Menu

عن البطولة الفردية والشرعية الكفاحية

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

تستعيد فلسطين شيئًا كثيرًا من صورتها، مع تلك البطولات الاستثنائية الفردية والجماعية التي تجلت في المشاهد التي رأيناها بأم أعيننا لأبطالها من نشأت ملحم إلى رعد خازم إلى عدي التميمي، مرورًا بإبراهيم النابلسي وتامر الكيلاني ووديع الحوح ورفاقه، ومن سبقهم ومن سيلحقهم من الشهداء، وفي القلب منها البطولات التي جسدتها كتيبة جنين وعرين الأسود، والتي هي مدعاة للفخر والاعتزاز والانحناء بكبرياء لهم؛ فهم تعبير مكثف عن الشرعية الكفاحية، التي تشكل ناظمًا لوعي الشعب الفلسطيني، الذي يتقدم الصفوف عندما تتأخر "مؤسساته وتنظيماته"، وبكلمة أدق هو تعبير عن النفسية الكفاحية المتأصلة في الذهنية الشعبية عمومًا، رغم كل محاولات التجويف والتجريف والإنهاك والإفساد والإفقار والتزييف والتزوير الممنهج الذي يمارس منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة؛ إنه "الجنون" الجميل الذي عبر عنه الضمير الجمعي الفلسطيني؛ جنون هو مزيج من إهانة وكرامة وقضية ذبيحة؛ يرافقه حس عميق بالواجب المطلوب ووقوع اللحظة، حيث للقناعات والذهنية أن تُختبر.

لا تناقض بين إرادة الفدائي الفلسطيني في القتال، وبين إرادة الفدائي الفلسطيني في التنظيم لمجموع مقاتل، ولكنه اختلاف في ظرف الزمان والمكان والمرحلة، فأولئك الرواد من القادة الذين أسسوا فصائل العمل الوطني، امتلكوا إرادتهم الفردية واجتمعوا على الفعل الجماعي المنظم؛ مدشنين أدوات منظمة لخوض المعركة مع العدو الصهيوني؛ قادرة على جمع الطاقات وتوحيدها، وبناء الوعي، وتحليل الواقع، واتخاذ ما هو ضروري من إجراءات لتغييره، كان وما زال على رأسها الفعل الكفاحي المسلح بحواضن جماهيرية وبنى تنظيمية قادرة على تطويره وحمايته.

إن تعطيل قدرة الأجسام الفصائلية المنظمة على الفعل في بقعة أو أخرى، لم يُسقط إرادة الكفاح والقتال عند الفرد الفلسطيني، بل قاد لإنتاج نماذج من رواد جدد؛ تقدموا لتعبيد طريق الكفاح، فما يحدث في الضفة اليوم ومنذ سنوات، هو استعادة للأمل بالمقاومة، ومساحة لبناء منظم للمقاومة، وإزاحة لسطوة وهيمنة العدو وأدواته على الوعي.

إن الطريق اليوم ليس مفاضلة بين بطولات الفدائيين الأفراد، والشجعان المتقدمين بأي من أشكال الاشتباك، في مقابل العمل الفدائي المنظم، أو دور أحزاب وحركات النضال، ولكن مساحة لإعادة بناء ما يجمع هذا كله؛ خط وطني للكفاح في وجه العدو، وجبهة واسعة للمقاومة الوطنية؛ تمثل رافعة كفاحية لشعبنا، وجسم ينظم المناضلين في كل موقع للاشتباك وكل بؤرة للصمود؛ بعيدًا عن أوهام الحكم وصراعات الانقسام، والمحاصصات ومواقع التسلط.

كقطرات الماء يجتمع أبناء الشعب الفلسطيني ليصنعوا نهر التجربة، من غزة إلى الخليل، ومن جنين إلى اللد، ومن نابلس إلى النقب، ومن القدس إلى بيروت وعمان ودمشق وبغداد، وإلى حيث تلتقي روافده الدفاقة، بدماء لم تستكن لعواء من ساوم على القضية في صحراء أنظمة الذل والخيانة من الرباط إلى المنامة.. متوحدين في الروح التي أعادت صقلها مهانة الهزيمة والانقسام ومرارتيها المستمرة.

الوفاء لتلك البطولات الفردية والجمعية، يلزمنا بأن نُبقي العين مفتوحة على حفز الشرعية الكفاحية الشعبية التي لن تخطئ طريقها، فهي ليست عابرة للأحزاب والتنظيمات، إلا من سقط منها بإرادته في وحل الهزيمة والانكسار والغنيمة، بل هي شرط المسير نحو جبهة الشعب الموحّدة وحربها طويلة الأمد كي تعيد للنهر صفاء لونه.. وتصنع الحياة التي الموت في سبيلها حياة.