Menu

في اليومِ العالمي لمناهضةِ العنفِ ضدّ المرأة 25/11 المرأةُ الفلسطينيّةُ بين فكّي كمّاشة "الاحتلال والمجتمع"!

إلهام الحكيم

نشر في العدد 44 من مجلة الهدف الرقمية

كاتبةٌ فلسطينيّة/ تركيا

مع تزايدِ موجاتِ الهجرةِ الصهيونيّةِ برعايةِ الانتدابِ البريطاني، ثمّ حصول النكبة الفلسطينيّة 1948 وجدت المرأةُ نفسَها مع مجتمعِها المحيطِ أمامَ احتلالٍ وحشيٍّ واستعمارٍ جديدٍ "إحلالي كولونيالي" يعتمد على إقصاء الشعب؛ صاحب الأرض؛ ليمنحها لغرباء يهود لا يمتّون لجغرافية فلسطين وتاريخها بأيّ صلة، ومع توالي الثورات المناهضة للاحتلال لم تقف المرأةُ متفرّجةً، ولم تكن حياديّةً بل انخرطتْ في أُتونها إلى جانب الرجل متجاوزةً العادات والتقاليد، وضعت الوطن ضمنَ أولوياتها ومارست دورها الاجتماعي والإنساني فكانت مسعفةً للجرحى، مراسلةً بين الثوّار، مواسيةً لأسر الشهداء والمحتاجين من المهجّرين، تقدّم المساعدات الماديّة والعينيّة في المخيّمات... إلخ. وما إن انطلقت الثورة الفلسطينيّة المعاصرة منتصف ستينات القرن الماضي بعد هزيمة 1967 حتى كرّست المرأة مكانتها في صفوفها وتابعت مهامها بأشكالٍ متعدّدةٍ "مسلّحة، جماهيريّة ومنظّماتٍ شعبيّة، مشاريع إنسانيّة واجتماعيّة، توعية وتثقيف... الخ"، التزمت في صفوف الفصائل في الساحات المختلفة "الوطن وأماكن اللجوء والشتات"، وقد وصلت لأماكن قيادية في بعضها رغم تفاوت دورها حسب المد الثوري أو انحساره، إلى أن تم التوصل لاتفاقيات أوسلو الكارثية التي أعادت بعض مؤسسات "م .ت .ف" إلى غزة والضفة الغربية، ومنحت الفلسطينيين سلطة وهمية على بعضٍ من الضفة وغزة.

وبدأ التخوف يتراءى بين سطور التعيينات والتوظيف المؤسسي والفصائلي لتهميش المرأة، إضافة للموروث المجتمعي الذي فرض نفسه على أرض الواقع فانكفأ دورها، ورضخت بعض المنظمات النسوية الفصائلية لذلك التدهور وتراجعت حتى بعض الكادرات النسوية عن دورهن القيادي بالتزامن مع تحجيم دور المنظمات الجماهيرية الرديفة للفصائل.

بمرور السنين بدأت تترسخ العقلية الذكورية على حساب المرأة "أماً، زوجة، أختاً.."، ونتيجة تنامي المشكلات الاجتماعية والاقتصادية تزايدت وتيرة العنف الأسري، خاصة ضد المرأة، ولم يستطع القانون حماية النساء المعنفات أو يردع المعنّفين ويمنعهم من ممارسة القسوة عليهن، بسبب اعتماد قانون العقوبات على القانون الأردني لعام 1976 الذي يحمي الرجل ببند "الدفاع عن الشرف"، فيتخذ المعنِّف تلك الفقرة ذريعة لفرض سيطرته الظالمة داخل الأسرة حتى مع براءة المرأة وعدم ارتكابها أية خطيئة بحق نفسها أو عائلتها، وزادت سطوته للسيطرة على راتبها الذي تحصل عليه من عملها، ولا يتوانى عن منعها من العمل وحتى الخروج من المنزل أو التواصل مع الأهل والأصدقاء، كما منح المجتمع للأخ حق رعاية الأخت حتى لو كان أصغر منها، فربما يحلو له منع أخته من التعلّم أو العمل بحجة الحرص عليها من الانحراف بينما تقول الحقيقة: "كي لا تكون أفضل منه"!

رغم اختلاف القوانين المطبقة في الوطن الفلسطيني المحتل "الضفة الغربية، قطاع غزة، القدس ، الأراضي المحتلة 1948"، فإن العنف لا هوية له، ونرى أن الكثير من النساء فقدن حياتهن طعنا أو حرقاً أو خنقاً أو بالرصاص أو أية وسائل أخرى بحجة الدفاع عن الشرف ثم تظهر براءتهن لاحقاً، ومع هذا لا عقوبات رادعة للفاعل.

الضفة الغربية وقطاع غزة

تتعرض المرأة للمخاطر والتحرش والاستغلال المادي والجسدي والجنسي في البيت أو العمل، لكنها كثيراً ما تحجم عن الإبلاغ خوفاً من الفضيحة أو بضغط من الأهل أو العشيرة، تحديداً إذا كان المعتدي الزوج، فمن المعيب أن تشكو الزوجة على زوجها مهما فعل فهي ملكية خاصة يحق له التصرف بها كما يشاء - رغم وجود مؤسسات نسوية تعنى بإيواء المعنفات وتأمين الحماية لهن -، وإذا دققنا بالأسباب الموجبة للعنف حسب "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" نجد أن:

الكورونا لعبت دوراً كبيراً بتفشي ظاهرة العنف، بسبب التواجد الدائم لأفراد العائلة في البيت وتراجع المستوى الاقتصادي، وبالتالي المعيشي وزيادة الأعباء المادية والنفسية، ومن ثم "فشة الخلق" بالحلقة الأضعف ألا وهي المرأة أو الفتيات..

الزواج المبكر أو القسري وعدم التفاهم الزوجي وتدخّل الأسرة الممتدة، ومن ثم... العنف!

الاعتداءات الصهيونية المتكررة وهدم البيوت واضطرار العائلة التي تهدّم بيتها للعيش في خيمة وبالتالي الانكشاف على الشارع، أو النزوح إلى مراكز الإيواء التي تفتقر لخدمات حالات الطوارئ "خدمات الصحة العقلية والنفسية والاجتماعية"، أو العودة للعيش مع أهل أحد الزوجين والتدخّل الأسري وتزايد الشكوى من ضجة الأبناء ثم... التعنيف والمشكلات الزوجية.

لجوء الاحتلال لتهجير البدو الفلسطينيين من خيامهم التي تفتقر بالأساس للتمكين الاقتصادي والخدمات الاجتماعية، إلى جانب غياب الصرف الصحي عنها وعدم تأهيل البنية التحتية في المدارس التي تعرضت للهدم عشرات المرات وعاود أصحابها نصبها والعيش فيها أو بالمغاور والكهوف... ثم التعنيف.

تتحدث الأرقام عن جرائم العنف المرتكبة على مدى السنوات الأخيرة والمؤدية للوفاة، ويقابلها إغفال العشرات من حالات العنف المتنوعة نتيجة عدم الشكوى واللجوء للقضاء أو المؤسسات المختصة حرصاً على العائلة "العيب" أو الضغط العائلي والعشائري كما أسلفنا، حيث تفضل53% من النساء المعنفات السكوت وعدم الشكوى، أما الوفيات فلا يمكن إخفاؤها إلا ما ندر، ومن الجرائم الموثقة: "28 جريمة قتل في العام 2014 / 15 في العام 2015 / 23 في العام 2016 / 29 في العام 2017 / 24 في العام 2018 / 23 في العام 2019 / 25 في العام 2020 / 29 في العام 2021".

القدس المحتلة

يئن الشعب الفلسطيني في القدس المحتلة من وطأة القوانين الصهيونية وتتضاعف الأعباء على شريحة النساء اللاتي يعانين من ازدواجية القوانين، وبهذا تصبح تبعية المرأة للمجتمع والعائلة تارة، وتارة أخرى لإجراءات الاحتلال العنصرية التي تمنع عليها الارتباط بشخص من خارج القدس "الضفة، غزة، الأراضي المحتلة عام 1948..." كما يُمنع المقدسي من الارتباط بامرأة من خارج المنطقة، شتت هذا القانون العديد من العائلات التي بات أحد الأبوين مع الأبناء في جهة، والآخر بمنطقة أخرى ويمنع لمّ شملهم سوية، هذا الشتات بنمطه العنصري اللاإنساني شكّل سلوكاً جديداً من العنف الممارس ضد المرأة والأسرة الفلسطينية، إضافة لأشكال أخرى من الإرهاب الصهيوني تتمثل بتوقيف الفتيات على الحواجز في طريق المدرسة أو العمل فيتعمّد إهانتهن لفظياً أو ضربهن بهدف استفزازهن ثم اعتقالهن أو تطبيق الحبس المنزلي عليهن، تلك الممارسات الاستفزازية والعنف اللفظي والجسدي يدفع الكثير من النساء لاتباع طرق التفافية وعرة وطويلة تفادياً للحواجز ونقاط التماس مع الجنود أو المستوطنين، كما يمنع جنود الاحتلال المرابطات من دخول المسجد الأقصى لممارسة الشعائر الدينية، أو يبعدهن عنه أو عن بيوتهن في القدس لفترات متكررة، هذا إلى جانب أشكال العنف المجتمعي المشابه لوضع النساء في الضفة وغزة، وبذلك تقع المرأة المقدسية رهينة الاضطهاد المضاعف.

الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948

منذ وقوع الاحتلال وبقاء نسبة لا بأس بها من أبناء الشعب الفلسطيني في ديارهم حاول الصهاينة صهرهم في الكيان المحتل وأسْرَلتهم وتطبيق القوانين الصهيونية عليهم بهدف تذويب هويتهم الوطنية الفلسطينية، لكن مع مرور عشرات السنين على النكبة لم يتمكن الكيان من تحقيق غاياته، وتجذر الانتماء الوطني مع تكرار العدوان على المناطق الفلسطينية الأخرى "الضفة، غزة، القدس" تزايد الانخراط بالدفاع عن الهوية ومساندة أشقائهم، فدب الذعر بالمؤسسات الصهيونية التي قرأت الأبعاد الاجتماعية والسياسية لما يحصل، إضافة للتخوف من "القنبلة الديمغرافية الموقوتة"، ثم لجأت لأساليب تدمّر النسيج العائلي الفلسطيني وتدب الخلاف بين أبنائه من خلال تسريب السلاح لأشخاص يغلب عليهم طابع الإجرام والتسيّب.. بهدف نشر الجريمة والعنف في المجتمع الفلسطيني، وتركهم دون عقاب أو حساب لا بل تمنحهم الحصانة وتساعدهم على الهرب والتخفّي ثم ارتكاب المزيد من الجرائم وتشكيل عصابات منظمة حوّلت السلاح لمصدر رزق لهم إضافة لتعاونهم مع عصابات الإجرام اليهودية وجهاز الأمن العام، وطبعاً كانت المرأة هي الضحية الأولى لتلك الجرائم التي تسجلها الشرطة الإسرائيلية ضد مجهول مع أنها قادرة على اعتقالهم في نفس اليوم كما تفعل عند ارتكاب جريمة ضد اليهود.

يتضح ارتفاع المعدل السنوي لجرائم القتل في الداخل المحتل إلى 64 جريمة بعد رصد عدد ضحايا القتل خلال الفترة 2011- 2019 وفقاً لدراسة "مركز الزيتونة شهر 3/ 2022 "، حيث قتل / 58 شخصاً عام 2015 / 64 شخصاً عام 2016 /72 شخصاً عام 2017 /75 شخصاً عام 2018 ".

هذا التصاعد بمعدلات الجريمة في الوسط الفلسطيني رفع الأصوات المناهضة للعنف المجتمعي وطرح الناشطون وسم "حياة العرب مهمة"، وأقيمت العديد من الفعاليات الرافضة للصمت الصهيوني عن الجرائم والمطالبة بالتعامل مع المجرمين بحزم، إضافة لعقد العديد من الندوات التوعوية لوقف الاغتيال الجماعي المدروس والممنهج صهيونياً وإعادة تصويب البوصلة الفلسطينية.

خلاصة القول: بنظرة متفحصة لكل أشكال العسف والعنف ضد المرأة نجد التشابه بينها في كافة المناطق الفلسطينية المحتلة، رغم اختلاف الظروف والقوانين المتبعة بكل حيّز جغرافي محتل ومن الضرورة بمكان إطلاق جرس الإنذار لإعادة النظر بالقوانين المتبعة وتطويرها، بما يتناسب مع تطوّر واقع المرأة وارتفاع مستواها التعليمي، إضافة للمتغيرات المجتمعية التي طرأت، ومعاقبة كل من تسوّل له نفسه التعدي على الحقوق التي منحها لها القانون والشرائع التي تعطيها حقوقها وتنصفها.