Menu

تهجير الضفة: وصناعة العجز الفلسطيني

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

توافق وزراء العدو الصهيوني على هدم أي بناء يشيده الفلسطينيون في المناطق "ج" ضمن حدود الضفة المحتلة، يعني الدفع قدمًا بالإجراءات المتخذة من قبل العدو لإخلاء هذه المناطق من الفلسطينيين وملئها بالمستوطنين.

الأمر منذ سنوات لم يعد يتوقف عند قرار هنا أو هناك، ولكن سياسات يتم تنفيذها عبر عدد من السياقات، منع الفلسطينيين من البناء والزراعة وحفر الآبار وشق الطرق وتشييد المؤسسات في المناطق ج، ومنع حركتهم على معظم طرق الضفة المحتلة، وتوسيع حجم جهاز الإدارة المدنية التابعة للحكم العسكري الصهيوني المهيمن على الضفة، وأيضًا تعميق ارتباط السلطات المحلية والبلديات الفلسطينية والقطاع الخاص بهذه الإدارة الاحتلالية، بما يعنيه كل هذا من إنهاء لأي معنى سياسي لوجود السلطة الفلسطينية، وحتى تلك الأدوار المتدنية التي خصصها اتفاق أوسلو سيء الصيت للسلطة؛ يطالها هذا الشطب والإلغاء تدريجيًا.

مصير الشعب الفلسطيني على أرض الضفة المحتلة؛ معازل وكانتونات يحشر فيها الفلسطينيين؛ تدار حياتهم فيها بواسطة إدارات محلية لا تتنفس إلا بتصاريح وأذونات وتنسيق صادر من إدارة الحكم العسكري الصهيوني للضفة المحتلة، فيما يتم نقل معظم مساحة الضفة المحتلة لأيادي المستوطنين، لبناء نموذج استيطاني مزدهر؛ يحرسه جيش الاحتلال وحواجزه التي تحاصر معازل وقرى وبلدات الفلسطينيين، ونظام اقتصادي يشغل فيه الفلسطينيين عمومًا مواقع العبيد والتابعين للمنظومة الصهيونية، فيما ينهض وكلاء محليين بتيسير علاقات الاستعباد هذه وفقًا لأدوار يحددها لهم الاحتلال.

هذه المعطيات ليست اكتشافًا خطيرًا أضاءت عليه إجراءات الاحتلال الأخيرة، أو نواياه المعلنة، ولكن توصيف يعلنه الاحتلال على نحو ثابت لسياساته تجاه الضفة، وتشاركه فيه الإدارة الأمريكية كما نصت مبادرتها لتصفية القضية الفلسطينية "صفقة القرن"، وتتفق معظم الأطراف الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية من كافة التوجهات على هذا التوصيف لسياسات العدو وأهدافه في الضفة المحتلة.

على ماذا يختلف صناع السياسة في فلسطين إذن؟

غالبًا وبأكبر قدر ممكن من الانضباط اللغوي يمكن القول: أن الاختلاف يدور حول التعامل مع هذا المسار الصهيوني، فهناك من يرى أننا هزمنا للأبد وأن لا مفر من قبول مصيرنا ومواصلة استجداء المحتل والمجتمع الدولي وحلفاء الاحتلال، من أجل منحنا شيئًا ما نسميه دولة أو مشروع دولة، وهناك من يرى وجوب القتال ضد هذا الواقع وحتى داخل هذا المعسكر؛ هناك مساحات من التباين جزئيًا حول أساليب وأدوات القتال، ولكن بشكل أساسي هناك جدل دائم حول تعامل الفلسطينيين مع تبايناتهم هذه.

إن من يمسك بالسلطة والتمثيل مقتنع تمامًا بأحقيته في إخضاع بقية الفلسطينيين لرؤيته، التي يقر دائمًا أنها قد فشلت وأن الاحتلال قد أسقط أي مشروع للحل والتسوية أو قيام دولة عبر مسار المفاوضات، سياسات الاخضاع هذه قد تشكل أصعب معضلة واجهت وتواجه الفلسطينيين، ليس بشأن تأثيرها المباشر على قدرة الفلسطينيين فيما يتعلق بمواجهة الاحتلال، ولكن بشأن آلية التعامل معها، وما تحدثه من أثر على هوية الفلسطينيين ونظرتهم لذاتهم كشعب موحد يخوض مواجهة دامية مع عدو لا يستثنى أي فلسطيني من استهدافه.

هذا المشروع لم يعد يعيق قدرة الفلسطينيين على المواجهة فحسب، بل بات يفقد حتى تلك الصلاحيات المتدنية التي تركها الاحتلال في مرحلة ما، ويواجه إمكانية تفكيكه وإلغاء أي دور له، وتمزيق قاعدته السكانية والاجتماعية، وهنا ليس المقصود إصدار أحكام أخلاقية على وضع حلت فيه "إدارة حياة السكان في مناطق في الضفة"؛ بدلًا من مشروع التحرر الوطني الفلسطيني، ولكن البحث عن مسار وطني لمغادرة هذا الوضع، وإلا فما ينتظرنا هو أوامر الحاكم العسكري الصهيوني ومقررات محاضر اجتماعات وقرارات حكومة العدو؛ دون أي حقوق من أي نوع حتى أكثرها فردانية ومصلحية وأنانية وتفاهة.