Menu

رحلة المجهول "عمل الفلسطينيين داخل الخط الأخضر"

العمال الفلسطينيين على أحد البوابات

بوابة الهدف_ الخليل_ ساري جردات

مع ساعات الفجر الأولى، ودون ضمانِ العودة للدّيار، يصطف عشرات العمّال الفلسطينيين في طوابير تمتدّ مئات الأمتار، بانتظار قرار جندي صهيوني، ليسمح لهم بالعبور، للعمل داخل الأرض المحتلة عام 1948، وجلب قوت عائلاتهم، مُجرّدون ممّا يحفظ كرامتهم وحقوقهم.

ضيق العيش وانعدام فرص العمل للشباب –أو شحّها بأفضل الأحوال- إلى جانب التقصير الحكومي والمؤسساتي تجاههم، دفع بهم بالآلاف إلى تلك الحواجز والبوابات الحديدية الموزعة على مداخل ومخارج المدن الفلسطينية.

وكحال أي قطاع معيشي في الوطن المحتل، ترعرعت الطبقة الفلسطينية العاملة في صراعٍ تاريخي مفتوح مع المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني العنصري، والذي انعكس على حياتها بشكل كامل، في ظلّ إمعان "آبارتهايد" الكيان المحتل، وعنصريّته في تجريد العمّال الفلسطينيين من حقوقهم، على قدر ما يُمكن، وبكل السبُل.

تلك المحاولات العنصرية، لخنق الفلسطينيين الذي يعملون داخل الخط الأخضر، كانت بفعل أدوات الحركة الصهيوينة، والتي تتمثّل بالوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي، إضافة إلى "الهستدروت" وهي النقابة العامة للعمال اليهود في الأرض المحتلة عام 1948، والتي لعبت منذ عام 1920 دوراً كبيراً في استهداف الشريحة العمالية الفلسطينية وحركتها النقابية، فعملت على فرض نفسها كممثل لكل العمال على أرض فلسطين بما ينسجم مع عقيدة الحركة الصهيونية، وبعد فشلها في هذا الأمر، حاولت احتواء العمل النقابي الفلسطيني في إطارها، منعاً لبناء تنظيم نقابي فلسطيني يُعبر عن الهوية الوطنية والنقابية للعمال الفلسطينيين .

بؤس الحياة هو السبب

يبلغ مجموع العمال الفلسطينيين الذي يحملون تصاريح عمل داخل الكيان، نحو 120 ألف عامل، مُقابل حوالي 70 ألفاً لا يحملون تصاريح.

الخبير في الشأن الاقتصادي الفلسطيني د.سليمان عيسى، تحدث لـ"بوابة الهدف"، عن أسباب توجّه الفلسطينيين للمجهول بعملهم داخل الخط الأخضر، وهم بغالبيتهم الساحقة دون تصاريح عمل، فقال "إن حالة الفقر المدقع وانعدام فرص العمل، أجبرت الفلسطينيين على العمل بهذه الأوضاع وتحت جميع الظروف من ابتزاز وسرقة لحقوقهم.

وأضاف د.عيسى "لا يقتصر الأمر على ذلك فحسب بل أجبرتهم ظروفهم البائسة على العمل في المستوطنات على الرغم من منع السلطة الفلسطينية لذلك".

ومن آلاف العمال، تعتقل قوات الشرطة "الإسرائيلية" مئاتٌ ومئات، منهم من يتم إرجاعه لدياره، ومنهم من يتم الزج به في السجون، ومحاكمته ، عدا عمّا يراه من تعذيب وإهانة، ودفع غرامات، والتوقيع على تعهّدات بعدم العودة للعمل داخل الخط الأخضر مجدداً.

الأمـرّ من المُـر

وهُنا، تبرز لا أخلاقية ودناءة "المشغلين الإسرائيليين"، الذين يستغلّون بدورهم ظروف العمّال الاقتصادية، وخاصّة ممّن لا يمتلكون تصاريح للتواجد أو العمل في "إسرائيل"، ليقوموا بتشغيلهم مقابل فُتات الأجر، وبظروف صعبة، دون حقوق أو سلامة مهنيّة.

الشاب الفلسطيني سند عيايدة، الذي أنهى دراسته لبكالوريوس اللغة العربية من جامعة الخليل، لم يحصل على وظيفة، كحال مئات الآلاف من الشباب الفلسطيني. توجّه إلى العمل في مدينة كفر قاسم بالداخل المحتل، ويقول لـ"بوابة الهدف": أجبرتنا الظروف المعيشية المريرة للعمل داخل الكيان"، مضيفاً حول معاملة المشغلين "الإسرائيليين": إنّهم يستغلونا بشكل كبير، وفوق كل هذا، لا نستطيع استئجار مكان لنا لأغراض النوم والطعام والنظافة، فقانون الاحتلال يحظر على "الإسرائيليين" التعامل معنا أو تأجيرنا، نظراً لعدم امتلاكنا تصاريح عمل.

يشقّ العمال الفلسطينيين الصخر ليصلوا لأماكن عملهم، وهذا ليس تعبيراً مجازياً، فهُم بالفعل يخترقون جدار الفصل العنصري بتسلّقه، للوصول لعملهم، وهذا -بالضرورة- يُعرّضهم لخطر الاستشهاد، وهو ما حدث للشاب عز الدين الكوازبة الذي قتله جنود الاحتلال في منطقة الزعيم  بينما كان يُحاول القفز عن الجدار.

بلغ عدد العمال الذي قضوا داخل الورش الصناعية في مناطق الخط الأخضر نحو 23 عاملاً، عام 2015 فقط، عدا عمّن تعرض للإصابة خلال العمل، أو الملاحقة والاعتقال من قِبل جيش وشرطة الاحتلال.

المحامي الفلسطيني أحمد أبو عيد يعمل في مجال رفع الشكاوي ضد "المُشغّلين الإسرائيليين" الذين يستغلون ظروف العمال الاجتماعية والاقتصادية، قال لـ"بوابة الهدف": استغلال المشغلين لحاجة العمّال إلى جانب ملاحقة قوات الاحتلال، جعلت هذه الفئة عرضة للسرقة والتنكيل والابتزاز والاستغلال، والقتل أيضاً.

وحول رفع الشكاوى، أوضح أبو عيد "قُدّمنا مئات الشكاوى، لإنصاف العمّال، من خلال العديد من المؤسسات ذات الاختصاص، لكن محاكم الاحتلال المدنية ترفض دوماً النظر في أغلب الشكاوى، نظراً لـ"عدم شرعية العمل".

وأضاف المحامي أبو عيد: نحن نعمل على تأسيس جسم قانوني موحد لمواجهة الأزمات التي يتعرض لها العمال الفلسطينيون داخل حدود الخط الأخضر".

مؤشّرات خطيرة

"أشارت بيانات مسح القوى العاملة الصادرة عن جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، إلى ارتفاع مؤشرات البطالة بين الفلسطينيين في الربع الثالث من العام 2015، وإلى خسارة السوق العمل الفلسطيني نحو 30 ألف فرصة عمل"، يقول السيّد فراس جابر، مدير مركز السياسات الاجتماعية والاقتصادية "مرصد".

ويُضيف جابر "مؤشرات البطالة ترتفع لمعدّلات لم تصل إليها، خلال السنوات الأخيرة، وبلغ عدد العاطلين عن العمل حسب تعريف منظمة العمل الدولية في فلسطين 326,100 شخص في الربع الأول من عام 2015،  بواقع 193,600 في قطاع غزة، 132,500 في الضفة الغربية.