط الشعب أي تفهم على الإطلاق؛ فهؤلاء آخر مَن يتحدث عن السيادة.