Menu

المعتقلون الفلسطينيّون منذُ وعدِ بلفور حتّى النكبة

عيسى قراقع

نشر هذا المقال في العدد 43 من مجلة الهدف الإلكترونية

الانتدابُ البريطانيّ ل فلسطين كان المؤسّس والفاعل لمأساة الشعب الفلسطيني، وخلال الانتداب ارتكب العديدَ من جرائم الحرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة بحقّ شعبنا وبحقّ أسرانا القابعين في السجون.

آلاف المعتقلين:

وَفْقَ المراجع التاريخيّة جرى اعتقال الآلاف من أبناء الشعب الفلسطينيّ والعربيّ منذُ صدور قرار وعد بلفور، وخلال الاحتلال البريطاني لفلسطين، وحسبَ المصادر التاريخيّة فإنّ الاعتقالات كانت بالجملة، وشملت كلَّ فئات الشعب الفلسطينيّ والعربيّ مصحوبةً بعقوباتٍ تعسفيّةٍ عديدة، وقد تضاعفتْ حملاتُ الاعتقال بعد ثورة القسّام عام 1935، والثورة الفلسطينيّة الكبرى عام 1936، التي امتدّت ستة أشهر.

الشيخُ المجاهد عبد القادر المظفّر، الذي اعتقل مدّةَ 6 شهورٍ في سجن القلعة بعكا، ذكر أنّه عام 1936، وُجد في المعتقلات نحو 15 ألف معتقل، بينما المفكّر والمناضل بهجت أبو غربية تحدّث عن الأحكام التي أصدرتها المحاكم العسكريّة البريطانيّة على العرب، وأنها كانت في منتهى القسوة، وأنه في عام 1938 وحدها أصدرت المحاكم العسكريّة نحو 2000 حكم بالسجن مددًا طويلةً؛ فضلًا عن اعتقال 50 ألفًا بموجب الاعتقال الإداري.

وجاءت هذه الاعتقالاتُ بسبب ثورة ومقاومة الشعب الفلسطينيّ ضدّ وعد بلفور والهجرة اليهوديّة والاستيلاء على الأراضي ودعم حكومة الانتداب البريطاني للحركة الصهيونيّة وتسليحها؛ بهدف إقامة ما يسمّى بالوطن القومي لليهود في فلسطين.

وخلال الثورات والانتفاضات الفلسطينيّة ضدّ المخطّطات البريطانيّة والصهيونيّة مثلَ انتفاضة النبي موسى عام 1920، وانتفاضة يافا 1921، وثورة البراق ،1929 وانتفاضة عام 1933، وثورة القسام 1935، والثورة الفلسطينيّة الكبرى 1936، فقد اعتقل الآلاف المؤلّفة من الثوّار والمقاومين والمشاركين في هذه الانتفاضات، وجاءت هذه الانتفاضات نتيجةَ الوعي العربيّ والفلسطينيّ لما تضمره السياسة البريطانيّة من الشرّ المستطير لمستقبل فلسطين، وأنّ اللعبة الصهيونيّة هي وليدة السياسة الإنجليزية وأداة من أدواتها الاستعماريّة.

لو كنت إنجليزيًّا لتبرّأت من الأمّة الإنجليزيّة:

من أهم الخطوات التي قامت بها سلطات الانتداب البريطاني لقمع المقاومة الاعتقالات وإصدار الأحكام القاسية والجائرة بحق المعتقلين، والقيام بأساليب وحشية في تعذيب المعتقلين مثل الضرب والجلد بالعصا (الفلقة)، وفرك الخصيتين، وحرق القدمين، وإدخال الخوازيق، ودفع المياه بمضخة من الأنف إلى الحوض، وتعريض المعتقلين لنهش الكلاب، والتخويف بإشهار المسدس على الرأس، وتعليق المعتقل في السقف، ومحاولة شنقه إلى ما يقرب الموت.

وحسب الباحث والصحفي عدنان أبو عامر فقد قامت سلطات الانتداب بنسف ما يزيد عن خمسة آلاف منزل وحانوت بشكل انتقامي، وكل ذلك مقرونا بالضرب والنهب وارتكاب صنوف العذاب كافة مثل كي الأجسام وخلع الأظافر وحرق الشوارب واللحى، وتسليط الكلاب الجائعة لنهش لحوم الثوار.

واستخدمت سلطات الانتداب البريطاني العقاب الجماعي لتحطيم إرادة المقاومة الفلسطينية، بتحويلها القرى والمدن الفلسطينية إلى سجون مغلقة بعد فرض منع التجول عليها ومحاصرتها وإذلال الناس وفرض الغرامات الباهظة على السكان، ومداهمة المنازل ونهب البيوت وتخريب محتوياتها.

وشملت الاعتقالات الأطفال القاصرين دون سن 18 عام، وصدرت بحقهم أحكام قاسية ودفع غرامات مالية إضافة إلى أحكام بالضرب بالكرباج (الفلقة)، وكذلك اعتقال النساء الفلسطينيات.

بتاريخ 12/3/1938 حكمت المحكمة العسكرية في القدس على الفتى زكريا محمود العكة 14 سنة بالسجن لمدة 5 سنوات والجلد 12 جلدة بالكرباج وعلى الفتى صلاح رؤوف 12 عام وبالجلد 6 جلدات بالكرباج، وكذلك قامت سلطات الانتداب بإبعاد المناضلين والقيادات السياسية خارج فلسطين وفرض الإقامات الجبرية على العديد من النشطاء والكتاب والصحفيين، فقد فرضت المحكمة العسكرية البريطانية على الكاتب والصحفي أكرم زعيتر بالطرد من القدس ووضعه تحت الإقامة الجبرية المنزلية في مدينة نابلس بهدف وقف نشاطه الصحفي في جريدة مرآة الشرق.

وصفت الكاتبة والصحفية أسما طوبى القمع البريطاني في مذكراتها قائلة: دخلوا المنازل وأخرجوا المؤونة وكوموها في ساحة القرية: القمح فوق العدس فوق الطحين، ثم صبوا الزيت فوقها، وأحضروا من سياراتهم مادة محرقة رشقوها فوق كل ذلك وأحرقوها.

وقالت خلال حصار قرى المثلث كفر ياسيف وكويكات والمكر: تجمعنا نحن النساء وأولادنا حول الساحة المطوقة، كانوا يريدوننا أن نرى ما سيفعلون برجالنا ثم صفوهم صفا واحدا وأمام عيوننا نحن النساء وأمهاتهم أطلقوا عليهم النار.

هذه الأساليب الهمجية للسلطات البريطانية دفعت الكاتب الفلسطيني خليل السكاكيني للقول لو كنت إنجليزيا لتبرأت من الأمة الإنجليزية، كما استخدم الجيش البريطاني الحرب النفسية خلال المنشورات التي تلقيها الطائرات على معاقل الثوار والسكان، تتضمن تهديدات جماعية وعقوبات شتى، إضافة إلى استخدام المعتقلين دروعا بشرية خلال المداهمات وملاحقة ومطاردة الثوار المنتفضين ضد السياسة البريطانية.

سياسة جائرة وأحكام رادعة

المحاكم العسكرية البريطانية يرأسها قضاة بريطانيون، وكانت تصدر أحكامها وفق قانون الدفاع (الطوارئ) عام 1931 والذي تم تطويره عام 1945 وبموجبه جرت اعتقالات إدارية لنشطاء سياسيين، إضافة إلى إصدار أحكام بالإعدام والتي تصاعدت بعد اشتعال الثورة عام 1936، وقانون الطوارئ يستند إلى إعطاء صلاحيات واسعة للقادة البريطانيين، بل لكل عسكري باعتقال أي شخص لمجرد الاشتباه ومحاكمته في محكمة عسكرية. وامتازت المحاكم العسكرية البريطانية بإصدار الأحكام الرادعة، وبالإجراءات الشكلية والصورية التي لا تستند إلى أسس المحاكمة العادلة.

واستنادا إلى قانون الطوارئ تفرض أحكام صارمة تصل الإعدام أو المؤبد ضد كل نشيط عسكري أو سياسي أو يمارس المقاطعة والإضراب أو بحوزته سلاح أو يتعرض لخطوط السكك الحديدية والاتصالات أو للجنود أو تقديم مساعدة للثوار أو التستر عليهم، إضافة إلى غرامات مالية، ومصادرة أملاك ووضع اليد عليها، وفرض عقوبات جماعية على القرى والمدن (قانون العقوبات المشتركة) ونسف البيوت بالديناميت ونسف أي بيت تطلق منه النار.

ومن ضمن إجراءات المحاكم البريطانية لأجل إطلاق سراح الأسرى طلب التوقيع على تعهد بعدم مقاومة البريطانيين، ويذكر الشيخ عبد القادر المظفر أنه رفض التوقيع على هذا التعهد، حيث كان معتقلا في سجن عكا، وقال: (إني أعتبر الحكم ضئيلا بالنسبة للسياسة الجائرة المتبعة في البلاد، فما خطر العشرة أو الخمسة أشهر إذا قورنت بحكم السياسة الجائرة على مليون عربي بالإعدام هم ونسلهم وأعقابهم في فلسطين)، ونتيجة لذلك تم سجنه 6 شهور.

وامتازت أيضا المحاكم العسكرية البريطانية بالتمييز في الأحكام بين الفلسطيني واليهودي، والتي ذكرها الباحث والكاتب خليل بيدس في مقالاته في مجلة النفائس وبعنوان حديث في السجون، حيث كان معتقلا عام 1920 بعد انتفاضة النبي موسى وحكم عليه بالإعدام وخفض إلى 15 سنة وأطلق سراحه بعد قضاء 4 شهور في سجن عكا، وفي هذه المقالات فضح بيدس المحاكمات الشكلية للأسرى وسياسة التمييز بين العرب واليهود، وكشف الأساليب التي استخدمها الإنجليز ضد المناضلين الأسرى.

الإعدام بالجملة

لقد فرضت المحاكم العسكرية البريطانية أحكاما بالإعدام على المئات من الثوار الفلسطينيين والعرب، حيث كان الإعدام يتم في سجن عكا وفي سجن القدس المركزي المسكوبية، وذكر الباحث د. محمد عقل أنه منذ عام 1920 تراوح عدد الذين أعدموا بين 2-8 أشخاص، وفي 17/6/1930 تم تنفيذ حكم الإعدام في سجن عكا بحق محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي على خلفية انتفاضة البراق، وفي 24/11/1937 تم إعدام الشيخ فرحان السعدي لنشاطه وقيادته للثورة، وهو كبير في السن في الثمانينات، وأعدم وهو صائم في شهر رمضان.

وقد تصاعدت عمليات الإعدام بعد الثورة عام 1936 وفق قوانين الطوارئ، حيث نفذت حسب الكاتب بهجت أبو غربية 148 حكما بالإعدام، وكان واضحا من السياسة البريطانية في مواجهة الثورة المندلعة أنها استخدمت أشد الأساليب عنفا وقسوة في معاملة الثوار والسكان، وأصدرت المحاكم العسكرية البريطانية أحكام الإعدام بالجملة ودون رحمة وضد كل من وجد في حيازته رصاصة واحدة أو أية قطعة من السلاح.

وقد عبر الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان في قصيدته المشهورة الثلاثاء الحمراء بعد تنفيذ حكم الإعدام على الشهداء جمجوم وحجازي والزير عن موجة الحزن والسخط ضد الإنجليز وحكومتهم، وما زالت هذه القصيدة تلهب مشاعر الفلسطينيين حتى الآن، وجاء فيها:

لما تعرض نجمك المنحوس

وترنحت بعرى الجبال رؤوس

ناح الآذان وأعول الناقوس

فالليل أكدر والنهار عبوس

وكذلك عبر الشاعر عبد الكريم الكرمي أبو سلمى عن هذا الغضب العارم أثر إعدام المجاهد فرحان السعدي مخاطبا الأمة العربية:

قوموا انظروا الوطن الذبيح

من الوريد إلى الوريد

قوموا انظروا فرحان فوق

جبينه أثر السجود

يمشي إلى حبل الشهامة

صائما مثل الأسود

شيخ الأسرى حسن اللاوي

كان هناك عدة سجون وزاد عددها بعد اندلاع ثورة عز الدين القسام عام 1935 وبعد الثورة الكبرى عام 1936، ومن أشهر هذه السجون سجن عكا (القلعة) وهو أكبر سجن والأكثر تحصينا وفيه غرفة لتنفيذ الإعدام ويزج به الأحكام العالية، وهناك كان سجنا للنساء في بيت لحم، وسجنا للقاصرين في طولكرم، إضافة إلى سجون أخرى مثل صرفند ومعسكر عوجا الحفير، وسجن اللطرون، والمسكوبية، وسجن عسقلان، وسجن الرملة، وسجن عوفر وسجن بئر السبع، شطة، عتليت، وغيرها والتي ورثها الاحتلال الإسرائيلي فيما بعد عن الانتداب وزاد عليها وطورها وزج بها الآلاف من المعتقلين الفلسطينيين.

وحول معاملة الأسرى في سجون الانتداب، فحسب شهادات عديدة ذكرتها المراجع التاريخية، فقد كانت المعاملة صعبة وسيئة جدا، وكان يزج بالسجناء الجنائيين مع السجناء السياسيين، إضافة إلى افتقاد السجون الكثير من المقومات الصحية والمعيشية.

وقد دعا الكاتب أكرم زعيتر في مقالاته في ذلك الوقت إلى ضرورة الفصل بين المعتقلين الجنائيين وبين المعتقلين الوطنيين، وتعرض في مقالاته إلى الاضطهاد والمعاملة المذلة للأسرى من قبل سجانين موظفي سلطة الانتداب البريطاني.

وحسب المراجع التاريخية، فإن الأسرى في سجون الانتداب خاضوا إضرابات مفتوحة عن الطعام من أجل تحسين شروط حياتهم الإنسانية والمعيشية، ففي 26/4/1939 دخل الأسرى في سجن القلعة في عكا إضرابا مفتوحا عن الطعام وصلوا فيه إلى حالة الخطر الشديد وامتنعوا في اليوم السادس من الإضراب عن تناول الحليب ونقل 28 معتقلا إلى المستشفى حسب ما أوردت ذلك صحيفة الدفاع الصادرة في يافا.

ولا نريد أن ننسى قصة الشيخ المجاهد حسن اللاوي ابن قرية كفر اللبد الذي اعتقل عام 1939، خلال الثورة وأمضى 41 عاما في سجون الانتداب البريطاني ومن ثم في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وكان قد اعتقل بتهمة قتل جندي بريطاني في القدس ونقل إلى سجن عكا وحكم عليه بالإعدام ثم استبدل بحكم المؤبد، وبعد حرب 1948 انقطعت أخباره ولم يعرف مصيره، وظل محتجزا في السجون الإسرائيلية حتى عام 1983، حيث جرى إطلاق سراحه، وهو دليل على الحالة القاسية والإهمال والحرمان والاستهتار بالمعتقلين على يد سلطات الاحتلال البريطاني.

أول جمعية لرعاية الأسرى وعائلاتهم

إن أول مؤسسة وجمعية بدأت تلقى الاهتمام والعناية بالأسرى وبعائلاتهم أسسها المرحوم أكرم زعيتر بعد ثورة عام 1936 وازدياد أعداد المعتقلين في سجون الانتداب، وهي (جمعية العناية بالمساجين العرب)، والتي تولت الاهتمام بشؤون المعتقلين السياسيين، وكان يشترط في عضويتها أن يكون العضو ممن دخل السجن بتهمة وطنية، وقد كتب أكرم زعيتر عن ذلك بقوله: (لنا في السجون عشرات من الشيوخ الذين يجب أن نحني الرأس تحية لجلال تضحيتهم في جلال مشيبهم وعشرات من الشبان الذين هم في ميعة الصبا ورونق الحياة، ومثل هؤلاء الشيوخ والشبان جديرون بإكبار الأمة وإجلالها لأنهم هم لا غيرهم عنصر بقائها وسرّ وجودها وغذاء كفاحها، يجب ان تتعهد الأمة بإعالة عائلات المحتاجين من سجنائها السياسيين).

استعمار بريطاني وليس انتداب

الاحتلال الإسرائيلي ورث منظومة القمع عن الانتداب البريطاني سواء على مستوى القوانين العسكرية والحربية أو على مستوى معاملة الأسرى والمعتقلين كما ورث مباني السجون البريطانية وزج بها الآلاف المؤلفة من الأسرى.

وللمقارنة، فإن أي متمعن لسلسلة القوانين الإسرائيلية وللإجراءات المتعبة بحق المعتقلين ومنذ لحظة الاعتقال والاستجواب والاحتجاز يكتشف أنها لا تختلف عن معاملة سلطات الانتداب البريطاني للأسرى، بل مستمدة منها مثل الإعدامات الميدانية، والآن تسعى حكومة الاحتلال إلى وضع تشريع لإعدام الأسرى على غرار ما كانت تقوم به سلطات الانتداب، وكذلك على مستوى استمرار التنكيل والتعذيب الوحشي للأسرى، وسياسة الاعتقال الإداري، أو على مستوى المحاكمات غير العادلة والجائرة وفرض الأحكام والغرامات العالية على المعتقلين، أو سواء على صعيد اعتقال القاصرين ومحاكمتهم وزجهم داخل السجون، أو على صعيد التمييز في الأحكام بين الفلسطيني واليهودي، أو من خلال فرض العقوبات الجماعية على الأسرى والإقامات الجبرية والإبعاد خارج الوطن أو الإبعاد عن منطقة السكن، ومداهمة البيوت وتخريبها خلال الاعتقال، وفرض الحصار ومنع التجول ونسف المنازل وإغلاق المؤسسات الصحفية، والمعاملة المهينة للأسرى داخل السجون وغير ذلك.

لكل هذا من الخطأ أن نقول انتداب بريطاني، بل استعمار بريطاني أسس للاستعمار الكولونيالي العنصري الإسرائيلي في فلسطين، والتسبب في نكبة الشعب الفلسطيني والجرائم والمذابح والمآسي والأهوال الكثيرة التي تعرض وما زال شعبنا لها، فالانتداب قانونا كما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة هو تمكين دولة أو شعب على النهوض حتى تصبح قادرة على أن تستقل وتحكم بنفسها، وهذا ما لم تلتزم به بريطانيا التي سعت إلى تكريس الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني على حساب أرضه وهويته وتقرير مصيره.

نزع الشرعية عن وعد بلفور

إن احتفال بريطانيا بالذكرى المئوية لوعد بلفور هو وقاحة بريطانية بافتخارها واحتفالها بإقامة كيان واحتلال واستعمار على حساب شعب آخر، انه وعد آثم مليء برائحة الدم والجريمة الإنسانية، بل أكبر جريمة في العصر الحديث، اقتلاع شعب، وتمكين الحركة الصهيونية من ممارسة التطهير العرقي بحق شعبنا، لهذا لا يكفي أن تعتذر بريطانيا، بل يجب أن تتراجع عن وعد بلفور وتقر بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بإقامة دولته الحرّة والمستقلة، ويجب أن تدفع الحكومة البريطانية تعويضات لشعبنا الفلسطيني عما لحق به من جرائم لا تعد ولا تحصى منذ صدور وعد بلفور وخلال فترة الانتداب، وعد بلفور يفتقد للأهلية القانونية لأنه يمنح أرضا لم تكن لبريطانيا أية رابطة قانونية فيها، خولت نفسها الحق في أن تتصرف مصيريا في دولة ليس لها عليها أية ولاية وتعطيه للآخرين، لهذا فهو وعد باطل وغير شرعي شكلا وموضوعا، وعلينا أن نعود إلى الأمم المتحدة لإلغاء هذا الوعد الاستعماري الذي تسبب في مأساة الشعب الفلسطيني، وأن نعمل على نزع الشرعية عن هذا الوعد، وملاحقة ومحاسبة بريطانيا على جرائمها ضد شعبنا وضد أسرانا بالسجون.