Menu

يومُ الشّهيدِ الفلسطينيّ.. الشّهداءُ مشاعلُ الحريّةِ والاستقلال

إلهام الحكيم

نشر في العدد 46 من مجلة الهدف الرقمية

كاتبةٌ فلسطينيّة/ تركيا

ظاهرةٌ جديدةٌ بدأت تتنامى مع تشكيل الحكومة الصهيونيّة المتطرّفة قبلَ فترةٍ وجيزةٍ وتأبّط العنصريّ الفاشيّ بن غفير حقيبةَ الأمن الداخلي، تمثّلت هذه الظاهرةُ بتصاعدِ وتيرةِ تحريض المجرمين أمثاله على التسلّح وقتل الفلسطينيّ؛ بذريعة محاولة الأخير الطعن أو الدهس أو مجرد التفكير بالقيام بعمليّةٍ ضدّ الجنود أو المستوطنين، وكأنّه يقرأُ الأفكار ويعرف الخطوة اللاحقة التي سيقومُ بها الفلسطينيّ، كما تجارِيه زوجته بالخطوات التصعيديّة من خلال اقتنائها للسّلاح ودعوة النساء لحمله وتدريبهن عليه في المستوطنات؛ بهدف قتل كلّ عربيٍّ يمكنُ مصادفته، وزاد التحريض الإجراميّ لابن غفير مؤخّرًا بالاتّصال بالمستوطن الذي قتل الفلسطيني فيثني عليه ويعرب له عن شكره على شجاعته وجرأته"!

هذا الإجرامُ الصهيونيُّ ليس بجديدٍ لكنّه أخذ طابعًا علنيًّا بعد أن كان من تحت الطاولة لبعض المسؤولين الصهاينة أحيانًا، أمّا ابن غفير فيجاهر بتحريضه وإجرامه الذي بدأه منذ كان "رئيسًا لمجلس المستوطنات في يهودا والسامرة "، فقد كان يتحدّى الجميع بالدعوة للقتل إضافةً لاقتحامه المسجد الأقصى عشرات المرات غير آبهٍ بنتائج تلك التصرفات الاستفزازيّة اللامسؤولة من موقعه الاستيطاني المتطرّف، أمّا مع وصوله لعضويّة الكنيست، ومن ثُمّ تسلّمه حقيبة الأمن فكان من المتوقّع لجم تصرّفاته وتحرّكاته العنصريّة!

لكن ما جرى هو العكس فقد تمادى بعد تبنّي نتنياهو التصرفات الرعناء لوزيره المتطرّف، فمنذ بداية العام ومع تسلّم الوزارة لمهامها ارتفعت وتيرة القتل اليومي للفلسطينيين فبلغ في النصف الأول من شهر يناير تسعة شهداء وعشرات الجرحى ومئات المعتقلين... ما رفع عدد الشهداء منذ نكبة عام 1948 لما يزيد عن مائة ألف شهيد، إضافةً للآلاف ممن قضوا على يد العصابات الصهيونية وجيش الانتداب البريطاني قبل النكبة عبر المجازر المرتكبة بحقهم وتدمير بيوتهم فوق رؤوسهم.

يومُ الشّهيدِ الفلسطينيّ:

اعتمدت منظّمةُ التحرير الفلسطينيّة يومَ السابع من شهر يناير من كلّ عامٍ يومًا وطنيًّا للشهيد الفلسطينيّ إحياءً لذكرى شهداء الثورة الفلسطينيّة المعاصرة، عبرَ التاريخ النضاليّ الفلسطينيّ المديد والمستمرّ، ومع استمرار نضاله ومقاومته من أجلّ حرّيّته واستقلاله، تتصاعدُ أشكال العدوان الصهيونيّ حيث تزايد عددُ الشّهداء والشّهيدات... فقد ارتقى منذ انتفاضة الأقصى في 29 أيلول عام 2000 حتّى 30 نيسان عام 2022 " 11358 " شهيدًا، وكان اليوم الأوّل من العدوان الصهيوني على غزّة في 27 ديسمبر 2008 الأكثر دمويّة وسمّيَ "بمجزرة السبت الأسود" فقد تسبّب القصفُ الجوّي بقتل أكثر من 200 فلسطيني ثُمَّ ارتفع العدد إلى 1410 شهيدًا منهم 355 طفلًا و240 امرأةً خلال ثلاثة أسابيع، وعلى غرار ذلك كان شهر تموز عام 2014، الأكثر دمويّةً على مدى السنوات، حيث بلغ عدد الشهداء 2240 شهيدًا في غزة فقط خلال العدوان الصهيوني على القطاع... وفي عام 2021 استشهد 375 فلسطينيًّا بينهم 287 شهيدًا في غزّة خلال عدوان شهر أيّار من العام نفسه... كما ارتقى عام 2022 / 230 شهيدًا/ منهم 171 شهيدًا في غزّة - خلال عدوان شهر آب - و 6 شهداء في الداخل الفلسطينيّ المحتلّ عام 1948.

شهداؤنا ليسوا أرقامًا... وليسوا وقودًا لعدّادات القتل الصهيونيّ... فالشّهادةُ والاستشهادُ عقيدةٌ راسخةٌ في أذهان المسلمين والأجيال الفلسطينيّة المتعاقبة ويؤكّدها المقاومون الذين لا يستشهدون حبًّا بالموت، لكنْ فتحًا لطريق الحياة الحرّة الكريمة للأبناء والأحفاد والأجيال القادمة.

احتجازُ جثامين الشّهداء في مقابر الأرقام:

عندما نطلقُ العنان لتلك الأعداد من الشهداء، فإنّنا نسلّطُ الضوء على قبح الاحتلال وفظاعة جرائمه الوحشيّة التي لا تتوقّفُ عند استشهاد الفلسطينيّ بل تتعدّاه نحو سرقة جثمانه وحجزه، فالعدوُّ الصهيونيُّ يدركُ أنّ عقيدتنا تكرّم الميّت بدفنه لذلك يتعمّد احتجاز جثامين الشّهداء في مقابر الأرقام وثلاجات الاحتلال... وقد احتجز خلال الخمس سنوات الأخيرة 73 شهيدًا، إضافةً لاحتجاز 254 شهيدًا منذ عام 1968، بالمقابل تؤكّدُ المقاومةُ الفلسطينيّةُ على وفائها للشّهداء وعائلاتهم وتبذلُ الجهود الحثيثة لتحرير جثامينهم وتشييعهم بمواكبَ تليقُ بهم ودفنهم في ثرى بلداتهم وبين أهلهم...

من جانبٍ آخر تلقى على عاتق المؤسسات الإنسانيّة والمنظمات الحقوقية في كلّ دول العالم الحرّ تبنّي قضية الجثامين المحتجزة وتدويلها والضغط على الاحتلال الصهيوني لاستردادها ومحاكمة قيادته وجيشه كمجرمي حربٍ جزاءً بما اقترفوه من جرائمَ بحقِّ الشّعب الفلسطينيّ بأطفاله ونسائه وشيوخه وشبابه...

لا نتطرّقُ لعدد الشّهداء الفلسطينيين خلال عشرات السنين عبثًا، بل نستهدفُ وضع العالم وهيئاته الإنسانية والحقوقية أمامَ مسؤولياته تجاهَ شعبٍ عانى - وما زال يعاني - من الاحتلال والتمييز العنصري والقتل والتدمير وحرق البيوت والزرع والضرع على مرأى من الجميع دون رادعٍ أو وازع، فالصمتُ الدوليُّ عن تلك الجرائم تضع الكيان الصهيوني فوق القانون وتشجعه على ارتكاب المزيد من الانتهاكات الوحشيّة بحقِّ أصحاب الأرض والحق؛ إنّ عدم عقابه منذ البداية جعله يتمادى في غيّه وطغيانه حتى وصل الأمرُ بمسؤوليه للمجاهرة بالدعوة لقتل الفلسطيني باعتبار "العربي الجيد هو العربي الميت" حسب قول حاخاماتهم منظّري الإجرام والإرهاب، ثم تشجيع سياسييهم المتطرفين دينيًّا، الذين باتوا يهيمنون على المجتمع والكنيست والحكومة الصهيونية ومؤسّساتها العسكريّة والمدنية بما في ذلك القضاء!

خلاصة القول: لن يضيع حق وراءه مُطالِب، والفلسطيني مثالٌ حيٌّ على الشعب المطالب بحقوقه المشروعة التي أقرّتها الشرعية الدولية بعشرات القوانين والقرارات التي لم تُنفّذ كون القائمين على مؤسسات المجتمع الدولي تحديدًا - الولايات المتحدة الأمريكية والغرب- يدعمون الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين ويتغاضون عن فظاعاته، لكن هذا لا يعني التراجع أو التوقف عن النضال؛ فمسيرةُ المقاومة متواصلةٌ حتى النصر والتحرير وبناء الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس الشريف.

المصادر: المصري اليوم – الجزيرة نت – وكالة وفا للأنباء الفلسطينيّة.