Menu

العنصريّةُ والإرهابُ في المعتقد الصهيونيّ

د. سامي الشيخ محمد

العداء للآخر ورفض الاندماج معه

تحظرُ توراة اليهود اندماج اليهود بغير اليهـود، وتعدّ اندماجهـم بالشّعوب الّتي يعيشون بينها خيانة للرّبّ وانتهاكًا للقداسة الّتي اختصَّ الله اليهود بها دون سواهم من البشر، فها هو نحميا يرتاع لدى مشاهدته اندماج من تَبَقَّى من اليهود بالشّعوب الكنعانيّة، بعد سبي الجزء الأكبر منهُم إلى بابل فقـال:" رأيت يهودًا قد تزَوَّجوا نساءً أشدوديّاتٍ وعمّونيّاتٍ ومؤابيّاتٍ، وكانَ نصفُ كلامِ أولادِهِم بلُغةِ أشدود، ولم يكونوا يحسِنونَ التّكَلُّمَ باليهوديّة، بَل بِلِسانِ شعبٍ وَشعب. فخاصمتُهم ولعنتُهم، وضربت منهم أناسًا ونتفت شعرَهُمْ، واستحلفتُهُمْ باللهِ أنْ لا تُعطوا بناتِكُم لبنيهِم، ولا تأخذوا بَناتِهِمْ لِبنيكُم ولا لَكُم. ألَم يكُن أنَّهُ بهذا أثِمَ سُليمان مَلِكُ إسرائيل.. فآثَمَتْهُ النّساءُ الأجنبيّاتُ. أفَنَسكُتُ لَكُمْ على فِعلِ هذا الشّرِّ العظيم كُلِّهِ والتّعَدّي على إلهِنا بِتَزَوُّجِ النّساءِ الأجنبيّات " [نحميا 13: 23، 24، 25، 26، 27].

وبالفعل استجابوا له وأقسموا على ألاَّ يتزوّجوا من الأغراب أو يزوّجوهم. وها هو ذا عزرا الكاهن يَتَّخِذ ذات الموقـف من الاندماج بالآخر عندما عاد إلى أورشليم لبناء الهيكل المزعوم: " أقبَلَ الرّؤساءُ إليَّ يقولونَ إنَّ شعبَ إسرائيل والكَهَنةَ واللاّويّينَ لَم يَنفَرِزوا عن شِعُوبِ الأرضِ وَرَجَاسَاتِهِم من الكنعانيّينَ والحِثّيينَ والفرزيّينَ واليبوسيّينَ والعمونيّينَ والمؤابيّينَ والمصريّينَ والأموريّينَ. لأنَّهُم اتّخذوا من بناتِهِم لَهُم وَلِبَنيهِم فاختلطَ النّسلُ الطّاهِرُ بأممِ الأرضِ بَل يدُ الرّؤساءِ والعُظَماءِ كانت الأولى في هذا التّعَدّي. فَلَمّا سَمِعتُ هذا الكلامَ مزّقت ثوبي ورِدائي ونتّفت شعرَ رأسي ولِحيَتي وَلَبِثتُ مُتحيّرًا.. والآنَ فلا تُعطوا بناتِكُم لبنيهِم ولا تأخذوا بناتِهِم لبنيكُمْ ولا تطلُبوا سِلمَهُم ولا خَيرَهُم إلى الأبد.. " [ عزرا 9: 1، 2، 3، 12 ] فاستجاب اليهود لدعوته فأخرجوا النّساء الغريبات والّذين وُلِدوا منهنّ من بيوتهم :" … لِنَبنِ الآنَ عَهداً مع إلهِنا على إخراجِ جميعِ النّساءِ وأولادِهِنَّ جرياً على مشورةِ سيّدي والَّذينَ يَخشونَ أمرَ إلهِنا وليَكُن بِحسبِ الشّريعة "[ عزرا10: 3 ] و[ عزرا 10: 11 ، 12، 13 ، 14 ، 15، 16 ، 17 ، 18]. والسّؤال: ألا تُعَدُّ تلك الأقوال والأفعال دليلًا قويًّا على تأصُّلِ الرّوح العنصُريّة لدى الإسرائيليين إزاء الشّعوب غيرِ الإسرائيليّة وعلى رأسِها العربيّة، بما يحول دون اندماجهم معها باعتبار أنَّ الاندماجِ مَع الآخرِ غير اليهوديِّ يُشَكِّلُ خروجًا عن أوامر الرّب إلهِ إسرائيل، وإثماً يَستَحِقُّ اللّعنةَ والدّمارَ والهلاك؟

إنَّ رَفضَ اندماج اليهود بغيرِهم من البشر، عقيدةٌ مُقَدَّسةٌ لديهِم؛ الأمرُ الّذي يَعني أنَّ انعزالَهُم عبر التّاريخِ في تَجَمُّعاتٍ خاصّةٍ بِهِم ورَفضِهِم التّصاهُرَ والاندماج مع الأمم الأخرى يقعُ على كاهِلِهِم وَحدَهُم، ولا علاقةَ للغيرِ به.

إنَّ عقيدةَ الانعزال ومُقاومة الاندماج تُعَدُّ شكلًا آخرَ من أشكالِ الإرهابِ النّفسيّ والاجتماعيّ اليهودي الّذي يَنفَرِدُ بِهِ اليهود من بينَ أممِ الأرض قاطِبةً، وهو ما يُفَسّر مُمارسات التّمييز العنصُريّ الإسرائيليّ حيال المواطنين العرب الخاضعينَ لِحُكمِهِم، والعنصريّ الفاشيّ حيال العرب الفلسطينيّين وغيرِهم في الأراضي العربيّة المُحتَلَّة للعام سبعة وستين وتسعمئة وألف، القائِمِ على فكرتيّ العبوديّة والعزل، وما جدار العزل العنصُريّ في واقعِ الأمر إلاَّ أحد أشكال التّعبير عن روح الانعزال ورفض الاندماجِ مع الآخرِ والتعايُشِ معهُ، والعمل على استِعبادُهُ والاستيلاءِ على أملاكهِ ومُقَدّراتهِ.

الإقراض بالرّبا:

تَحضُّ التّوراةُ اليهودَ على الإقراضِ بربا لجميع البشر من غير اليهـود، بينما تُحَرِّمُ ذلك على اليهود فيما بينهم، عملًا بوصيّة الربّ: "لا تقـرض أخاك بربىً في فِضَّةٍ أو طعامٍ أو شيءٍ آخرَ مِمّا يُقرَضُ بالرّبى. بل الأجنبيَّ إيّاهُ تُقرِضُ بالرِّبا وأخاكَ لا تُقرِضهُ بالرّبى" [تثنية الاشتراع 23: 19، 20]. ولا يَخفى أنَّ نَهيَ الرّبّ الإله إقراض الإسرائيليّين بعضَهُم البعَض بربا، يَدلُّ على أنَّ الرّبا في حَدِّ ذاته مكروهٌ لدى الرّبِّ، وإثمٌ وشَرٌّ بالنَّظَرِ إلى الآثار السّلبيّة الّتي يُلحقها بالمُقتَرِض نتيجة استغلال المُقْرِضِ حاجةَ المُقتَرِضِ وما يتَرَتّبُ على ذلكَ من أعباء ماليّة تتجاوز قيمة المبلَغ المُقرَض.

من هُنا نهى الرّبُّ الإله الإسرائيليّين إقراض بعضِهِم البعض بربا. غيرَ أنَّ دعوتَهُ المُقرِض الإسرائيليّ إقراض الإنسان غيرَ الإسرائيليّ بربا إنّما يَدلُّ على كُرهِ هذا الإلهِ وشعبهِ للأُمَمِ والشّعوب الأخرى، وهو ما يُشَكّلُ ركيزةً من ركائزِ العنصُريّة الإسرائيليّة وممارساتِها الإرهابيّة في الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة. فالتّعاملُ بالرّبا وما ينجُمُ عنهُ من استغلال الدّائنِ للمَدينِ شكلٌ من أشكال الإرهاب الاقتصاديّ الإسرائيلي في علاقَتهِ بالآخر الأجنبيّ.

إجازة قتل المدنيين:

تأمُرُ توراةُ اليهود بقتل الأقوام غير اليهوديّة الّتي ترفضُ أنْ تُستَعبَدَ لليهود أنفسهم، أطفالاً، نساءً، رجالاً، وكهولاً عملاً بأوامِرِ الربّ يهوه. فعن المعارك الّتي خاضها بنو إسرائيل ضدّ الفلسطينيين وأشقّائهم العرب تقول التّوراة: " فخرج سيحون علينا بجميع قومه للحرب إلى ياهص، فأسلمه الرّبّ إلهنا بين أيدينا فقتلناه هو وبنيه وجميع قومه. وفتحنا جميع مدنه في ذلك الوقت وأبسلنا كلّ مدينةٍ رجالَها ونساءَها وأطفالَها لم نبق منهم باقيًا. " [تثنية الاشتراع 2: 22، 23، 24]، " ثمّ انثنينا فصعِدنا في طريق باشان فخـرج علينا عـوجٌ ملك باشان بجميع قومه للحـرب في أدرعي. فقالَ ليَ الرَّبُّ لا تَخَفهُ فإنّي قَد أسلَمتُهُ إلى يَدِكَ هو وجميع قومِهِ وأرضَهُ تصنعُ بهِ كما صَنَعتَ بسيحونَ ملكِ الأموريّين الّذي كانَ مُقيماً بحبشونَ. فأَسلَمَ الرّبُّ إلهُنا إلى أيدينا عوجاً ملكَ باشانَ أيضاً وجميعَ قومِهِ فضربناهُ حتّى لم يبقَ لهُ باقٍ، وفتحنا جميع مدنه.. ستّين مدينة كلّ بقعة أرجوبَ مملكةَ عوجٍ في باشان… فأبسلناها كما فعلنا بسيحون ملك حشبون مُبسلينَ كلَّ مدينةٍ رجالها ونساءَها وأطفالَها. " [تثنيةِ الاشتراع 3: 1، 2، 3، 4، 6 ]، " فهلُمَّ الآنَ واضرِبْ عماليقَ وأَبسِل جميعَ ما لَهُمْ ولا تعفُ عَنهُم بل اقتُلِ الرِّجالَ والنّساءَ والصّبيانَ والرُّضَّعَ والبَقرَ والغَنَمَ والإبلَ والحميرَ . " [ الملوك الأول 15 : 3] ، " أُقْتُلوا الشَّيخَ والشّابَّ والعذراءَ والطّفلَ والنّساءَ … " [ حزقيال 9: 6] ،" لذلكَ قالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ هاءَنذا أمدُّ يدي علـى الفلسطينيين وأَقرِضُ الكريتِّيِينَ وأبيدُ بقيّةَ ساحِلِ البحرِ . وأُجري عليهم انتقاماً عظيمًا…" [ حزقيال 25 : 16 ، 17] . وعن المصريين يقول الربّ: " .. وأُشتّت مِصرَ بين الأمم، وأُذرّيهِم في الأراضي ." [ حزقيال 30: 23، 26 ] و" أَطرَحُكَ وأَنبِذُكَ على وجهِ الصّحراءِ وأُسكِنُ عليكَ جميعَ طُيُورِ السّماءِ وأُشبِعُ منكَ وحوش كلِّ الأرض . وأَجعَلُ لحمَكَ على الجبالِ وأَملأُ الأودية من جِيَفِكَ. وأُسقي أرضَ سِباحَتكَ مِن دَمِكَ إلى الجِبالِ وتمتلئُ منكَ المَسايِلُ". [حزقيال 32: 4 ، 5 ، 6 ].

في ضوءِ تلكَ النّصوص يبرزُ سؤال: ما معـنى وصيّة الله لنبيّهِ موسى (لا تقتل)؟ هل المقصود منها تحريم قتل النّفس اليهوديّة حصراً، دون الأنفس غير اليهوديّة؟! ثُمَّ ما هذا الرّبّ الإله الّذي يَدعو إلى قَتلِ جميعِ الأطفال والكِهول والنّساء والبقر والغَنمَ والحمير غير اليهوديّة؟! هل من يأمُر بذلِكَ يُمكِنُ أن يكونَ إلهاً حقّاً؟! أم أنَّ قَلمَ الكتَبةِ الكاذب هو من افترى على اللهِ تلكَ الأكاذيب؟

إنَّ تِلكَ النّصوص تدعو إلى مُمارَسةِ الإرهابِ بطريقةٍ هي الأولى من نوعِها في التّاريخِ الإنساني، وبناءً على ذلكَ يَستطيعُ المرءُ أن يُفَسِّرَ الأعمال الإرهابيّة للحكومات الإسرائيليّة المُتَعاقِبة بحقّ الفلسطينييّن وأشقّائِهِم العرب، بدءاً بالمجازِر والمذابحِ وإعدام الأسرى وقتل الأطفال والنّساء، انتهاءً بتدميرِ البيوت والمخيّمات والقرى والمدن، فمجازِر الطّنطورة وكفر قاسِم ودير ياسين والأسرى المصريّين، وبحر البقر، وصبرا وشاتيلا و قانا، و الحرم الإبراهيميّ، ومُخيّم جنين، وحيّ القصبة، ومُخيّمِ رَفح وحيّ البرازيل وتلّ السّلطان، وغيرِها من المجازر إنْ هي إلاَّ تَعَيُّنات واقِعيّة لتلك الأفكار المنصوص عليها في التّوراة اليهوديّة والنّصوص الكِتابيّة للعهد القديم.

 

فهل بعد هذا الإرهاب إرهاباً أشَدّ من الإرهاب الإسرائيليّ اليهوديّ في العالم؟ نَعم هُنالك أنواعٌ مختلفةٌ من الإرهاب العالميّ لكنّها بالقياس إلى الإرهاب اليهوديّ الإسرائيليّ لا تعدو عن كونها أفعالاً مُصَغّرةً للإرهاب الإسرائيلي المُستَندِ لنصوص مُقَدَّسةٍ في العقيدةِ اليهوديّة، رَغمَ بشاعَتِها. الأمر الّذي يَكشِفُ عن الهويّة العَقَديّة للإرهاب الإسرائيلي في واحدٍ من أهمّ جوانِبها (قتلُ الأطفالِ والنّساءِ والكهول) و(الحيوانات النّافِعة للإنسان) لدى الأقوامِ غير اليهوديّة، ليقدّمُ دليلاً آخر على مدى تَجَذُّر الرّوح العنصُريّة الإرهابيّة لدى اليهود المؤمنين بعَقيدَتِهم الدّينيّة، الّتي لا تُشَكّلُ خطراً وتهديداً على الفلسطينيّين وأشِقّائِهِم العرب فحسب بل على البشريّة جمعاء أيضاً.

تدمير المدن

يُعَدُّ تدمير المدن غير اليهوديّة على أيدي اليهود وجهٌ آخرَ للإرهاب اليهودي العُنصُريِّ المُستَمَدِّ من النّصوص المُقَدّسةِ للعهد القديم، الّتي تجيز على لسان ربّ اليهود تدمير مدن الأقوام غير اليهوديّة وحرقها، فعن مدينةِ بابل يقول الرّبّ بلسان النّبي أَشعيا: "وادخلي في الظّلام يا بِنْتَ الكلدانيينَ فأنّكِ لا تُدْعَينَ سيّدةَ الممالك من بعدُ.. إنَّهُم صاروا كعُصافة. قد أحرقتهم النّار ..." [نبوءَة إشِعيا47: 5، 14]. وعن دمشق يقول الرّبّ بلسان النّبي أشعيا: "..ها إنَّ دمشقَ تُزالُ من بينِ المُدُنِ فتكونُ رُكاماً مِن الأنقاض" [ نبوءةُ أشعيا 17: 1]. وعن كنعان يقول: ".. أمر الرّبُّ على كَنْعَانَ بتدميرِ حُصُونِها" [ نبوءَةُ أَشعيا23: 11] وعن أور شليم (مدينة القدس ) يروي الكَتَبةُ:" وحاربَ بنو يهوذا أورشليم فأخذوها وضربوها بحدّ السّيـف وأحرقوا المدينة بالنّار " [ قضاة 1: 8].وعن مملكة مؤاب يقول الربّ بلسان أشعيا : " لأنَّ يدَ الرّبِّ تستقرُّ في هذا الجَبلِ ويوطأُ مؤآبُ تحتهُ كما يوطَأ التِّبنُ في ماءِ الدِّمْنِ .يَضعُ أسوارَكَ الحصينةَ الشّامِخةَ وَيخْفِضُها ويَلصِقُها بالأرضِ إلى التّرابِ " [نُبوءَةُ أَشعْيَا 25: 10 ،12] و "على مؤآب. هكذا قال ربُّ الجنودِ إلهِ إسرائيل ويلٌ لِنَبُوَ لأنَّها دُمِّرَت.. صوتُ صُراخٍ من حورونائيمَ خرابٌ وانحطامٌ عظيم.. قد انحطَمَت مؤآبُ وأَسمَعَت صِغارُها صُراخاً . ويأتي المُدَمِّرُ على كُلِّ مدينةٍ ولا تنجو مدينة ويبيدُ الوادي ويُدَمَّرُ السّهلَ لأنَّ الرّبَّ قد تكَلَّم. لقد دُمِّرَ مؤآبُ …" [نبوءَةُ إرميا 48: 1 ، 3 ، 4 ، 8 ،15 ]، وعن ربّةِ بني عمّون ( عمّان ) يقول الربّ: ".. فتَصيرُ تَلَّ ردمٍ وتُحرَقُ توابِعُها بالنّار.." [ نبوءةُ إرميا 49 : 2]، ويقول الرّبّ بلسان نبيّهِ حزقيال : " يا ابنَ البَشَرِ اجعلْ وجهَكَ إلى بني عمّون.. وقُل لبني عمّون.. أجعَلُكَ نهباً للأمُمِ وأَقرِضُكَ من الشّعوبِ وأُبيدُكَ من الأراضي وأُدَمِّرُكَ.." [نبوءَةُ حزقيال 25: 2 ، 3 ، 7]، وعن لعنة البصرة عاصمـة مملكة أدوم يقول الربّ بلسان إرميا : "لأنّي بذاتي أَقسَمتُ يقولُ الربُّ إنَّ بصرةَ تصيرُ دَهشاً وعاراً وخراباً ولعنةً . وإنَّ جميعَ مدائِنِهَـا تصيرُ أَخرِبَةً أبديّةً" [ نبوءةُ إرميا 49 : 13]، وبلسان حزقيال يقـول الربّ : " .. أمدُّ يدي على أدومَ، وأَقرِضُ منها البشَرَ والبهائِمَ وأجعَلُهَا خَرَاباً.." [نبوءَةُ حزقيال 25 : 13]. وعن غزّةَ وأشدود وأشقلون وعقرون يقول الربّ بلسان النبي عاموس: "فأُرسِلُ ناراً على سور غزّةَ فتأكلُ قُصورَها. وأَستأصِلُ السّاكِنَ من أَشدُودَ والقابِضَ على الصّولجانِ مِن أشقَلونَ وأردُّ يدي على عقرون فتهلَكُ بقيّةُ فلسطينَ.." [ نبوءةُ عاموس1: 7 ، 8 ]، وعـن صيدون: "..قال السيّدُ الرّبّ.. وأُلقي فيها الوباءَ والدّمَ في شوارِعِها فَيَسقُطُ القَتلى وَسَطهَا بالسّيف الآتي عليها من كلّ جهةٍ.." [نبوءةُ حزقيال 28 : 22 ، 23]، : "وفَتحَ يشوع في ذلك اليوم مَقِيّدة وضرَبها بحدِّ السّيف وأبسل مَلِكها وكلَّ الأنفس الّتي فيها لم يُبق باقيا.." [يشوع 10: 28 ]، : " ثمَّ اجتازَ يشوعُ وجميعُ إسرائيلَ معهُ من مَقِيدَةَ إلى لبنةَ وحارَبَها .فأسلَمَهَا الرّبُّ أيضاً إلى أَيدي إسرائيل هي ومَلِكَهَا فضربوها بحدّ السّيف وقتلوا كلَّ نفسٍ فيها لم يُبقوا فيها باقياً .."[يشوع 10: 29، 30 ] ،وكذلك فعلوا بـ ( لاكيش) و ( عجلون) و ( حبرون ) و ( بير ) و بـ (جميع أرض الجبل والجنوب والسّهـل والسّفوح) [ يشوع 10: 31حتى 41]، وفي لعنته على مصرَ: " ..قال السيّد الربّ .. وتكونُ أرضُ مصرَ دَهَشاً وخَرَاباً.. فأجعَلُ أرضَ مصرَ قِفاراً خَرِبةً مُستَوحِشةً من مِجدُولَ إلى أَسوانَ وإلى تُخْمِ كوشَ.. وأَجعلُ أرضَ مصرَ مستوحِشَةً بين الأراضي المستوحِشةِ فَمُدُنُهَا بين المُدُن الخَرِبة... " [ نبوءَةُ حزقيال 29: 8 ، 9، 10 ،12].

والسّؤال: هل يمكن أن تصدر هذه الأقوال عن إلهٍ جديرٍ بالألوهيّة؟ فمثل هذه الأقوال لا تصدر إلاّ عن شيطانٍ ماكرٍ خبيثٍ من صُنع أقلام الكَتَبةِ اليهود الكاذِبِ أنفسِهِم. فتدمير المُدُن غير اليهوديّة في بابلَ وآدوم والبصرةَ ودمشقَ وأذرعي وصيدونَ ومؤآبِ وربّة بني عمّونَ، والمُدُنِ الكنعانيّة والمصريّة، دليلٌ آخرَ على الهويّة الإرهابيّة للرّبِّ الإله ربّ الجنود إلهِ إسرائيل، والمؤمنين بهِ من بني إسرائيل. مِن هُنا ليسَ ابتكاراً جديداً ما يَفعَلهُ الإسرائيليّون بالمدنِ والقرى والمُخيّماتِ والأحياء الفلسطينيّة من نسفٍ وتدميرٍ بالطّائرات والدّبّابات والمدافعِ، وإزالةٍ للمساكِنِ والمصانعِ والمزارِعِ والتّربة بالجرّافاتِ العسكريّة، إنَّ أوامر الرّبّ الإلهِ وتعاليمهِ لبني إسرائيل بتدمير المُدُن غير اليهوديّة في السّابقِ أعادت وتُعيدُ إنتاجِ نفسِها على أيدي الحكومات الإسرائيليّة المُتَعاقِبة ، ففي العام 1948 دَمَّر المستوطنون اليهود مِئات المُدُن والقرى والبلدات العربيّة الفلسطينيّة وقَتلوا وشَرَّدوا أهلهَا مِنها . فالكثير من تلكَ المُدنِ والقرى والبلدات أصبحَ أثراً بعدَ عين، كذلكَ عشرات القرى والبلدات والمُدُن العربيّة في فلسطين وسوريا ومصرَ جرى تدميرُها على أيدي الإسرائيليّين في العام 1967، وفي انتفاضة الأقصى ضدّ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينيّة المُحتَلَّة في الضِّفَّة الغربيّة وقطاعِ غَزّةَ جرى تدميرُ آلاف المنازِلِ في جنينَ وغزّةَ ورفح وخان يونس ودير البلح ونابلس والخليل وطول كرم وقلقيلية ورام الله وبيتَ لحم وأبو ديس وأحياء القدس القديمةِ ورفح، وتجريف آلاف الدّونمات الزّراعيّة وعشرات الآبار، والمنشآت الصّناعيّة والخدميّة. عملاً بأوامرِ ووصايا وتعاليم الرّبِّ الإلهِ في أسفارِ ونبوءات العهدِ القديم. فجميعُ أعمال التّخريب والتّدمير للمنازلِ والبنى التّحتيّة الفلسطينيّة على أيدي الحكومات الإسرائيليّة تُعَدُّ عملاً مُقَدَّساً من المنظورِ الإسرائيليّ طبقاً لنصوص العقيدةِ اليهوديّة، رغمَ إجماع شعوبِ العالم على اعتبارِها أعمالاً إرهابيّة.

الاستيلاء على أراضي الغير

 

يجيز إله اليهود استيلاء اليهود على أراضي الأقوام غير اليهوديّة وما فيها طبقاً لقوله: "أعطيتكم أرضاً لم تتعبوا فيها ومدناً لم تبنوها فأقمتم بها وكروماً وزيتوناً لم تغرسوها وأنتم تأكلونها " [ يشوع 24: 13]، : "وحاربَ بنو يهوذا أورشليم فأخذوها وضربوها بحدّ السّيـف وأحرقوا المدينة بالنّار" [ قضاة 1: 8].

والواقع إنّ لعنات يهوه إله بني إسرائيل. ولعنات أنبيائهم الكثيرين أمثال أشعيا، إرميا، حزقيال، هوشع، عاموس، عوبديا، ميخا، ناحوم، حبقوق، وزكريا للشّعوب الّتي عاش بنو إسرائيل تحتَ ظلِّها، أو احتكّوا بها، مثل ممالك مصر، بابل، أشور، صور، صيدون، دمشق، وممالك الكنعانيين مثل أدوم، بني عمّون، مؤاب، عيلام، قيدار، وحاصور،.. ومدن الفلسطينيين مثل، غزّة، أشقلون، وعقرون، وهي كثيرةٌ جدّاً لدرجـة أنَّ قارئ التّوراة يخلُص إلى نتيجةٍ مفادُها أنَّ تنبؤات أنبياء التّوراة كانت أشبه بشلاّلِ لعنٍ متدّفق، لدرجة أنَّ اللّعنة أكلت الأرض كما يقول أشعيا على لِسان ربِّ الجنود: "هذا هو الائتِمارُ الّذي ائتَمَرتُ بِهِ على كُلِّ الأرض وهذهِ هيَ اليد الممدودةُ على كُلِّ الأُمَم" [نبوءَةُ أَشِعْيَا 14: 26] و (أنظر، د. كنعان، جورجي، العنصريّة اليهوديّة، ملحـق رسالة إلى يهود العالم، الطبعة الأولى، دار النهار للنشر، بيروت، 1983، ص 65).

إنَّ استملاكَ الأرض الّتي تطأُها أخامِصُ أقدام الإسرائيليّينَ عنوةً عن أهلها يُعَدّ عمـلاً مقدّسًا، وتلبية لمشيئة إلههِم، فوصيّة الرّبّ إله إسرائيل ليشوع بن نون خادم موسى: "كلُّ مكان تطأه أخامصُ أرجُلكُم لكم أعطيته كما قلت لموسى من البريّة ولبنان هذا إلى النّهر الكبير نهر الفرات جميع أرض الحثّيين وإلى البحر الكبير الّذي في جهة مغارب الشّمس تكون تخومكم" [يشوع 1: 3 ، 4 ] .

وبالتالي فالممارسات الإرهابيّة الإسرائيليّة لليهودِ ليست سوى ترجمة فعلية للأوامِرِ والوصايا والتّعاليم الدّينيّة اليهوديّة المنسوبة إلى الله زورًا، فتلك الوصايا تشكّل أعظم انتهاك للذّات الإلهيّة وقداستها، وللإنسان وقداسته، الأمر الّذي يجعل الأفراد المؤمنين بالله ينظرون إليها على أنّها أوامرَ ووصايا وتعاليم صادرة عن شيطانٍ أسمـوه الرّبِّ الإلهِ إلهِ إسرائيلَ تارةً ويهوه رب الجنود تارةً أخرى وهو ما يؤكّده إرميا والسيّد المسيح.

من هنا فجميع أعمال القتل والتّدمير الّتي يقومُ الإسرائيليّون بتنفيذِها بحق العرب الفلسطينيين وغيرِهِم، هي في واقع الأمر صورة مصغّرة للجرائم الّتي يأمر بها إلهُهُم وأنبياؤهم. والسّؤالُ: ما السّبيل لمواجهة هؤلاء اليهود، وتجنّب شرورهم؟ قد تكون الإجابة بأن يتخلّوا عن معتقداتهم الإرهابية تخلّياً كاملاً، وفي حال عدم قُدرَتِهِم على تحقيق ذلك أن تجري ملاحقتَهم والتّضييقِ عَلى نشاطاتِهِم السّياسيّة والأخلاقيّة من قِبَل الأقوام غير اليهوديّة. ربّ قائلٍ يقول: ألا تُعَدُّ مطالبةُ اليهود بالتّخلّي عن عقيدتهم عملاً منافياً للديمقراطيّة الّتي من مبادئها احترام حرّيّة الرّأي والمعتقـد للآخـر؟ بالطّبع لا.

لأنَّ احترام حرّيّة الرّأي والمعتقد لا تنطبق على من يؤمنون بالأفكارِ والمعتقدات الفاشيّة ويُمارسونَها في الحياة العمليّة حِيالَ الأُمَمِ والأقوام غير اليهوديّة، فالعقيدةُ اليهوديّةُ تنطوي على دعـوة صريحة بِاسمِ إله اليهود إلى شعبه كي يقتل ويدمّر ويستعبد ويستولي على أراضي وأملاك الأقوام غير اليهوديّة ناهيك عن تحريم اندماج اليهود بغيرهـم من البشر إلى جانب إجازة الكثير من الممارسات اللاأخلاقيّة الّتي يحقّ لليهودي أن يمارسها بحق الآخر من الشّعوبِ والأقوامِ غيرِ اليهوديّة..

المسألة الأخرى ما الصّلة بين يهود اليوم الّذين يطاول تاريخهم عهد السّيّد المسيح، والنّبي موسى؟ هل هم امتدادٌ تاريخيٍّ لذلك النّبي وعقيدته، أم أنّهم متهوِّدون لا يمتّون إليه بصلة؟

إنَّ دراسةً نقديّة لرواية العهد القديم والممارسات التّاريخيّة والرّاهنة لليهود تفضي للاستنتاج بأنَّ لا صلة لهم بموسى من النّاحيتين التّاريخيّة والعقديّة. فموسى وعقيدته اندثرا في التّاريخ أمّا قومه فذابوا في الأمم إلى درجةٍ كبيرة، وأمّا يهـود اليوم فهـم يهودٌ مزيّفون يؤمنون بعقيدةٍ شرّيرةٍ، الرّبّ الإله فيها ليس الله بل أقرب ما يكون لإبليس، وأنبياؤهم فيها ليسوا أنبياء بل أشبهَ ما يكونوا أبالسةً صِغاراً من نسلِ إبليس نفسهِ على حدّ وصف السّيّد المسيح لهم بأولاد الأفاعي وأبناء الشّياطين الّذين ينتسبون لأبٍ هو إبليس: "أنتم من أبٍ هو إبليس وشهواتُ أبيكم تبتغونَ أن تعملوها. هو من البدء قَتّالُ النّاس ولم يثبت على الحقّ لأنّهُ لا حقَّ فيه. إذا تكلّم بالكذب فإنّما يتكلّم بما هو لهُ لأنّهُ كذوبٌ وأبو الكذب.. من كان من الله يسمع أقوالَ الله ولهذا أنتم لستم تسمعون لأنّكم لستم من الله" [ يوحنَّا 8: 44 ، 45 ، 47 ].

من ناحيةٍ ثانية، هـل الممارسة الفاشيّة والعنصريّة لليهود الصهاينة بحقّ الفلسطينيين وأشقّائهـم العرب إلى جانب وجود المشروع الصّهيوني في فلسطين يمكن تفسيرها بمعزلٍ عن الفكرة اليهوديّة ومعتقداتها الميثولوجيّة آنفة الذّكر، بدعوى أنَّ الصّراع العربي الإسرائيليّ هو صراعٌ مع الصّهيونيّة وليس مع اليهوديّة؟ بمعنى هـل هناك قطيعة أيديولوجيّة بين اليهوديّة والصّهيونيّة؟

إنَّ محاولة تفسير نشوء الكيان الصّهيوني في فلسطين على أنّه مشروعٌ استعماريّ لا صلة له بالرّواية الدّينيّة اليهوديّة يُعبِّر عن فهمٍ غير دقيق للمسأَلة، كذلك محاولةُ فصـل الحركة الصّهيونيّة عن الميثولوجيا اليهوديّة في (العهد القديم) هي أيضاً محاولة غير موفّقـة، فالصّلة بين الحركة الصّهيونيّة ومشروعها الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، والعقيدة الدّينيّة اليهوديّة الّتي يؤمن بها اليهود هي صلة وثيقةٌ يصعب الفصل فيها. فالعقيدة الصّهيونيّة بخاصّة في بعدها الاستعمـاري الاستيطاني لفلسطين والأراضي العربيّة هي عبارة عن مُركَّبٍ أيديولوجيٍّ من عناصـر سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة ودينيّة، ينفرد العنصر الدّيني فيها بأهمّيّة كبيرةٍ من بين تلك العناصر، نظراً لما ينطوي عليه من مسوّغات كتابيّة تدعم الدّعوة الصّهيونيّة بأنَّ لليهود حقّاً تاريخيّاً في امتلاك فلسطين والأراضي الممتدّة من الفرات إلى النّيل، على اعتبار أنَّ التّاريخ الّذي ترويه التّوراة تاريخٌ حقيقـي للشّعب اليهودي _ من وجهة نظرها _ وبأنَّ الوعد الإلهي لبني إسرائيل بامتلاك الأراضي المذكورةِ هو وعدٌ صادقٌ ومقدّس بآنٍ معاً.

وعليه يستحيل تصوّر وجود حركة صهيونيّة تقصي رواية التّاريخ اليهودي والعهد القديم من بنائها الأيديولوجي في بعده الاستعماري للمنطقة العربيّة، ومن مُمارَساتِها الإرهابيّة بحقّ الفلسطينيين والعرب.

من هنا، فأيُّ محاولةٍ لِنزعِ العنصر الدّيني عن الحركة الصّهيونيّة هي بمثابة نزع الشّرعيّة عنها. لذا فالصّهيونيّة بوصفها حركة سياسيّة عنصريّة استعماريّة تجسّد وحدة الدّيني بالسّياسي وحـدةً يتعذّر الفصل فيها، رغم تجاوزها للعقيدة اليهوديّة من حيث انطوائها على جملة مفاهيم سياسيّة واقتصاديّة وثقافيّة وأخلاقيّة تتعارض في بعض مبادِئِها مع بعض التّعاليم الدّينيّة اليهوديّة، باستثناء ما يتعلّق بصحّـة التّاريخ اليهودي القائم على الاختيار العرقي، والوعد الإلهي بميراث الأرض العربيّة، وممارسة الإرهاب اليهودي بحقّ شعوبِها وشعوب الأرض قاطبةً.

بهذا المعنى يغدو توصيف العلاقة بين الصّهيونيّة واليهوديّة على أنّها علاقة تقاطع تتجاوز التّطابق توصيفاً دقيقاً، إذ أنَّ الخطورة الكامنة في العقيدة الصّهيونيّة لا تقلّ عن خطـورة العقيدة الدّينيّة اليهوديّة ذاتها، بل تتجاوزها إلى مستوياتٍ تكون الصّهيونيّة فيها الأداة العمليّة الفاعلة في إنتاج تاريخٍ واقعيٍّ مُتَعيّن لليهـود مستندٍ على النّصوص التّوراتيّة للرّواية اليهوديّة الزّائفة.

خاتمة

يتّضحُ ممّا تقدّم ضرورة تحرير العقيدة اليهوديّة، من جميعِ الأفكار الميثولوجيّة العنصريّة الآثمةِ الشّريرة، خصوصاً الأفكار الّتي تنصّ على الاصطفاء العرقي والدّيني لليهود، وامتلاكِهم الوعد الإلهي بتملّك الأرض العربيّة الممتدّة من الفرات إلى النّيل، ناهيكَ عن الأفكار الّتي تُظهِرُ الله بصورةِ المُتعَطّش للقتل والدّماء، وإخضاعِ من يتبقّى من الأمم والشّعوب غير اليهوديّة لعبوديّة اليهود حيثما حَلّوا بينَهُم.

فتغيُّر النّظرة الشّائعة عن اليهود من نظرةٍ سلبيّةٍ كارهة، إلى نظرةٍ إيجابيّة قائِمةٍ على المحبّة والاحترام والتّقدير، رهنٌ بتغيير الذّهنيّة الدّينيّة لليهودِ وممارستهِم المرتبطة بها، من خلالِ العمل على تصدير توراةٍ دينيّةٍ تخلو خلوّاً مطلقاً من الأفكار الّتي تتسبّبُ في الإساءَةِ للشّخصيّةِ اليهوديّة وشخصيّة الأمم والشّعوب غير اليهوديّة، انطلاقاً من التّسليم بأنَّ الاختيار الإلهيَّ للإنسان اختيارٌ إيمانيٌّ تقويٌّ لا عرقيّ ،وبأنَّ الوعد الإلهيّ وعدٌ شخصيٌّ ينحصرُ بين الله وعبادهِ بغضِّ النّظرِ عن انتمائِهِم العرقيّ لأيِّ جماعةٍ بشرية ، وبأنّهُ عطاءٌ إلهيٌّ مشروطٍ بعدمِ الإساءة للآخرين أو الاعتداءِ عليهِم، وعلى ممتلكاتِهِم، سواء كانوا من الموعودينَ أو من غير الموعودين، فاللهُ يُعطي من خزائنهِ لِمَن يشاء من عبادهِ لا من خزائنِ العبادِ أنفُسِهِم. ناهيكَ عن التّسليمِ بأنَّ الله إلهٌ لجميع مخلوقاتهِ، وليسَ لفئةٍ عرقيّةٍ بعينِها. فهو إلهٌ للعالمين كافّة كما هو في المسيحيّة والإسلام، وليسَ لبني إسرائيلَ كما هو في العقيدةِ اليهوديّةِ المعمول بها حتّى هذا التّاريخ. بالإضافةِ إلى ضرورةِ التّسليمِ بخيريّةِ اللهِ وتنزيههِ عن ضروبِ الشّرِّ المختلفة، فهو كما أطلقَ على نفسهِ: الحنّانُ، المنّانُ، الغفورُ، الرّحيم، المنتقمُ مِن الأشرارِ بإرادتهِ، المُنعمُ على من يشاء من عباده، العادلُ بين جميعِ مخلوقاتهِ بالحقّ.

من هنا، فمفتاحُ تغيير صورة اليهود بيدِ اليهودِ أنفُسِهِم، فهل يُفلحوا في تغييرِ صورَتِهِم بِما يُحَقّق لَهُم حضوراً فاعلاً بين الأمم والشّعوب والثّقافات على أساس الاحترام والتّقدير والاعتبار؟!