Menu

نحو برنامجِ مهمّاتٍ وطنيّة

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

هذا التزاحمُ بين كلّ ما هو عاجلٌ ومهمٌّ وضروريٌّ وذو خطورةٍ وأولويّةٍ في المشهد الفلسطيني، يعكس إلى حدٍّ كبيرٍ درجةَ الضغط الذي يتعرّضُ له شعبنا، وتعدّد أدوات استنزافه وعمق تأثيرها في الجسد الفلسطيني، فبينما يخوضُ الأسرى مواجهتهم مع السجّان وتحدّيهم لسياسات الغزاة، وتتلاحم مواقف الصمود ضد المجازر في جنين ونابلس وعلى امتداد الوطن المحتل، ينتصب أمامنا سؤال: ماذا إنْ كان هذا من علامات تعافي البنية الوطنيّة والنضاليّة الفلسطينيّة؟ أم من أنّه تجسيدٌ لضراوة العدوان؟

فما تشهده فلسطين منذ أيار ٢٠٢١م ميدانيًّا وجماهيريًّا تطوّرٌ ملموّسٌ لفعلٍ فلسطينيٍّ مقاومٍ في مواجهة عدوانٍ متصاعدٍ أيضًا بدوره، ولكن المشهد السياسي بما فيه من بنى وهياكل قائمة أو مفترضة، ما زال يعيش تكلّسه وصدأه، ولا يفرز إلا مزيدًا من الجمود والركاكة، وغياب الأمل أو الإيمان بمشروعٍ لهزيمة العدو، حتى إنّ أولئك الذين تفرّدوا واستأثروا بمواقع السلطة وعزلوا الإرادة الشعبيّة طيلةَ هذه الأعوام الطويلة قد تخلّوا عن إيمانهم بمشروعهم أو مشاريعهم. هذا يفاقمُ الأعباء الملقاة على جماهير شعبنا، ويضع حاجتها لاستعادة أدواتها التنظيميّة أولويّةً نضاليّة، يجب أن تسير جنبًا إلى جنبٍ مع النضال المستمرّ ضدّ العدوّ الصهيوني؛ ترفده وتدعمه وتحصنه بالحاضنة الشعبيّة وتعزّز صمود الجماهير، وتوسّع مساحة الاشتباك وعمقه ضدّ المحتلّ وتنوّع أدواته. كما أنّ القضايا المطلبيّة لمعظم قطاعات شعبنا؛ باتت ملفًّا نضاليًّا في حدّ ذاته، في ظلّ تعنّت من هم في موقع الحكم والسيطرة على الموارد، واستمرار المساعي الخبيثة دوليًّا؛ لتفكيك حوامل صمود اللاجئين الفلسطينيين وتجويعهم وتهجيرهم، وهو ما يحيلُ الوضع الاقتصادي والمعيشي أداةَ تقويضٍ للنضال الوطني، بل للصمود الجماهيري بأشكاله كافة.

إنّ أسئلةً وطنيّةً بهذا التعقيد والكثافة والتزاحم، ليست وظيفة الحراكات الشعبيّة تقديم إجاباتٍ متكاملةٍ لها، ولكن هذا واجب القوى المنظّمة، بما يفترضُ أن تحمله من أرضيّةٍ فكريّةٍ وبنى تنظيميّة ورؤية وبرامج سياسيّة، ولكن الغريب أن هذه البرامج ما زالت تعالج أسئلةً ابتدائيّة؛ صحيحٌ أنّ إجاباتها تشكّل منطلقاتٍ أساسيّةً للكفاح الوطني، لكنّها تبقى مجرد إجاباتٍ عامةٍ وواسعةٍ، وليست برامج سياسية أو اجتماعية بالمعنى الذي يجب أن تكون عليه، بل ويمكن القول: إنّ هذا التسطيح للعمل السياسي الفلسطيني، وإن كان عارضًا مصاحبًا للتراجع الذي أصاب الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة في حقبة أوسلو، إلا أنّه اليوم لم يعد محضَ عارضٍ لانهيار الموقف السياسي الرسميّ أو للعوامل المهيمنة في حقبة أوسلو، لكن مصدر تهديد بحدّ ذاته للدور المحوري الذي يجب أن تؤدّيه القوى الفلسطينيّة المنظّمة.

ما يعطي للمهمات السياسية قيمتها أمران: الأوّل، هو وجودها فعلًا في موقع ضرورةٍ تمسُّ بالحاجات والتحدّيات التي تواجهها غالبية الجماهير. والثاني، قدرة هذه المهمات على تشكيل أدواتٍ لتغيير الواقع وإبطال التحدّيات وصناعة الأمل بالانتصار؛ ناهيك عن صناعة الانتصار نفسه حتى ولو كان نسبيًّا وموضعيًّا وصغيرًا؛ فتضافر هذه النجاحات/المهمات، قادرٌ على ترجيح كفّتنا على كفّة العدوّ والهيمنة الاستعماريّة في مرحلةٍ أو أخرى من مستقبل هذه المواجهة.