Menu

الإطار التجريدي ــ"الانتروبولوجي"ــ للقيادة السياسية العربية الرجعية !

سلامة عبيد الزريعي 

يعكس هذا الإطار الضيق ـــ الاختزالي ـــ خلفية التصريحات على مستوى القيادات السياسية العربية ـــ نفس النغمة ـــ الانسياق وراء أطروحات تسوق من مصادر مجهولة ــ اختلط الأمر بالدعاية الصهيونية المغرضة المظللة، تزييف التاريخ وابتسار الحقيقة العلمية ذاتها ـــ كتابات تعتمد على المصادر اليهودية والصهيونية أساسا ـــ تنقل عمدا وجهات نظر محدده ومحسوبة سياسيا ــــ فما هو الإطار التجريدي لهذه التصريحات التي تنطق من وحيها القيادات السياسية العربية وتعكس نفس النغمة الرجعية؟   

خاطب "فيصل بن الحسين الهاشمي" ـــ الذي أصبح ــ فيما بعد ـــ ملكا على العراق ــ القاضي الأمريكي اليهودي "فيلكس فرانكفورتز"، في العام 1919م ـــ بالعبارة الخطيرة ـــ جازما وقاطعا "بأن العرب واليهود أبناء عم من الناحية العنصرية" لكونهما يتشابهان فيما تحمله العرب واليهود من اضطهاد ومظالم وفيما تمكنوا من القيام به في طريق تحقيق أهدافهم القومية، يترتب على ذلك ـــ ما قيل ـــ نتيجة سياسية تتفق معها فيما يبدو له، عكسها "فيصل بن الحسين" في تصريحه بقوله: "أننا سنرحب باليهود ترحيبا قلبيا في عودتهم إلى البلاد... وهناك مجال في سوريا يتسع لنا جميعا".

لقد عاد المتحدث ـــ نفس العام ـــ إلى نفس الفكرة ليؤكدها ـــ في "مؤتمر الصلح بباريس" ـــ معلنا بأن "هناك صلات وثيقة من القرابة والدم بين العرب واليهود كما أنه ليس ثمة تعارض واضح في الصفات المميزة للشعبين".  

نفس النغمة ـــ الانثروبولوجية ـــ عادت بعد نحو نصف قرن من التصريحات التي صدرت على مستوى القيادة السياسية، تتكلم ـــ تسمح لنفسها بأن تتكلم ـــ كما لو بلسان الانثروبولوجيين لترتفع إلى نفس المستوى وبنفس اللسان، حين أعلن "السعودي فيصل" أثناء زيارته للولايات المتحدة بأنه لا يكن شيئا ضد اليهود "يقصد تمييزا لهم عن الصهيونيين"، "لأننا أبناء عمومه في الدم".

إن فكرة قرابة الدم بين العرب واليهود منتشرة ومتفشية بين الكثيرين لا في الخارج فحسب، ولكن بين العرب أنفسهم، بل وعلى مستوى قياداتهم بغض النظر عن كونها قيادات رجعيه فرضت أو فرضت نفسها عليهم.

 

لا جدال بأن لفكرة قرابة الدم بين العرب واليهود نتائجها وتخرجاتها السياسية التي يمكن أن تترتب عليها كما فعل "فيصل بن الحسين" ــــ في الواقع ـــــ حين رحب باليهود في سوريا، كما أشرنا في النص السابق الذكر!   

إذا كان من الثابت المقرر في القانون الدولي أن ترك شعب لوطنه آلافا سحيقة من السنين لا يمكن إلا أن يحرمه كل حق في المطالبة بالعودة إليه، الآن ورغم سخرية الفقهاء الدوليين من مجرد فكره إعادة تشكيل الخريطة السياسية للعالم على أساس غزوات وهجرات وتوزيعات الماضي الغابر، الأمر الذي يمكن أن يقلب صورة الدنيا رأسا على عقب بشكل ساخر، بل سخيف لا يتصور.

رغم هذا كله، فإن فكرة قرابة العرب واليهود في الدم يمكن أن تلقى بعض الظلال على قضيتنا المصيرية الأولى في فلسطين، ويمكن أن تفتح بابا للحلول الخاطئة أو الخائنة سيئة النية أو ساذجة النية.

إذا كان التنظير لفكرة القرابة فتحت على قضيتنا حلولا خاطئة وقادت إلى التخاذل، فإن المشاريع الخاطئة، ترجع إلى الأفكار المُدجنة وأصبحت تنطق بفكرة القرابة لغاية في نفس يعقوب! 

إن هذه الحلول الخاطئة أو الخائنة سيئة وساذجة النية ليست استدلالا منطقيا، وإنما هو بالفعل ما نجده في أكثر الدوائر العربية وغير العربية، فقد اقترح "الملك عبد الله" مشروعا على بريطانيا ــــ حلا لمشكله فلسطين ــــ في الأربعينات، يقضي بإنشاء "مملكه سامية"، يكون هو على رأسها ويكون لليهود فيها حكمهم وفكرة "الاتحاد الفدرالي السامي" بين اليهود الصهاينة.  

ومن هذه المشروعات ـــ مشروع ـــ يقترح فيه أن يعود الصهاينة الإسرائيليون من أصل أوروبي إلى أوروبا ويبقى الإسرائيليون الذين هم من أصل شرقي في فلسطين، مع عودة عرب فلسطين إليها، ليعيشوا معهم في دوله واحده جديدة تدخل مع الوقت في علاقات اقتصاديه مع بقيه الدول العربية متطلعة إلى اتحاد اقتصادي مع الأردن وغزة، ومتجهه في النهاية إلى "اتحاد سامي" كبير ــ هناك مشاريع كثيرة لا يتسع المجال لذكرها ومناقشتها!

إن كل حل من هذه الحلول التي تقدمها هذه المشروعات، لا يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل 1948م، بل قبل 1918م، مرفوض بلا نقاش، وكل حل لا يزيل إسرائيل من الوجود، لا محل له من البحث العلمي والدراسة العلمية الرصينة.  

ولكن التساؤل الجوهري الذي يطرح على هؤلاء ــ الذين آثروا الارتهان لعدوهم وعدو الأمة بعقولهم وأرواحهم وأملاكهم ـــ حول الأساس الجنسي المزعوم: أحقا نحن أقارب اليهود وأبناء عمومتهم؟

هذا ما سنجيب عنه قراءة وتلخيصا واستخلاصا "لتاريخ اليهود قديما ـــ اليهود انثروبولوجيا ـــ لمؤلفه العبقري والجغرافي الفذ "جمال حمدان" للوقوف على حقيقتهم وتاريخهم المليء بالدسائس والمؤامرات، بعلم الإنسان الذي يحلل ويقف على ثنايا ما في الجماجم ونبضات الأفكار كما تاريخ الأفكار، يدرس اللغة والوثائق الدينية ويقيس الأجسام والصفات الوراثية.

ما يلاحظ على أغلب الكتابات بالعربية عن العدو الإسرائيلي، تأخذ في جملتها الصبغة السياسية المباشرة أو غير المباشرة التي تعامل العدو كمعطيات مفروغ منها أو ككم معلوم بدرجه أو بأخرى، دون أن تحاول أن تنفذ إلى حقيقة كيانهم وتركيبتهم، فالكل يهود أو صهاينة، والكل يعيشون في كنف الاستعمار وحمايته، والكل أتى بصوره غامضة بطريقه أو بأخرى... الخ.

وبناء عليه، فإن التحليل الأنثروبولوجي، يكشف بلا ريب عن الإطار التجريدي للقيادات السياسية العربية الرجعية، مهما كان مستواها فهي تنطلق من وحيه.

راجع:

1. اليهود أنثروبولوجيا: تأليف: "جمال حمدان"، تقديم، "عبد الوهاب المسيري"، الطبعة الثانية: 1996م الناشر، دار الهلال ــ القاهرة.