Menu

في البحث عن مخرج فلسطيني

هاني المصري

أيام قليلة وينقضي شهر كانون الأول ولم يعقد المجلس الوطني الجلسة التي كان من المقرّر عقدها هذا الشهر، بعدما تمّ تأجيلها منذ شهر أيلول. ومن غير المعروف متى ستُعقد الجلسة، إذ لم يُحدد موعد لها، ولم تشهد الأشهر الماضية تحضيرات حقيقية، برغم من عقد اللجنة التحضيرية - التي تأخّر تشكيلها - اجتماعين لم يتمخض عنهما شيء كثير.
وعندما نسأل: أين ستُعقد جلسة المجلس الوطني؟ نسمع إجابات مختلفة: بين مَن يقول في فلسطين المحتلة بلا تردّد، وبين مَن يقول في الخارج بلا تردّد، وهناك فرق حاسم بين عقده تحت سطوة الاحتلال، وبين عقده في الخارج، لأن عقده في الضفة لن يمكّن الكثير من أعضاء المجلس الوطني من الحضور، بمن فيهم قادة بارزون في «حماس» و «الجهاد» والجبهتين «الشعبية» و «الديموقراطية»، وأعضاء المجلس التشريعي الغزيون من «حماس» الذين حصلوا على عضوية المجلس الوطني تلقائيًا، إما لعدم حصولهم على تصاريح تمكّنهم من المشاركة، أو خشيتهم من الاعتقال.
وعندما نسأل عن الكيفية التي ستشارك فيها «حماس» و «الجهاد»، نسمع أجوبة مختلفة بين من يَقْصُر مشاركتهم على أعضاء المجلس التشريعي، متناسيًا عدم تمكّن أعضاء «حماس» من المشاركة، وعدم وجود أعضاء لـ «الجهاد» في التشريعي، وأنّ هذا يرجّح عدم تمثيلهم إطلاقًا أو بشكل يناسب حجمهما في المجلس المركزي للمنظمة ولجنتها التنفيذية، وبين مَن يقول إن «حماس» و «الجهاد» يمكن أن يتم الاعتراف بهما كتنظيمين والمشاركة أسوة بغيرهما من الفصائل المعتمدة، وهنا تتباين الآراء حول شروط الاعتراف بـ «حماس» كتنظيم وعدد ممثليها، وما إذا كان سيساوي تمثيل «فتح» أم أقلّ، وما سيكون عليه موقف «حماس» في كل حالة.
وحين يبدأ النقاش الجدي، تظهر الآراء الحقيقية التي تقول إن الرئيس و «فتح» لا يمكن أن يوافقا على مشاركة «حماس» في المجلس الوطني إلا إذا توفرت الشروط الآتية:
أولًا، إنهاء سيطرتها على قطاع غزة، من خلال تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة عملها في غزة، أو تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ثانيًا، موافقة «حماس» على برنامج المنظمة والتزاماتها حتى لا تؤدي مشاركتها إلى سحب الاعتراف الأميركي والإسرائيلي، (وربما أطراف دولية أخرى)، بالمنظمة، وتوجيه عقوبات مختلفة ستكون لها عواقب وخيمة.
ثالثًا، ألا تتيح مشاركتها في المجلس وحدها أو مع أي حلفاء مضمونين أو محتملين الحصول على غالبية تمكنها من السيطرة على المنظمة.
هذه الشروط توضح أن مشاركة «حماس» في المنظمة ليست سهلة ولا قريبة، كما يتخيّل البعض. وهذا ما يفسر الدعوة المبطنة حينًا والمعلنة حينًا آخر إلى تفضيل عقد جلسة عادية للمجلس الوطني بقوامه الحالي من دون تعديلات جوهرية، مثل ضم «حماس» و «الجهاد»، على أن تكون هذه الجلسة هي نهاية الدورة الحالية للمجلس، بحيث يُتّخذ قرار بالتحضير لعقد مجلس وطني جديد يتم الاتفاق على شروطه ومتطلباته خلال مدة يتفق عليها (عام مثلًا).
في هذا السياق، فإن المفضّل ـ وفق ما يريده الرئيس عباس وحركة «فتح» - أن تُعقد جلسة عادية للمجلس الوطني من دون مشاركة أو بمشاركة محدودة ورمزية لـ «حماس» و «الجهاد»، يُعاد فيها ترتيب الأوضاع داخل «فتح» وفصائل المنظمة الأخرى، ويُعمل بعد ذلك على التحضير لعقد مجلس وطني جديد على أسس وبرنامج يتفق عليه. وما يمنع هذا الاحتمال من التطبيق أنه بحاجة إلى اتفاق داخل «فتح»، وهذا غير متوفّر حتى الآن في ظل التأجيل المتكرر لعقد مؤتمر «فتح» السابع لعدم اكتمال التحضيرات، أو لعدم الاتفاق على النتائج والخشية منها إذا لم يُتّفق عليها سلفًا، إضافة إلى عدم الاتفاق بين «فتح» وبقية فصائل المنظمة، لا سيما بعدما أعلنت «الجبهة الشعبية» عن قرارها بمقاطعة جلسة المجلس لو عقدت في شهر أيلول الماضي، وفي ظل موقف «الجبهة الديموقراطية» حمّال الأوجه.
تأسيسًا على ما سبق، فإن المخرج المناسب خلال هذه الفترة الانتقالية من اليوم حتى عقد مجلس وطني بتشكيل جديد، هو عقد الإطار القيادي المؤقت، وإزالة اعتراض الرئيس و «فتح» على ذلك، لأنه باعتقادهم يمسّ شرعية المنظمة، ويُعرّضها للعقوبات، ويعطي لـ «حماس» شراكة في المنظمة في الوقت الذي تسيطر فيه بشكل انفرادي على غزة. إن هذه الاعتراضات على وجاهتها يمكن التقليل من أضرارها وتعظيم فوائدها من خلال التمسك بما جاء في «اتفاق القاهرة»، الذي نصّ على قيام الإطار القيادي المؤقت بدوره بما لا يمسّ صلاحيات اللجنة التنفيذية للمنظمة. وهذا من شأنه أن ينزع أي ذرائع من أيدي حكام واشنطن وتل أبيب، ويؤجل انضمام «حماس» و «الجهاد» إلى المنظمة، لكنه يوفر إطارًا للحوار وللقيادة الفلسطينية يساعد على التقدم على طريق إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.
وحتى يكون الإطار المؤقت قادرًا على القيام بمهامه، لا بد من توسيع المشاركة والتمثيل فيه، بحيث يضمّ عددًا كبيرًا عن ممثلي المرأة والشباب والشتات، خصوصًا القطاعات والتجمّعات غير الممثلة فيه بشكل يتناسب مع حجمها ودورها.
نحن نعيش في وضع غير عادي، ولا ينفع معه الاعتماد على المؤسسات الهرمة، كما هي ولا استخدام الوسائل التقليدية، وعلينا أن نعترف بأنّ الجسم الفلسطيني مصاب بمرض عضال ولا تنفع حبة الإسبرين لعلاجه. فلا ينفع ونحن نقول إننا سنعيد تقييم علاقتنا مع الاحتلال، وسنوقف الالتزامات السياسية والاقتصادية والأمنية معه، وإننا بحاجة إلى مسار جديد، في الوقت نفسه نطالب «حماس» بالالتزام بالاتفاقيات، ونعتبر المنظمة صالحة كما هي، وأن ما تحتاجه مجرد إصلاحات طفيفة، برغم مضي أكثر من خمسين عامًا على تأسيسها، جرت فيها مياه كثيرة تغيّرت فيها فلسطين وإسرائيل والمنطقة والعالم، وبرغم تغير خريطة السياسة الفلسطينية بعد عقد «اتفاق أوسلو»، وما أدى إليه ذلك من تقزيم المنظمة لمصلحة السلطة، ومن صعود فصائل العمل الإسلامي.
المطلوب الشروع في حوار وطني شامل للإجابة عن أسئلة: أين نقف الآن، وأين نريد أن نصل، وكيف نصل إلى ما نريد، والاتفاق أولًا على عقد اجتماعي يجسّد القواسم المشتركة، وبلورة رؤية وخريطة طريق، وبعد ذلك، بإمكاننا أن نختلف حول أي شيء، ومن دون ذلك، فكل ما يجري طحن ماء من دون جدوى. وإذا لم تقم القيادات والنخب بما عليها كما يحصل حتى الآن، فهذا يلقي بالمسؤولية على الشعب القادر على إنتاج نخب وقيادات جديدة. ولعل الموجة الانتفاضية وأشكال المقاومة على تنوّعها، وحملة المقاطعة، ولجان حق العودة، وصمود غزة، ونضال شعبنا في الداخل، وحركة التضامن الدولية المتعاظمة، والنهوض الثقافي حامل الهوية الوطنية الفلسطينية، كلها بشائر المرحلة القادمة.

المصدر: السفير