Menu

سيف السلطان وذهبه: الخلاف السعودي الأمريكي إلى أين؟

بن سلمان وبايدن

خاص بوابة الهدف

مساعي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإدارة حرب عالمية مصغرة لتحطيم روسيا والسعي للحفاظ على الأسواق من الانهيار أو الركود، يبدو أنها تواجه متاعب حقيقية من الحلفاء كما الأعداء، وآخرها قرار مجموعة أوبك بلس بخفض الانتاج اليومي للنفط بمعدل ٢ مليون برميل.

تجاهلت مجموعة أوبك بلس مناشدات الإدارة الأمريكية لحلفائها المهيمنين على المنظمة بضرورة عدم خفض الانتاج مسجلةً أكبر خفض منذ بدأ أزمة جائحة كوفيد ١٩، وقد تجاهل تحالف أوبك بلس -الذي يضم أعضاء منظمة أوبك وشركاءهم ومن بينها روسيا- مناشدات البيت الأبيض لمواصلة ضخ إمدادات النفط، وقرر خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميًا، وهو أكبر خفض منذ تفشي كوفيد-19 عام 2020.

التداعيات الاقتصادية المباشرة لقرار أوبك بلس هي استمرار معدلات التضخم في الارتفاع، وزيادة في غلاء الأسعار كنتاجٍ لزيادة أسعار النفط ودورها في زيادة اسعار الانتاج والنقل والعديد من الخدمات.

إذا كانت العوامل الاقتصادية البحتة تمثل ازعاجًا لإدارة بايدن التي تحاول منع اتجاه اقتصادها نحو الركود، فإنّ دور القرار في عرقلة حملة تحطيم روسيا التي تقودها الولايات المتحدة هو ما يثير غضب أمريكي استثنائي عبر عنه أعضاء في الكونغرس من كلا الحزبين.

السعودية هي وجهة هذا الغضب، حمّلها بايدن المسؤولية عن ارتفاع أسعار النفط، وصرح منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي في ١١ أكتوبر الجاري، أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن سيعيد تقييم علاقات بلاده مع السعودية، بعد إعلان مجموعة "أوبك بلس" لمنتجي النفط مطلع الشهر خفض الإنتاج بمقدار أكبر من المتفق عليه.

بالنسبة للولايات المتحدة نفط أغلى ثمنًا يعني مزيد من الأموال التي ستدخل للخزينة الروسية، وثغرات اضافية في أطواق الحصار التي تحاول ضربها على روسيا.

السعودية ردت على سيل الاتهامات بانحيازها لروسيا في الصراع الجاري، حيث نفى وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير أن تكون بلاده تهدف إلى إلحاق الضرر بالولايات المتحدة من خلال خفض إنتاج النفط، وفي مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأميركية، أكد الجبير أن الرياض وواشنطن ترتبطان بعلاقة إستراتيجية منذ 8 عقود.

وأضاف "السعودية لا تسيّس النفط ولا القرارات المتعلقة به. فالنفط ليس سلاحًا ولا طائرة مقاتلة ولا دبابة، بل هو في نظرنا سلعة مهمة للاقتصاد العالمي الذي لنا فيه حصة كبيرة"، كما صرح وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان شقيق ولي العهد، أن دوافع القرار اقتصادية بحتة.

عوامل تأزم العلاقة

تتجاوز العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة مستوى التحالف بكثير، بل ويمكن القول إن الولايات المتحدة وسياساتها عامل مهم في تشكيل الواقع السعودي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وحتى أن العلاقة بين الولايات المتحدة كقوة مهيمنة والسعودية كمصدر للطاقة والمال قد أسهمت في تشكيل عالم اليوم منذ منتصف القرن العشرين.

قرار كهذا من المؤكّد أنه يعني ضخ مزيد من المال للخزينة السعودية، وفي بلد يعتمد على تصدير النفط كمصدرٍ أساسي لإيراداته، يعتبر سعر النفط عامل أساسي في حدوث فائض أو عجز في الموازنة، وتسعى السعودية لتعويض خسائر بمليارات الدولارات تسببت فيها حربها على اليمن، وأيضًا توفير سيولة نقدية لمشاريع التحول العملاقة التي تنص عليها رؤية ولي العهد السعودي.

لكن العامل الاقتصادي لا يفسر التعقيد المتزايد للعلاقة السعودية الأمريكية، فمنذ استلام ولي العهد السعودي للسلطة الفعلية في البلاد بدعم من إدارة دونالد ترامب، رأى فيه الحزب الديمقراطي الأمريكي طرف في اللعبة السياسيّة الأمريكيّة الداخلية، وقدم جو بايدن تعهدات في حملته الانتخابية بمتابعة ملف ممارسات ولي العهد السعودي وخصوصًا قضية اغتيال خاشقجي وهي تعهدات وإن لم تأخذ طريقها للتنفيذ إلّا أنّها أبقت العلاقة بين الطرفين موضع لاختبارات عدة، أبرزها موقف الادارة الأمريكية من حاجة بن سلمان لتسهيل استلامه للسلطة بشكلٍ رسمي والاعتراف به كرأس لنظام الحكم في بلاده حتى قبل وفاة والده، وهو ما يبدو أنه موضع لمساومة بين الطرفين، خصوصًا أن ادارة بايدن تتلكأ في منحه "حصانة رئيس دولة" تمنع القضاء الأمريكي من مسائلته في العديد من القضايا التي رفعها ضده معارضون سعوديون في الولايات المتحدة.

أيضًا لا يمكن قصر الأمر على المساعي الذاتية لولي العهد، حيث يفسر العديد من المتابعين السياسات السعودية باعتبارها تلمس لتآكل في سلطة الإمبراطورية الأمريكية، يقود لجنوح الحلفاء لبحث خيارات المداورة في سياساتهم والانفكاك الجزئي عن التبعية المطلقة لها.

عامل آخر يبدو على المحك في تشكيل السياسات السعودية تجاه ادارة بايدن وهو اتجاه الادارات الديمقراطية للاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، ما يعني فعليًا رفع العقوبات عن طهران ومنحها دفعة كبرى في موقعها الاقليمي الذي طالما تبنت السعودية سياسات مناوئة له بدفع من الإدارات الأمريكية السابقة.

من المبكر كثيرًا النظر للأزمة الحالية باعتبارها خروج سعودي من المظلة الأمريكية، فالمملكة فعليًا تحتاج الحماية الأمريكية، وليس المقصود لوجودها أو حدودها كدولة، لكن لما مثله نظام حكمها وسياساتها، وبكثير من الحذر يمكن التعبير عن مظاهر التمرد في السياسات السعودية تجاه الولايات المتحدة، باعتباره مسعى لاستعادة العلاقة لمسارها السابق، حيث تمثل الولايات المتحدة المركز المهيمن والسيف الحارس للحلفاء، فيما تقوم السعودية بدورها في قطاع النفط والاقليم، مسار وتوزيع للأدوار يبدو أن السعودية ترى أنّ الولايات المتحدة وخصوصًا الادارات الديمقراطية الأخيرة تتراجع عنه.