Menu

بالصورملتقى الفكر التقدّمي في خانيونس ينظّمُ لقاءً حولَ كتاب "العلمانيّة في الحالة الفلسطينيّة"

غزة_بوابة الهدف

نظّم ملتقى الفكر التقدّميّ في محافظة خانيونس بقطاع غزّة، اليوم السبت، لقاءً فكريًّا بعنوان "العلمانيّة من قلق السؤال إلى ارتباك المآل"، حيث استضاف اللقاءُ رئيسَ تحرير مجلّة وبوابة الهدف، د. وسام الفقعاوي، للحديث عن كتابه "العلمانيّة في الحالة الفلسطينيّة"، وأدار اللقاء د. غسّان أبو حطب.

وافتتح اللقاء أبو حطب مرحبًا بالحضور، مؤكّدًا على أهميّة عقد هذا اللقاء مع ضرورة تسليط الضوء على العلمانيّة ودورها في الحالة الفلسطينيّة، وأيضًا في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة.

وتحدّث الفقعاوي في أربع محاور رئيسة؛ أوّلها الإطار النظري لمفهوم العلمانية وبعض نماذجها المؤسّسة، وثانيًا العلمانيّة وحال المجتمعات العربيّة الإسلاميّة ومسألة الخصوصيّة، والنقطة الثالثة، العلمانيّة والحالة الفلسطينيّة، ورابعها عن راهنه ومستقبله.

وعن الإطار النظري لمفهوم العلمانيّة وبعض نماذجها المؤسّسة، قال الفقعاوي: إنّ" مفهوم العلمانية يكاد يكون من أكثر المفاهيم المثيرة للجدل والحوار والاجتهاد، ليس بين المعارضين والمؤيدين لها فحسب، بل حتّى داخل الصفّ الواحد، سواءً المؤيّد لها، أو المعارض"، مضيفًا أنّه "يبدأ الجدل حولها من تناول التسمية وتاريخ المفهوم، فمنهم من يشتقّها من العِلم (عِلمانيّة، بكسر العين)، ومنهم من يشتقّها من العَالم (العَلمانية، بفتح العين)، ومثل هذا الخلاف يغدو شكليًّا ولا قيمة كبيرة له، إذا عرفنا أنّ العَلمانية ليست شعارًا مجرّدًا، أو مفهومًا يُختصر بكلمات محددة، بل هي حالةٌ متحوّلة، تنطوي على تواريخَ عديدة، وتطبيقاتٍ وتعييناتٍ شتى، لكلٍّ منها تمايزاته وتحديداته المختلفة عن الآخر".

وأشار إلى أنّه "بناءً على هذا الاختلاف تعددت تعريفاتها، حيث هناك من انطلق من تعريفٍ عامٍ لها، مستخلصٍ من تجارب الشعوب الغربية التي أفرزت تجاربها السياسية والاجتماعية تفاوتات في فهم وتطبيق العَلمانية؛ لكّنها انتهت إلى صياغة قواعدَ عامةٍ تحدّدُ أسس إدارة الدولة وقواعدها بما يميّز بين الحياة الخاصّة للأفراد وبين الحياة العامة، وتعني العلمانيّة وَفْقًا لذلك تنظيم العلاقة بين الدين ومؤسّسات الدولة، حيث لا تتدخّلُ المؤسّسة الدينيّة في آليّة اتّخاذ القرار السياسي بشكلٍ مباشر، وبموجب ذلك، يصبحُ الاعتقاد الديني مسألةً فرديّةً خاصّة".

وعن التعريفات الأخرى للعلمانيّة، أوضّح الفقعاوي، أنّه "يلتقي إلى حدودٍ ما مع السابق، فهي تعني فصل الدين والمعتقدات الدينيّة عن السياسة والحياة العامة، وعدم إجبار الكلّ على اعتناق أو تبني معتقد أو دين أو تقليد معين لأسبابٍ ذاتيّةٍ غير موضوعيّة، أي أنّ الدين لن يفصل عن الحياة والمجتمع، بل عن الدولة ومؤسّساتها فقط؛ فالدولةُ لا تمارسُ أيّ سلطةٍ دينيّة، والمؤسّسات الدينيّة لا تمارس أي سلطةٍ سياسيّة، هناك من يعرّفها أيضًا ، بأنّها مفهومٌ سياسيٌّ يتعلّقُ بحسم مسألة دور الدين السياسي في المجتمع والدولة، وذلك يجعل الدين شأنًا شخصيًّا بين الفرد وخالقه من جانب، ويجعل السياسة شأنًا مختصًّا بقضية السلطة وعلاقة الحاكم بالمواطن من جانبٍ آخر".

ونبّه الفقعاوي، إلى أنّه على "الصعيد المعرفي للعلمانية؛ تعني تحرير العقل من المسبقات، والمطلقات، أو تحرير الفكر من الأوهام والخرافات وتحرير الإنسان من العبودية التي تمتدّ جذورها إلى تقسيم العمل، وظهور الملكيّة الخاصّة، والاستغلال الطبقي، وتركّز الثروة، وظهور الطبقات"، مبينًا أنّه "يجب التأكيد على أنّ العلمانية ليست ضد الدين؛ لكنها ضد الوثنية الدينية، وضد سلطة رجال الدين وتدخلهم في حياة الإنسان. فالعلمانية كما يقول – المفكر والباحث غازي الصوراني - عملية تاريخية أو صيرورة تقدم في التاريخ والمعرفة؛ صيرورة البشر الذي يصنعون تاريخهم بأنفسهم، وهي بذلك تقيم سلطة العقل والمنطق، وتعلن نسبية الحقيقة وتاريخيتها وتغيرها، أو كما يقول – كريم علي وهبة - منهج وأسلوب في الحياة والتفكير، وليست مذهبًا أو موضوعًا للأيديولوجيا، هي منهج الارتباط بالعالم والواقع واللحاق به ومحاولة فهمه وتفسيره، وتعهّده بالإصلاح والتقويم إذا ما انحرف عن الطريق السليم".

وأضاف الفقعاوي، أنّ "العلمانية، في نهاية المطاف، هي أحد أشكال التعبير عن نضج التجربة السياسية والإنسانية، ومكسب إنساني وحضاري عام، لم يتحقق إلا بعد تجارب مريرة وتضحيات جسيمة، شهد فيها العالم حروبًا أهلية وطائفية، وتاريخًا من الاضطهاد باسم الأديان والمذاهب"، لافتًا، على أنّ "الدولة القائمة على مبادئ العلمانية فهي دولة كل المواطنين بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو المعتقد، والنظام السياسي الذي يعتمد العلمانية ينشئ مساحة بديهية، تسمح لكل فرد بالتمتع بحرية الرأي والتعبير، وتحدد هذه المساحة من قبل السلطة السياسية، التي تضع القوانين وتطبقها".

وبين الفقعاوي، أنّ "العلمانية ليست نسقًا واحدًا، بل هي حركة اجتماعية تنشأ في كل موطن، متأثرة بإطارها المحلي، وتأتي كانعكاس لمعطياته، فهناك أنساق متعددة من العلمانية، لكل منها خصائصها المحلية؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، ففي فرنسا نشأت حساسية وطنية لدى البرجوازية الصاعدة إزاء مؤسسة دينية قوية ومصممة على استتباع الدولة لها، بعد أن منحت لنفسها سلطة عاتية أقوى من سلطة الدولة الناهضة، ونالت نفوذًا اقتصاديًّا (عبر ضريبة العشر)، وعبر سيطرتها على 10% من أراضي فرنسا، وفكريًّا وثقافيًّا، بالإضافة إلى مؤسسات التعليم وغيرها من المرافق، وأخذ العداء بين الطرفين موقفًا صريحًا مباشرًا بعد أن وقف رجال الدين مع قوى الثورة المضادة عام 1793، وعليه، أخذت العلمانية في فرنسا، طابعًا مضادًّا للكنيسة، وشكلًا شديد الخصوصية؛ بهدف إخضاع الكنيسة الكاثوليكية لسلطة الدولة، حيث دخلت الثورة الفرنسية 1789 في حرب ضد أملاكها، وقوضت سلطة رجال الدين (الإكليروس)، وألغت ضريبة العشر، وعممت السلطة الزمنية على التربية والتعليم".

وأوضّح الفقعاوي، على أنّ "النمط الأنجوساكسوني، فالدولة فيه لم تَدخُل في صراع مع الكنيسة، بل إن الملك في بريطانيا يظل رمزيًّا رأسًا للكنيسة، كما حرصت الدولة في الولايات المتحدة، على حماية الدين من أي عدوان على مساحته، دون أن يلغي ذلك علمانيتها، وبرغم أنّ الدولة الأمريكية لا تمول أي نشاط ديني من ميزانيتها الفيدرالية، ولا تشترط حلف يمينٍ دينيٍّ محدّدٍ في المحاكم، فإنّ المجتمع الأميركي يعدّ من أكثر المجتمعات تديّنًا، دون أن نغفل العنصرية الموجودة ضد الملونين، التي تظهر بطرق مختلفة في هذه المجتمعات".

وأكد أن "العلمانية تعكس صيرورة تاريخية أكثر منها رؤية للعالم، صحيح أن منشأها كان في أوروبا، ولكنها تجاوزت هذا المنشأ، وأفضت إلى تحقيق الأهمية والعمق في جل أرجاء المعمورة، وصارت، كما الليبرالية والديمقراطية والحداثة وغيرها، شأنًا من شؤون حياتنا التي لا مفر منها في سياق تنظيم علاقة الدين بالمجال (الحيز) العام".

وعن موضوع العلمانية وحال المجتمعات العربية الإسلامية ومسألة الخصوصية، بين الفقعاوي، أنّ "المجتمعات العربية الإسلامية لم تستطع الاستفادة بما يكفي من تجارب الشعوب الغربية، بل تعتبر تلك التجارب غير قابلة لتبيئتها في البيئة العربية الإسلامية، ويعود الأصل في هذا إلى التنافر الحضاري التاريخي في العلاقة مع هذا الغرب في جانب منه: (الحروب الصليبية، الاستعمار القديم والجديد) وقبلها حروب الفتوحات والغزوات والاقتتال الداخلي، حيث أنتجت هذه المراحل التاريخية تراثًا فقهيًّا شكل ذهنية هذه المجتمعات، وظل متحكمًا فيها وفي ميولاتها وتطلعاتها، مبينًا أنّه "غذى هذه الذهنية وذلك الميل للتنافر: العنف السياسي الذي مارسته الأنظمة الحاكمة على امتداد 14 قرنًا، خاصة وأن التجارب القاسية التي عاشتها الشعوب العربية، كان جزءًا رئيسيًا منها بسبب استغلال الدين في شرعنة الاستبداد. وكون التراث الفقهي يقدم تجربة الخلفاء في الحكم على أنها تجربة مشرقة ورائدة. وعلى الرغم من كل ما تحقق من تقدم علمي واقتصادي وانفتاح سياسي ظلت غالبية الشعوب العربية الإسلامية متخلفة – أو تعيش حالة (فوات تاريخي) كما يصف ذلك - ياسين الحافظ في كتاباته - عن اللحاق بركب التطورات الهائلة التي جرت على الصعيد الكوني، بحيث بقيت أسيرة للقوالب النمطية المستمدة مما عرف بدولة الخلافة، خاصة مع نمو وتصاعد وجود ودور قوى وحركات الإسلام السياسي، مترافقًا مع تراجع وانحسار وجود ودور القوى الوطنية والقومية واليسارية والتقدمية عمومًا، وبالتالي غربة مفاهيم الديمقراطية والعلمانية والمواطنة عن مجتمعاتنا".

وأشار الفقعاوي إلى أنّ "المجتمعات العربية لم تستوعب السمات الأساسية للثقافة العقلانية أو ثقافة التنوير، بمنطلقاتها العلمية وروحها النقدية التغييرية، وإبداعها واستكشافها المتواصل في مناخ من الحرية والديمقراطية كونهما عماد العلمانية، حيث ما تزال المجتمعات العربية خاضعة لعلاقات اقتصادية واجتماعية تاريخية معاصرة، هي نتاج وامتداد لأنماط اقتصادية/اجتماعية من رواسب قبلية وعشائرية وشبه إقطاعية، وشبه رأسمالية، تداخلت عضويًا وتشابكت بصورة غير طبيعية، وأنتجت هذه الحالة الاجتماعية/الاقتصادية المعاصرة، المشوهة، والمتخلفة، والتابعة".

وأوضَح الفقعاوي، أنّه "في هذا الزمن الذي يعيش فيه العالم، زمن الحداثة والعولمة وثورة العلم والمعلومات والاتصال، يشهد مجتمعنا العربي عودة إلى الماضي عبر تجديد عوامل التخلف فيه، حيث يعيش حتى الوقت الحاضر مرحلة ما قبل المرحلة الصناعية والتكنولوجية، وبالتالي مرحلة ما قبل الحداثة، يضاف لذلك الفجوات بين الطبقات الثرية والميسورة والمحرومة، التي تزداد اتساعا وعمقا، وفي ظل هذه البنية الطبقية الهرمية التي تحتكر فيها القلة السلطة وثروات البلاد، إذ تعاني الجماهير الفقيرة حالة تبعية داخلية شبيهه بالتبعية الخارجية ومتممة لها، فتمارس عليها وضدها مختلف أنواع الاستغلال والهيمنة والقهر والإذلال اليومي وتفجر تناقضاتها وانقساماتها الداخلية من اثنية وطائفية ومذهبية".

وقال الفقعاوي، إنّ "تأسيسًا على ما تقدم، فإن الشعوب العربية بحاجة ملحة إلى العلمانية لتحقيق هدفين رئيسيين: أولهما: تحرير المجال السياسي من أية سلطة توظف المقدس الديني لتكريس الاستغلال والاستبداد، بالموازاة مع تحرير الإنسان والعقل والإبداع، وثانيهما: تحرير الوجدان والذهنية العربية من الفكر الطوباوي أو المثالي، بما يفتح المجال لأن تشكل الحداثة ومفاهيمها مسارًا واضحًا في الواقع العربي، لتحفر عميقًا في هذا الواقع أولوية الإنسان/الفرد ودوره ومركزيته، في سياق اجتماعي يتشكل من مجموع المواطنين الأحرار، في المعتقد والتفكير والانتماء، وهنا يشكل مبدأ المواطنة أحد أهم المفاهيم التي ترسخ الأسس السياسية للعلمانية، كما أن العلمانية هي مفتاح المواطنة الكاملة بين البشر، ولا يمكن أن نصل لذلك دون الاتجاه للتأصيل المستمر للحياة الديمقراطية على أسس الحرية والديمقراطية والمساواة، كما جرى في دورة تطور المجتمعات الغربية".

وبشأن العلمانية والحالة الفلسطينية، قال الفقعاوي، إنّ "الوضع الذي نشأ في فلسطين والتحديات التي فرضت على الشعب الفلسطيني، جعلت الأولوية لمواجهة الاستعمار البريطاني الحاضن للمشروع الصهيوني، من خلال تصريحه له بإقامة وطن قومي له في فلسطين، ورعاية الهجرة اليهودية وتنفيذ "تصريح بلفور"، على حساب حقوق وتاريخ الشعب الفلسطيني"، مضيفًا إنّ "المُستعمر الصهيوني جاء محملًا برواية دينية توراتية، كانت رئيسية في أدلجة المشروع الصهيوني وأهدافه الاستعمارية – الاستيطانية، لم يقابلها الفلسطينيون برواية دينية مؤسسة أيديولوجيًا، بل اتسم الخطاب السياسي الفلسطيني قبل النكبة، بأنه كان خطابًا وطنيًا خالصًا تقريبًا، إذ أن الديني كان في خدمة الوطني، انطلاقًا من كونه كان دينًا شعبيًا، غير مؤدلج أو خاضع للجدل الفقهي، على حساب الخطر الاستعماري البريطاني - الصهيوني الذي كان يتهدد فلسطين ومن بوابتها كل الوطن العربي، وهذا كان السمة العامة التي تميّز بها الخطاب السياسي الفلسطيني ما قبل النكبة".

وتابع الفقعاوي: "يذهب العديد من الباحثين إلى اعتبار الجمعيات الإسلامية - المسيحية التي شُكلت في أواخر عام 1910 وفي بداية عام 1920 في المدن والبلدات في فلسطين أنوية البنية التنظيمية للوطنية الفلسطينية، وقد كانت التسمية الأصلية لهذه المؤسسات "الجمعيات العربية"، وإن كانت السلطات البريطانية أجبرت مؤسسيها بتسميتها بـ "المؤسسات الإسلامية -المسيحية" في محاولة لإبعادها عن سماتها الوطنية، إلا إنه يمكن اعتبارها إحدى المقدمات لظهور دور البنى التنظيمية الفرعية للحركة الوطنية الفلسطينية، فهذه المؤسسات أنشئت لمواجهة الاحتلال البريطاني وسياسته الداعمة للمشروع الصهيوني، واستهدفت هذه الجمعيات توحيد الفلسطينيين ضد محاولات البريطانيين والصهاينة تقسيمهم على أساس ديني أو طائفي أو غير ذلك".

ولفت إلى أنّ "ما قد يؤخذ على مؤسسيها من قبولهم بالتسمية التي فرضها الاستعمار البريطاني على هذه الجمعيات من المؤسسات العربية، لكن في المحصلة كانت مقرراتها وطنية في مواجهتها للخطر القائم والداهم في حينه وأبرزها: (رفض الاستعمار البريطاني والمشروع الصهيوني – رفض الهجرة اليهودية – رفض بيع الأراضي – المطالبة بالاستقلال، وبالمحصلة، وبالرغم من انكشاف المشروع الصهيوني بأبعاده الدينية منذ بداية القرن العشرين، إلا أن الحركة الوطنية الفلسطينية الوليدة نأت بنفسها عن الطائفية والتعصب الديني أو الخطاب الديني المضاد".

وأضاف الفقعاوي: إنّ "ما ينطبق على مرحلة النكبة ينطبق على المرحلة التي وقعت ما بين النكبة والنكسة، لكن الفارق الرئيسي هو تبنى الشتات الفلسطيني بصورة إجمالية، موقفًا قوميًا عربيًا، وكان من المؤيدين المتحمسين لجمال عبد الناصر وسياساته، وكان الفلسطينيون أعضاء ناشطون وبارزون في جميع المنظمات السياسية: كالبعث، وحركة القوميين العرب، والحزب القومي السوري، والحزب الشيوعي، وإذا ساد الخطاب القومي العربي في فترة أواسط الخمسينيات وأوائل الستينيات، كانوا هم من أشد دعاته حمية، حيث اختار الفلسطينيون الإيمان بالوحدة العربية باعتبارها الشرط الذي لا بدَّ منه لمعركة التحرير والعودة".

وأشار إلى أنّه "يذهب الكثير من المؤرخين والباحثين، ومنهم - د. على الكنز - إلى أن نشاط الحركات الإسلامية التي وجدت لها حضورًا منذ أواسط الخمسينيات، كان يندرج في "دائرة الروحانيات"، بحيث كانت القوى "القومية العلمانية" لها مساحةٌ كبيرةٌ في المجالات الاقتصادية والسياسية، إلى جانب النقابات ومختلف الجمعيات المرتبطة بالقانون الوضعي، فهزيمة/نكسة عام 1967، كانت فارقةً في كلّ ما سبق، حيث لم تقتصر الصدمة التي تركتها الهزيمة، على دور الدولة المصرية والتيّار الناصري، والنقد الذي طال "ثغرةَ" فقدان الديمقراطيّة، في بنية النظام الناصري، ولم تبقَ المسألة في إطار النقد للتجربة، بل طالت التشكيك في الفكرة القومية والتقدمية العلمانية التي حملتها في مشروعها، وعبرت عنها في العديد من جوانب خطابها وممارستها".

وبين الفقعاوي، أنّ "الهزيمة فرضت تغيرات كبيرة في الواقع العربي ومنه الفلسطيني على وجه التحديد، حيث برزت تعبيرات الكيانية والهوية والشخصية الفلسطينية وكانت تجسيداتها العملية بدأت بسيطرة الفصائل على المنظمة وبإدخال تعديلات أساسية على ميثاقها بدءًا من الاسم (الوطني بدل القومي) إلى العديد من بنوده التي أكدت بأن "الشعب الفلسطيني العربي يصر على أصالة واستقلالية ثورته الوطنية، ويرفض أي شكل من أشكال التدخل، أو الوصاية أو الإلحاق، في كل الأحوال لا يمكن اعتبار الميثاق الوطني الفلسطيني الذي أقرته الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني (تموز 1968) ممثلًا لوجهة نظر علمانية بشكل محدد، حيث حددت الوظيفة الرئيسية للميثاق في إرساء المطالب والحقوق الوطنية الفلسطينية وتأكيدها، دون ربطها ببعدها الاجتماعي الديمقراطي".

وأشار إلى أنّ "التطور اللافت كان في حينه تبني الدورة الخامسة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقدة في شباط 1969، إنشاء دولة ديمقراطية في فلسطين، كهدف استراتيجي، بدون التطرق بالتفصيل لشروط ومعايير الجنسية، حيث يذهب البعض إلى اعتبار ذلك نتاج تطور رؤية وطنية علمانية للنضال الفلسطيني؛ قامت على أساس الدعوة أولًا إلى دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين؛ تتسع لأبنائها من جميع الديانات، كما نص على ذلك الميثاق الوطني الفلسطيني بشكل مباشر".

ونوه الفقعاوي، بأنه "يمكن معالجة مسألة العلمانية في الخطاب الفلسطيني إجمالًا، من خلال تركيز كل القوى "يمين ويسار"، منذ أواخر الستينيات مرورًا بالسبعينيات والثمانينيات، على البعد الوطني التحرري، في "المعركة" مع العدو الصهيوني، وانعكس ذلك بنسب متفاوتة على مجمل مؤسساتها وهياكلها وآلياتها، لكن ما يسجل هنا نقديًا أنها طوال تلك الفترات لم تولِ الأهمية المطلوبة لتحويل خطابها هذا إلى ممارسة فعلية، أو سلوك يومي لأعضائها، أو مطالبات محددة، تعزز من خلالها مفاهيم حرية الفكر والاعتقاد والرأي وقيم وثقافة الديمقراطية والتسامح... في الأوساط الشعبية، وإن بدا حضور ذلك في بدايات التأسيس، إلّا إن مساحته كانت تضيق باستمرار مترافقة مع التغيّرات البنيوية التي كانت تصيب الحركة الوطنية الفلسطينية وتجعلها تميل أكثر إلى المحافظة، وتضييق هامش الحريات داخلها ومن ثم قاعدتها الشعبية، وهذا سبب من جملة أسباب جعلها أقل اهتمامًا في إرساء بنية مجتمعية – مؤسساتية؛ تستند إلى قيم الحرية والتنوير والديمقراطية والحداثة".

ولفت الفقعاوي إلى أنّ "هذا الانفصام بين النظرية والممارسة أو بين الأقوال والأفعال والتراجعات والهزائم العسكرية والسياسية التي لحقت بالحركة الوطنية الفلسطينية، يمكن أن نرى بروز الإخوان المسلمين قوّةً سياسيّةً في المناطق المحتلة بفعل عوامل متعددة خارجية وداخلية، منها الدعم المالي من الدول المصدرة للنفط - كان ارتحل إليها عددًا كبيرًا من كادرات الإخوان، وعملوا في قطاعات مختلفة فيها، وخاصة في المجال الدعوي، الذي غلب عليه "المذهب" الوهابي السلفي المتشدد - والخدمات الاجتماعية التي قدمها الإخوان في قطاع غزة والضفة الغربية، والتصاعد العام للإسلام السياسي في الوطن العربي مدعومًا من أنظمة بلدان، مثل: مصر والأردن والسودان والجزائر، يضاف لذلك الزخم الذي مد هذه الحركات بانتصار الثورة الإيرانية".

وأوضّح، أنّه "من المعروف أنّ الحركة الإسلامية المتمثلة بالإخوان المسلمين كانت قليلة التركيز على مقاومة الاحتلال "الإسرائيلي"، وبالتالي كانت أقل عرضه لإجراءات الاحتلال، في حين أخذت على عاتقها مواجهة التيارات الوطنية السائدة، ولم يقف الأمر عند حد الصدام مع أبناء الحركة الوطنية وحرق المكتبات الوطنية، والاعتداء على الرموز الوطنية، وتكفيرهم وتخوينهم من على منابر المساجد، بل تعدى الأمر ذلك إلى التعرض إلى فئات المجتمع، وخاصة الشباب والنساء منهم، تحت دعاوى الخروج عن تقاليد وتراث "الإسلام الحنيف"؛ مترافقًا ذلك مع نشر الكتب والأشرطة الدعوية والتحريضية".

وتابع الفقعاوي، إلى أنّه "مع اندلاع الانتفاضة الكبرى عام 1987 انضمت حركة الإخوان المسلمين إليها من بوابة تشكيل حركة حماس وهي الحركة الإسلامية الأكثر تأثيرًا في المجتمع الفلسطيني وقد حددت تعريفها لنفسها ولمنطلقاتها الفكرية في المادتين الأولى والثانية من ميثاقها، فهي حركة "الإسلام منهجها، منه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها عن الكون والحياة والإنسان، وإليه تحتكم في كل تصرفاتها ومنه تستلهم ترشيد خطاها... وتمتاز بالفهم العميق والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة...الخ".

وقال الفقعاوي عن بواعث تأسيسها؛ إنّ "حماس" اعتبرت في المادة التاسعة من ميثاقها، بأنّها "وجدت نفسها في زمن غاب فيه الإسلام عن واقع الحياة، ولذلك اختلت الموازين، واضطربت المفاهيم، وتبدلت القيم وتسلط الأشرار، وساد الظلم، واغتصبت الأوطان... وقامت دولة الباطل، ولم يبقَ شيء في مكانه الصحيح، وهكذا عندما يغيب الإسلام عن الساحة يتغير كل شيء وتلك هي البواعث، أما عن العلاقة التي تجمعها مع منظمة التحرير الفلسطينية؛ فقد أوضحت الحركة في المادة السابعة والعشرين، بأنها من أقرب المقربين لها، ففيها الأب أو الأخ أو القريب أو الصديق "وتأثرًا بالظروف التي أحاطت بتكوين المنظمة، وما يسود العالم العربي من بلبلة فكرية، نتيجة للغزو الفكري الذي وقع تحت تأثيره العالم العربي، منذ اندحار الصليبيين، وعززه الاستشراق والتبشير والاستعمار ولا يزال، تبنت المنظمة فكرة الدولة العلمانية وهكذا نحسبها. والفكرة العلمانية، مناقضة للفكرة الدينية مناقضة تامة، وعلى الأفكار تبنى المواقف... لا يمكننا أن نستبدل إسلامية فلسطين الحالية والمستقبلية لنتبنى الفكرة العلمانية... ويوم تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية الإسلام كمنهج حياة، فنحن جنودها، ووقود نارها التي تحرق الأعداء... الخ".

وأضاف الفقعاوي، "في ضوء ما سبق، تأسس موقف حماس من العلمانية باعتبارها ضد الدين في ذاته، أي ملحدة وكافرة، وليست وجهة نظر في الدين، وإن كانت قد عرفت حماس ببراغمايتها في الممارسة، سواء على صعيد علاقاتها العربية والإقليمية والدولية، أو على صعيد علاقاتها بفصائل منظمة التحرير الوطنية واليسارية منها بالذات، إلا أن ذلك لا يعبر عن تغيّرات أيديولوجية أو فكرية بنيوية في منطلقاتها الأساسية.

وقال الفقعاوي "أجزم بقوة أن الأزمة الكبيرة في العلاقة مع العلمانية في الحالة الفلسطينية كانت قد برزت أكثر مع نشوء السلطة الفلسطينية في عام 1994 بموجب اتفاق أوسلو، التعبير المكثف عن التحولات الكبيرة التي شهدها الواقع الوطني والسياسي الفلسطيني، بما يعني الانتقال من "الثورة" إلى بناء ركائز ما سماه البعض بالدولة التي اُعتبرت مؤسسات السلطة تضع لبناتها الأولى".

وأشار إلى أنّ "الانعكاس الأوضح لذلك هو موقف السلطة من مسألة العلمانية والديمقراطية من خلال ممارستها التي غلب عليها (القمع والاعتقالات السياسية والفساد والإفساد الممنهج والتأكيد على العشائرية ومأسستها واستنفار التناقضات والفرز في الواقعين الاجتماعي والسياسي؛ وتجلى نظريًا في الوثائق السياسية والدستورية للسلطة، حيث نجد أن "القانون الأساسي"، الذي أُقر عام 2002، تطرق إلى الدين بشكل غير مسبوق من قبل، بما يقطع مع الرؤية التي عبر عنها "الميثاق الوطني" أو "وثيقة إعلان الاستقلال"، حيث نصت الفقرة (1) من المادة الرابعة على أن "الإسلام هو الدين الرسمي في فلسطين ولسائر الديانات السماوية احترامها وقدسيتها". وفي الفقرة (2) على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع"، وكذلك الأمر في "مشروع الدستور الفلسطيني"، الذي كانت إحدى مسوداته التي نوقشت عام 2003 تنص على "أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، ولأتباع الرسالات السماوية تنظيم أحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية وفقًا لشرائعهم ومللهم الدينية".

ولفت إلى أنّ "هذا الاستدعاء الواضح لمفردات الخطاب الديني وتوظيفها في الوثائق التأسيسية الفلسطينية، عبّر عن تنازلٍ واضحٍ في المقابل عن المقدمات العلمانية للخطاب الوطني الفلسطيني، كما عكس اِنزلاقًا إلى المنافسة على تيار الإسلام السياسي الفلسطيني في خطابه وحقل مفرداته، فبدلًا من تعزيز وترسيخ مفهوم المواطنة والقيم المرتبطة به، والتأسيس لهوية تستمد تعريفها من مقومات مدنية، تعمل على إنهاء العلاقات العائلية والعشائرية والعلاقات الزبائنية التي تحفل بها التركيبة الاجتماعية الفلسطينية؛ عملت السلطة على تعزيز هذه التركيبة، خدمة لمشروعها الطبقي والسياسي بالأساس".

وعن رهان اليسار ومستقبله، أكّد الفقعاوي، على أنّ "أزمة اليسار باتت أشهر من نارٍ على علمٍ، وفي تناولها اختلف الباحثون والمهتمون باليسار ودوره ووظيفته الوطنية والاجتماعية، فيما إذا كانت الأزمة تعود إلى نشأة اليسار في الواقع العربي ومنه الفلسطيني أم هي أزمة بنيّة؟ أم ترجع إلى الأيديولوجيا التي يتكئ عليها اليسار؟ أم إلى الممارسة؟ أم إلى الاثنتين معًا؟

وفي سياق البحث عن الإجابة، يذهب البعض إلى أن تأسيس ونشأة أحزاب اليسار العربي؛ ارتبطت أساسًا بالمسألة الوطنية والصراع مع الاستعمار، وعليه لم يكن الأساس في نشأتها المسألة الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ينطبق أكثر ما ينطبق على نشأة اليسار الفلسطيني، الذي جاءت أزمته متجذّرة في تكوينه ولم يكن مصدرها التغيّرات السياسية المرحلية فقط".

وقال الفقعاوي، إنّه "لم يكن تكَون اليسار الفلسطيني من باطن الصراعات الداخلية للمجتمع الفلسطيني، إنما في مواجهة استهداف استعماري لوجود هذا المجتمع؛ نشوء يغيب منه التحليل والصراع الاجتماعيين كشرط أساسي للفكر وللتنظيم اليساري، وهذا نشوء غير تقليدي ومأزوم بحدّ ذاته، فيما يضيف آخرون، إلى أن جذور أزمة أحزاب اليسار تكمن في التراجع الفكري أو النظري الذي أصابها، إلى جانب حالة الاغتراب عن الواقع؛ بسبب فشلها في وعي الواقع واستيعاب جوانبه ومكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية...الخ، حيث استمرت طوال العقود الماضية في رفع شعارات أو مبادئ لا تجسد الواقع، أو تعكسه بصورة جدلية وموضوعية صحيحة".

وأضاف، إنّ "عدم إقدام أحزاب اليسار على مراجعات جدية؛ تطال التنظيم وأسلوب العمل بمنهجيه ديمقراطية نقيضة للبيروقراطية ومركزيتها، وتستلهم شكل وروح التطورات العلمية والتكنولوجية الحديثة وتتفاعل معها وتعمل على تجديد بناه وتشبيب قياداته (ليس عمريًا بل نوعيًا)، وعدم قدرة اليسار على بلورة الدور الطليعي وطنيًا ومجتمعيًا مع متطلبات التغيير الجديدة في المجتمعات العربية، ومنها الفلسطيني، بالإضافة إلى تزايد حالة الإرباك الفكري الداخلي بين صفوف قادة وكوادر وقواعد أحزاب وفصائل اليسار، مترافقًا مع غياب أو انحسار العملية الثقافية الداخلية التي كانت تميز أحزاب وفصائل اليسار عن غيرها".

ونبّه الفقعاوي إلى أنّ "الأزمة طرحت على اليسار سؤال الوظيفة: بمعنى أية وظيفة المطلوب من اليسار أن يؤديها طالما لا يتمايز جوهريًا عن كلا اليمينين في الساحة الفلسطينية؟ وهذه الوظيفة التي يجب أن يعاد مركزتها في رؤية اليسار لنفسه ومفهومه عنها ودوره من بوابة التالي: مركزيّة المسألة الاجتماعيّة في أيّ مشروعٍ للتغيير الاجتماعيّ وربطها ببعدها الوطني التحرري، تنظيم العلاقة بين المسألتيْن الوطنيّة والقوميّة، تأصيل الديمقراطيّة في فكره وبناه، لتغدو نظام حياة، إيلاء أهمية لمسألة الدين ودوره في ظل خصوصية عربية شديدة، وعدم جعل مسألة الدين حكرًا على حركات الإسلام السياسي التي كان من السهل عليها إلصاق تهمة "الكفر والإلحاد" بالقوى المخالفة لها، أي أن أحزاب اليسار لم يكن مطلوبًا منها إغفال مسألة الدين وأهميتها في مجتمعاتنا، بل أجزم أنها معنية فيه كما حركات الإسلام السياسي، ولا أجازف لو قلت أكثر منها".

وفي ختام مداخلته، أكّد الفقعاوي على أنّ "اليسار مشروع فلسفي - سياسي – اقتصادي – ثقافي - طبقي - عملي نضالي، إنّه مشروع يسعى لقيادة المجتمع، وهذا لن يكون إلا بالمبادرة الفاعلة في الواقع والاستعداد للمواجهة والتضحية... وهنا يحضر أهمية ما نسميه "النقد الذاتي" ومراجعة الذات، وليس المقصود منه جلد الذات والتباكي والعويل، ولا التبرير والتنظير الهش للفشل".

وأشار إلى، أنّ "من الجدير التأكيد بأنّ التأسيس للمستقبل؛ ينطلق من تأكيد مفاهيم العقلانية والموضوعية والنسبيّة وما يجري على منوالها، بحيث يكون ذلك التأسيس تقدميًا في جوهره وألا يحمل وعيًا زائفًا، وهذه المهمة المصيرية وتبقى القيمة الرئيسية هي أن نذهب نحو بناءً جديدًا من خلال استخلاص الدروس والعبر المطلوبة، وهذا من صلب التجاوز للواقع الحالي نحو المستقبل".

2f6db5e7-749e-452c-b966-1b7720e003ec.jpg
ee9a9039-f962-4b83-b1c7-c37914e701f7.jpg
1219c328-3f98-4079-8838-3a0590cb77b5.jpg
439a23f9-71cd-4e4f-8809-c5362697d725.jpg
a8e44100-f99f-4a7d-9a96-976afc79b66e.jpg