Menu

مؤتمرات القمة العربية إطار عمل سياسي شكلي لا قيمة مجدية له

محمّد جبر الريفي

لم تعد مؤتمرات القمة العربية التي سينعقد أحدثها غدًا في جدة، تجدي في تصحيح الوضع العربي الذي يعيش حالة كارثية مأساوية، بسبب تدخل القوى الإقليمية والدولية في الصراع الجاري على السلطة في بعض أقطاره.. ولم تعد تجدي مؤتمرات القمة العربية في نصرة القضية الفلسطينية والدفاع عنها ضد الكيان الصهيوني، لأن أغلب الأنظمة العربية تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني سواء أكانت علاقات رسمية مثل مصر والأردن أو علاقات غير مباشرة، كالتي تدل عليها خطوات التطبيع المعلنة والمخفية.. لم تعد تجدي مؤتمرات القمة العربية في رسم سياسة قومية موحدة، تحمي الأمن القومي العربي من الأخطار الخارجية، لأن الخطر الخارجي لم يعد متفقًا على مصدره، فالكيان الصهيوني الذي كان يعتبر قبل أحداث الربيع العربي، العدو الرئيسي للأمة العربية، أصبح الآن حليفًا ممكنًا لدول الخليج العربي في أي صراع عسكري مباشر وشامل محتمل ضد إيران. هكذا فأسلوب القمة العربية الذي بدأ بمبادرة من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في مواجهة مشروع تحويل نهر الأردن، في أوائل الستينيات من القرن الماضي، من قبل الكيان الصهيوني، لم يعد هذا الأسلوب طريقة سياسية مجدية، لتوحيد العرب ضمن إطار شعار التضامن العربي أو وحدة الصف العربي كحد أدني، لمطلب تحقيق الوحدة العربية في مواجهة الأخطار الخارجية، لأن مؤتمر القمة العربية الآن الذي سيعقد في جده هو تجمع لدول مختلفة متعارضة في السياسات والتحالفات، وتحارب بعضها البعض، عبر وكلاء محليين ودوليين، وهو الوضع الذي لم يكن عليه النظام العربي الرسمي في تلك الفترة. فلا مراهنة إذًا على مؤتمرات القمة العربية وعلى ما تصدره من قرارات هزيلة، لا تنسجم مع التحديات التي تمر بها الأمة العربية، لأن في أغلب القرارات التي تصدر عنها تنطلق كانعكاس للواقع العربي الحالي، وهو واقع رديء خالٍ من النهوض الوطني والقومي، سمته الأساسية التخلف الحضاري والتجزئة السياسية الممنهجة والتعارض في المصالح القطرية، لذلك غاب تأثير قرارات مؤتمرات القمة العربية على المستوى الدولي، سواء في معالجتها للقضايا العربية العديدة والشائكة المطروحة أمامها أو القضية الفلسطينية التي اتخذت بشأنها الكثير من القرارات التي لم تجد سندًا دوليًا يسعى لتطبيقها.

هذا الأساس، لا يرى الكيان الصهيوني في مؤتمرات القمة العربية ما يهدد مشروعه الصهيوني التوسعي، فسياسة الاستيطان الصهيوني تستمر وبشكل متسارع لتغييرالواقع الديمغرافي في الأراضي المحتلة، والمدهش في الأمر أن مؤتمرات القمة العربية التي تعقد دوريًا كل عام، لم تتخذ قرارًا واحدًا ملزمًا للدول الأعضاء بقطع العلاقات السياسية أو تجميد خطوات التطبيع مع الكيان تجاه استمرار حكوماته المتعاقبة ممارسة هذه السياسة العدوانية، خاصة الحكومة الفاشية المتطرفة الحالية برئاسة نتنياهو التي تصعد عملياتها الاستفزازية على الشعب الفلسطيني ومنها ما يجري من استباحة للمسجد الأقصى من قبل آلاف المستوطنين (مسيرات الإعلام).

هكذا، فنصف قرن على انعقاد مؤتمرات القمة العربية والمنهج الدبلوماسي العربي في إدارة الصراع مع الكيان الصهيوني في تراجع، ومن تنازل إلى تنازل. وفي زاوية العلاقات الدولية، ينتقل هذا المنهج من إخفاق إلى إخفاق، فالأزمات العربية أضحت تدار من الخارج، يتحكم في مصيرها الآن قوى إقليمية ودولية، وفي ظل غياب عربي رسمي واضح، حتى على مستوى عملية التنمية في البلدان العربية، لم يكن للقمم العربية أي فائدة ملموسة في تقدم المجتمعات العربية بإيجاد مشاريع تنموية كبيرة، بهدف وضع الحلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها دول عربية عديدة، وفي وقت نجد الأموال العربية الكبيرة من عائدات النفط والغاز تتكدس في البنوك الغربية كودائع توظفها الدول الغربية الرأسمالية في إيجاد حلول لأزماتها الاقتصادية.

لذلك كله يتضح من حجم السلبيات التي تقوم عليها مؤتمرات القمة العربية، يستوجب البحث عن صيغ أخرى سياسية وتنظيمية أكثر فاعلية كإطار للعمل العربي الموحد، يتناسب مع حجم التحديات الكثيرة والخطيرة التي أوجدتها على الساحة العربية المتغيرات النوعية الحالية، لأن الأمة العربية في هذه المرحلة ليست في حاجة إلى إطار عمل شكلي، لا قيمة له على المستوى القومي والدولي، لكنه في حاجة إلى نقلة جديدة، لإدارة الصراع مع معسكر الأعداء...